تقنيات التعديل الجيني تحدث ثورة في علاج الأمراض الوراثية

واشنطن – يخطو العلماء خطوات واعدة في التجارب الأولية التي أجريت لتعديل الجينات قصد علاج اضطرابات الدم الموروثة التي تصيب الملايين في جميع أنحاء العالم.
وربما لا يزال من المبكر تقييم مدى نجاح تقنية تعديل الجينوم في علاج فقر الدم المنجلي، ولكن النتائج التي توصلت إليها دراسة جديدة مثلت محطة مفصلية في مجال علم الجينوم الذي يتوقع أن يحدث ثورة في عالم الطب.
ويعتبر فقر الدم المنجلي (SCD) مرضا وراثيا، يتسبب في إنتاج كميات من كريات دم حمراء غير طبيعية، ما يمكن أن يؤدي إلى الشعور بألم شديد، وسكتات دماغية، وتلف الأعضاء والأنسجة.
ويأمل الأطباء في أن يتمكن هذا النوع من العلاج؛ الذي يجرى لمرة واحدة، ويتضمن تغيير الحمض النووي بشكل دائم في خلايا الدم باستخدام نظام تعديلي يسمى “كريسبر”، للقضاء على مرض الدم المنجلي، أو مرض ثلاسيميا بيتا.
ونشرت النتائج الأولية للدراسة خلال مؤتمر الجمعية الأميركية لأمراض الدم، وكذلك في مجلة “نيو إنجلاند” الطبية.
ووصف خبراء التجربة بأنها خطوة هائلة نحو إيجاد حل للمرض الوراثي الذي يتسبب في تكسير كريات الدم الحمراء، ويسبب عددا من المشاكل الصحية الحادة والمزمنة، مثل الالتهابات الحادة، وألم شديد، والسكتة الدماغية، وخطر الموت في مراحل عمرية مبكرة.
عدد العلاجات الجينية المسموح بها سيرتفع ليصل إلى حوالي الأربعين بحلول العام 2022
وتعد فيكتوريا غراي، أول مريضة خضعت لدراسة الخلايا المنجلية، وقد عانت طويلا من نوبات ألم شديدة أدخلتها في أغلب الأحيان إلى المستشفى.
وقالت غراي، (35عاما) التي تعيش في فوريست بولاية ميسيسيبي “كنت أعاني من أوجاع مؤلمة وآلام حادة”. وأضافت “هذا كل ما عرفته طوال حياتي. كنت أتألم من كل عضو يسيل فيه دمي”.
وعانت غراي من فقر الدم المنجلي الذي جعلها عرضة لنوبات مؤلمة جدا، وعلى مدى أسابيع أخذت عينات من دمها واستخرجت منها الخلايا التي تقف وراء معاناتها وهي خلايا جذعية تستوطن النخاع العظمي وتنتج كريات حمراء مشوهة ما يتسبب بنوبات.
وأرسلت هذه الخلايا الجذعية إلى مختبر أسكتلندي حيث عدل حمضها النووي بفضل تقنية “كريسبر” الجديدة، والملقبة بـ“مقص الجزئيات”. وحقنت بالخلايا المعدلة جينيا التي عادت إلى مكانها في النخاع العظمي. وقالت غراي إن “الوضع بمثابة معجزة” فخلال شهر أصبحت خلايا الدم تنتج كريات سليمة.
ومنذ علاجها قبل عام، توقفت غراي عن تناول مسكنات الألم التي كانت تعتمد عليها. وقالت “إنه شيء تمنيته طوال حياتي. أدعو الله أن يحصل الجميع على نفس النتائج التي حصلت عليها”.
ولا يتوفر الآن، إلا علاجا وحيدا لمرضى فقر الدم المنجلي وهو زرع نخاع العظم، ويجب أن يكون من متبرع له صلة قرابة مع المريض مثل الأشقاء.
ويسبب مرض فقر الدم المنجلي، أو مرض ثلاسيميا بيتا طفرات في جين الهيموغلوبين، المادة الموجودة في خلايا الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين إلى جميع أنحاء الجسم. وفي مرض الدم المنجلي، يشكّل الهيموغلوبين المعيب خلايا دم مشوهة على شكل هلال لا تحمل الأكسجين جيدا. ويمكن أن تلتصق الخلايا ببعضها البعض وتسدّ الأوعية الصغيرة، ما يسبب الألم وتلف الأعضاء والسكتات الدماغية.
أما الأشخاص المصابون بالثلاسيميا بيتا فليس لديهم ما يكفي من الهيموغلوبين الطبيعي، ويعانون من فقر الدم، والتعب، وضيق التنفس وأعراض أخرى. وتتطلب الحالات الشديدة عمليات نقل الدم كل أسبوعين أو خمسة أسابيع.

ويقوم العلاج الجيني على إدخال جينة سليمة في الخلايا التي فيها جينة معتلة، على طريقة حصان طروادة لتقوم بالعمل الذي لا تقوى عليه الجينة السيئة مثل إنتاج الكريات الحمراء السليمة، وفي حالات السرطان إنتاج كريات بيضاء فائقة القوة تقضي على الأورام. إلا أن تقنية “كريسبر” تذهب أبعد من ذلك. فبدلا من إضافة جينة جديدة في الخلايا تقوم بتعديل الجينة المعتلة.
وقال الباحث الذي قاد الدراسة وهو الدكتور حيدر فرانغول، من معهد سارة كانون للأبحاث في ناشفيل “ما نقوم به هو إيقاف هذا التحول وجعل الخلايا تعتقد أنها عادت إلى الرحم، لذا فإنها تصنع الهيموغلوبين الجنيني مرة أخرى”.
ويشمل العلاج إزالة الخلايا الجذعية من دم المريض، ثم استخدام تقنية “كريسبر” في المختبر للتخلص من الجين المتحول. ويتم إعطاء المرضى أدوية قوية لقتل الخلايا الأخرى المعيبة، ثمّ تتم إعادة الخلايا الجذعية المعدلة معمليا إليهم مرة أخرى.
وكانت النتائج الأولية للعمليات التي أجريت على 10 مرضى، سبعة منهم مصابون بالثلاسيميا بيتا وثلاثة بفقر الدم المنجلي، واعدة. وأكد فرانغول أن نتائج الاختبارات التي أجريت حتى الآن تشير إلى أن تعديل الجينات يعمل بالشكل المرغوب ودون آثار جانبية. وتجرى حاليا دراستان في أوروبا والولايات المتحدة لاختبار نفس التقنية على 45 مريضا.
لكن تكمن المشكلة في أن هذه العلاجات الجديدة مكلفة جدا وقد تصل إلى مليون لا بل مليوني دولار ما يفرض مفاوضات صعبة مع شركات التأمين. وهي تتطلب تقنيات عالية لذا فإنها محصورة في دول غنية.
إلا أن عدد العلاجات الجينية المسموح بها سيرتفع ليصل إلى حوالي الأربعين بحلول العام 2022 على ما يؤكد باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (أم.أي.تي) لمعالجة سرطانات واعتلالات عضلية وأمراض الجهاز العصبي والعيون. وتجري الصين خصوصا تجارب كثيرة في هذا المجال.