تقلبات السياسات الخارجية تهدد قطاع النقل البحري العالمي

واشنطن – أنهكت السياسات الخارجية العالمية التعاون التجاري بين الدول. وأصبحت الدول أكثر ميلا إلى الابتعاد عن اتفاقات تجارية مشتركة. وصل الحال إلى فرض رسوم جمركية قاسية على الواردات للحفاظ على الصناعات المحلية.
وأعلنت الولايات المتحدة تطبيق رسوم جمركية على كل واردات العالم من الحديد والألمونيوم. فيما ردت الصين عليها بالمعاملة بالمثل، وسط دهشة حلفاء الولايات المتحدة من عدم استثنائها لتلك السياسات. لكن دهشة الأوروبيين يكسوها الاستغراب، لأنهم جعلوا أولوية مصالحهم جزءا من كيان الاتحاد الأوروبي وحولوها إلى مصالحهم المحلية في نطاق حدودها فقط، في ما يعرف بتنامي المشاعر القومية بين الدول الأعضاء.
لم يكن الشرق أحسن حالا من الغرب. فضلا عن عزوف أغلب دول العالم عن أي مفاوضات أو اتفاقات تجارية، فإن النزاعات التي تختلقها إيران في منطقة الشرق الأوسط دفعت القوى الغربية والمجتمع الدولي لتطبيق عقوبات تجارية واقتصادية لتضييق الخناق على النظام الإيراني ليكف عن بث الفرقة بين أبناء الشعوب العربية.
كل تلك العقوبات الاقتصادية والتجارية وسياسات الخلاص الفردي لحماية الصناعات المحلية لم تكن وحدها التي أرهقت قطاع النقل البحري التجاري على مستوى العالم، بل جاءت القواعد البيئية الجديدة التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة البحرية الدولية في 16 أبريل الماضي بمثابة آخر مسمار في نعش القطاع بأكمله.
على ضوء تلك الاستراتيجية دخل قطاع النقل البحري العالمي في مفاوضات بهدف خفض الانبعاثات من السفن، وتطوير خطط لخفض انبعاثات الكبريت بحلول عام 2020.
ويؤثر قطاع النقل البحري التجاري على الاقتصاد بشكل كبير بما يزيد عن 400 مليار دولار من خلال نقل وتحريك ما يقدر بقيمة 4 تريليون دولار من البضائع كل عام. وبالتالي يمثل هذا القطاع أحد عمالقة الصناعات العالمية. لكن ارتباطه الوثيق بالسياسات الاقتصادية للدول، يصبح أكثر حساسية للتأثر نتيجة التقلبات والتطورات على الساحة السياسية. وبالرغم من محاولات إنعاش قطاع النقل البحري بعد الأزمة المالية العالمية، إلا أن عام 2017 مر عليه ثقيلا، خصوصا مع التطورات السياسية التي يشهدها عالم أصبح كل همه الحفاظ على مصلحته القومية فحسب، فقد فرضت السياسات التجارية الحمائية نفسها بقوة، ونمت المشاعر المناهضة للعولمة، ليتأثر سلبا هذا القطاع الحيوي. ورغم التطورات المُبشرة لقطاع النقل البحري من وجود سفن جديدة أكبر حجما، فإن حالة التقلبات السياسية يمكن أن تهدد التعافي الذي يشهده القطاع في الفترة الحالية.
تعليق الولايات المتحدة والصين الصراع التجاري المتمثل في فرض رسوم جمركية على الواردات، لم يصطحب معه معلومات كافية عن تفاصيل الصفقة التي لا تزال غامضة إلى حد كبير، لأن إمكانية التبادل التجاري قائمة. وأفرز ذلك الغموض حالة من الشك الذي انتقل بدوره إلى قطاع النقل البحري، ليعرضه إلى خطر الاضطرار إلى الاستجابة للعديد من نتائج تذبذب الأحداث السياسية.
تطبيق التعريفة الجمركية الأميركية التي أعلنتها إدارة ترامب 50 مليار دولار، وسياسات المعاملة بالمثل التي أعلنتها الصين فور الإعلان الأميركي كانت على وشك تعريض ما يقرب من 7 بالمئة من تجارة الحاويات بين الولايات المتحدة والصين للخطر.
وسيؤثر دخول التعريفات الجمركية حيز التنفيذ في زيادة الرسوم على التجارة العالمية، ويتسبب في حدوث خلل لسوق العرض والطلب للحاويات. ذلك الخلل لن يغير حجم السلع المنقولة فحسب، بل على اتجاه حركة البضائع، أي اللجوء إلى استخدام بلدان أقل كفاءة لتجميع البضائع مثل تايلاند أو فيتنام أو المكسيك، الأمر الذي يزيد من عدم كفاءة القطاع ككل.
إذا تركنا قطاع الحاويات جانبا، فإن قطاع النقل البحري سوف يتأثر أيضا من الناحية الإقليمية. ورغم ضآلة حجم الخسارة التجارية نتيجة الصراع بين الصين والولايات المتحدة، إلا أنها تشكل جزءا من خسارة كبرى لكساد القطاع، وتعزز حالة عدم اليقين لحالة العلاقات السياسية – التجارية المتأزمة.وأثارت السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط حالة أخرى من عدم اليقين الذي ألقى بظلاله على قطاع النقل البحري. وارتفعت أسعار النفط بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وبلغ سعر خام برنت 80 دولارا للبرميل. وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود المستخدم في السفن.
وزادت حدة النزاعات الإقليمية التي تختلقها إيران في الشرق الأوسط عام 2018، مما دفع إدارة ترامب إلى سن عقوبات لتضييق الخناق حول طهران. وعلى ضوء ضغوط العقوبات الأميركية على إيران، تأثر قطاع النقل البحري سلبا. وبدأ الأوروبيون البحث عن مصادر بديلة للنفط لأنهم لا يستطيعون الحصول على ناقلات مستعدة للعمل مع إيران.
وخلّف التهديد النووي الذي يمثله رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون الشعور بأن الحرب العالمية محتملة. وتؤثر حالة العشوائية السياسية التي تزعزع فكرة الاستقرار والسلام على الاستقرار الاقتصادي والتجاري عالميا. وهو ما ينعكس سلبا على قرارات الشركات والمستثمرين في قطاع النقل، نتيجة تلك الشكوك السياسية أكثر من أي وقت مضى.
بخلاف الدوافع الاقتصادية، فإن حالة عدم اليقين المستندة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الصين وإيران وكوريا الشمالية أو حتى أوروبا ينتج عنها انحراف قطاع النقل البحري عن مساره، لينتكس مرة أخرى. كما أن انعدام القدرة على مواكبة التطورات السياسية المتسارعة بإيجاد بدائل بنفس السرعة قد يؤدي إلى دفع القطاع في اتجاه لم يكن يرغب فيه في يوم من الأيام.