تقطير ماء الزهر في مراكش احتفاء بقدوم الربيع

الموسم لا يقتصر على تقطير الزهر فقط، بل يشمل أيضًا النباتات العطرية مثل الزعتر والورد والشيح وغيرها.
الخميس 2025/03/27
عطر يفوح من التاريخ

مع حلول فصل الربيع تستعد نساء مدينة مراكش لإحياء مراسم تقطير ماء الزهر، هذا الموروث الثقافي الذي حافظن عليه لعقود يعد تقليدا سنويا دأبت النساء على إحيائه، احتفاء بالشذى الفواح لأزهار النارنج التي تملأ شوارع المدينة الحمراء وفضاءاتها الخضراء.

مراكش (المغرب) - تحتضن مدينة مراكش خلال الفترة الممتدة من 21 مارس الجاري إلى 15 أبريل المقبل فعاليات الدورة الثالثة عشرة من “زهرية مراكش.. موسم تقطير ماء الزهر”، احتفاءً بقدوم فصل الربيع وبتقاليد تقطير ماء الزهر وطقوسه المغربية العريقة. وتعد هذه الطقوس جزءًا من التراث الحضاري العريق الذي يمتد في تاريخ المدينة الحمراء، ما يجعل مراكش عاصمة لتقطير ماء الزهر في المغرب الكبير.

وذكر بلاغ للمنظمين أن دورة هذا العام من تظاهرة “زهرية مراكش”، التي تنظمها جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، تحت شعار “الزهر اللي ترجى تلقاه في مراكش البهجة”، تتم بشراكة مع العديد من الشركاء بهدف الحفاظ على هذا التقليد العريق وتمكين الجمهور من اكتشاف تقنيات تقطير أزهار النارنج.

وأشاد رئيس جمعية منية مراكش، جعفر الكنسوسي، بالنساء اللواتي حافظن على نقل هذا التقليد العريق وأسراره إلى بناتهن، مشيرًا إلى أن تقطير الزهر يعود سنويًا للاحتفال بالربيع بين الأسر المراكشية، خاصة النساء اللواتي تعهدن بالحفاظ على هذا الطقس الحضري الذي يمتد لعقود من تاريخ المدينة. وأكد أن هذه المراسم العطرة، التي تحتفي بالزهرة البيضاء الشذية لشجرة النارنج، تصونها النساء بمحبة وشغف منذ أزمنة طويلة.

حح

وقالت مليكة العبادي، المسؤولة عن عملية التقطير، “إن موسم تقطير ماء الزهر يبدأ مع حلول فصل الربيع في مراكش، حيث تكون الطبيعة زاهية ورائحة زهرة النارنج تفوح في كل أرجاء المدينة.”

وأشارت إلى أن هذا التقليد السنوي هو موروث ثقافي يمتد لعقود، حيث دأبت نساء مراكش على إحيائه، معتبرة أن جمعية منية أسهمت بشكل كبير في صيانته والتعريف به وبما يمثله للمدينة، خاصة بعد أن لاحظت أنه أصبح يتلاشى ولم تعد له تلك المكانة التي كان يحظى بها في السابق.

وأضافت أن الفاعلين في الجمعية وفي الحقل الثقافي ارتأوا أن يخرجوا هذا الطقس من الفضاءات المغلقة إلى فضاءات أوسع وأرحب من أجل التعريف به، وحث الأجيال الناشئة على إحيائه باعتباره تقليدًا حافظت عليه النساء عبر العصور.

وأوضحت أن “هذه الزهرية في دورتها الـ13 تتميز بالاحتفال بهذا الموروث داخل العديد من الفضاءات الثقافية المتنوعة في المدينة، مثل الحدائق والأنشطة الرياضية والمؤسسات التعليمية، كما تم إشراك عدد من الجمعيات النسائية لاستثمار هذا الفن وجعله مشروعًا يحقق دخلاً للعديد من النساء اللواتي يعانين من الهشاشة والفقر.”

وتابعت “العديد من الجمعيات تتوفر على تعاونيات نسائية في الصناعة التقليدية والحرف اليدوية، لكننا قمنا بإدخال تقطير ماء الزهر كنوع من الأنشطة المدرة للدخل التي يمكن أن تساهم في التمكين الاقتصادي للنساء.”

خخ

وأبرزت أن الموسم لا يقتصر على تقطير الزهر فقط، بل يشمل أيضًا النباتات العطرية مثل الزعتر والورد والشيح وغيرها. وأوضحت أن كل نبتة لها خصائص معينة ويتم تقطيرها بكميات محددة؛ فعلى سبيل المثال، كيلوغرام من زهر النارنج يعطي تقريبًا لترين من ماء الزهر، بينما الورد يتطلب كميات أكبر للحصول على نسبة قليلة من ماء الورد.

واستعرضت مليكة أمام الحاضرين كيفية عملية تقطير ماء الزهر، حيث أكدت أن هذه العملية تبدأ بجني وجمع أزهار النارنج، التي تزرع في البساتين والحدائق داخل المدينة، ويتم بيع المحصول في سوق العطارين بالمدينة العتيقة. كما أن العديد من المراكشيين يجمعونه أثناء نزهاتهم الربيعية في ضواحي المدينة.

وعن كيفية عملية التقطير قالت مليكة “نبدأ أولاً بفرز الزهور وإزالة الشوائب منها قبل وضعها في قماش نظيف لمدة يومين أو أكثر، حيث تذبل الأزهار قليلاً لتفقد كمية من المياه، ما يسهم في نجاح عملية التقطير واستخراج الزيوت الأساسية منها بواسطة أنابيب التقطير.”

وأبرزت أن جهاز التقطير يتكون من ثلاثة أجزاء مصنوعة من النحاس الأحمر، حيث يُسمى الجزء السفلي بالطنجرة، وتوضع فيه كمية من الماء المغلي، بينما الجزء الأوسط هو عبارة عن كسكاس (إناء به ثقوب كثيرة)، توضع فيه الأزهار المجففة. أما الجزء العلوي فيتكون من صنبورين: أحدهما لتفريغ المياه الساخنة، والآخر لوضع المياه الباردة، حيث يعمل البخار المتصاعد من الإناء السفلي على تمريره مباشرة إلى الأزهار حتى يتحول إلى ماء الزهر عند وصوله إلى الجزء العلوي البارد، ليتم بعد ذلك تحويله مباشرة إلى آنية معقمة. وترافق هذه العملية زغاريد النساء.

حح

18