تقرير الحالة الثقافية في السعودية يرصد حضور الثقافة في الفضاء العام

أتاحت وزارة الثقافة السعودية أخيرا النسخة الكاملة لتقرير “الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2021” بعنوان “الثقافة في الفضاء العام” ليكون التقرير مفتوحا لكل المهتمين والمتابعين في ما يعتبر وقفة تقييم هامة للواقع الثقافي بكل تجلياته، ما يساعد على تكوين نظرة شاملة حول الثقافة في السعودية التي تشهد انتعاشة لم تشهدها من قبل.
الرياض - أصدرت وزارة الثقافة السعودية عبر موقعها الرسمي يوم الأحد النسخة الكاملة من تقرير “الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2021” والذي يأتي بعنوان “الثقافة في الفضاء العام”، ترصد من خلاله مستويات الحضور الثقافي في المساحات المفتوحة والأماكن العامة في المملكة لعام 2021، كما تكشف عن تجليات تأثر هذا الحضور بواقع ما بعد جائحة فايروس كورونا.
وأتاحت الوزارة التقرير لعموم المهتمين من خلال موقعها الرسمي حيث يمكن تحميل نسخة من التقرير والاطلاع على محتواه الذي يُلقي الضوء على الحراك الثقافي المحلي ويوثق أبرز توجهاته ويرصد مؤشراته في نحو 241 صفحة، وعبر خمسة فصول هي: الإدارة والصون، الإنتاج والإبداع، المشاركة الثقافية، المعارف والمهارات، والاقتصاد الإبداعي.
خمسة أبعاد
يتناول التقرير عبر فصوله المتعددة واقع عودة النشاط الثقافي في المملكة بعد فترات الإغلاق بسبب جائحة فايروس كورونا، والقيود الوقائية التي قلّصت من التفاعل المباشر مع الأنشطة الثقافية خارج الوسيط الرقمي، وحدّت من إتاحة المرافق الثقافية، ويتأمل التقرير في هذا الواقع خلال العام 2021، كما يحدد من هذا المنطلق “الثقافة في الفضاء العام” موضوعاً له، ويتكامل بذلك مع التقرير السابق الذي تناول موضوعه “رقمنة الثقافة”.
ويواصل تقرير العام 2021 ما بدأه تقريرا الحالة الثقافية للعامين 2019 و2020 من سعي لتقديم قراءة منهجية لحالة الثقافة تبيّن التحديات وتوثّق المنجزات، لكن وفق هيكلة موضوعية جديدة تعكس أبعاد الواقع الثقافي بقطاعاته المختلفة، وتعالج الثقافة بوصفها بنية واحدة لا تتجزأ، وذلك على خمسة أبعاد؛ يُعنى أولها بحالة منظومة المحافظة على التراث ودعم الإبداع، سواء في ممارسات التنمية المستدامة لموارد التراث، أو توفر البنى التحتية من مرافق، أو مساحات مفتوحة لممارسة الأنشطة الثقافية، فهو يركّز على الجانب المؤسساتي للثقافة من كيانات وأنظمة وبرامج دعم، وذلك تحت عنوان “الإدارة والصون”.
فيما يُعنى البُعد الثاني بالإنتاج والإبداع، مستنداً على اثنتين من مراحل دورة الثقافة، حيث يتناول مستويات الإنتاج الثقافي في مختلف المجالات واتجاهاتها، بالإضافة إلى حالة الإبداع من خلال رصد الجوائز الثقافية المحلية والعالمية كمؤشّرات للتميز في الإبداع.
تقرير الحالة الثقافية يأتي بوصفه منتجا معرفيا تقدمه وزارة الثقافة للمهتمين برصد الحراك الثقافي داخل المملكة وخارجها
وتحت عنوان “المشاركة الثقافية” يُقيّم التقرير في البُعد الثالث مدى قدرة المجال الثقافي على إشراك المجتمع بمختلف أطيافه في الفعاليات والممارسة الثقافية، سواء من خلال قياس مستويات زيارة المرافق الثقافية وحضور الفعاليات، أو قياس مدى تنوع جمهور الثقافة، وسهولة الوصول إلى مرافقها وفعالياتها، أو الأشكال الجمعية من المشاركة المتمثلة في القطاع غير الربحي، أو المساهمة الفردية الفاعلة عبر التطوع.
وفي البُعد الرابع “المعارف والمهارات”، يرصد التقرير اتجاهات التعليم والتدريب الثقافي في المملكة، ومدى جاهزية المنظومة التعليمية وكفاءتها في نقل المعارف والمهارات الثقافية وبناء القدرات، وذلك في مراحل التعليم والتدريب كافة، سواء في التعليم الأساسي، أو التأهيل الثقافي المتخصص، أو التعليم غير الرسمي، في حين يرصد التقرير في بُعده الخامس “الاقتصاد الإبداعي”، أو ما يعرف بالصناعات الثقافية، وذلك من خلال استعراض وتحليل البيانات والمؤشّرات الاقتصادية المتوفرة ذات العلاقة، مثل تلك المؤشّرات المتعلقة بتكوين القطاع الخاص في المجال الثقافي، والسياحة الثقافية، ومستويات الإنفاق على الثقافة.
كما يخصص التقرير فصلاً سادساً لإبراز الاستنتاجات الرئيسة، بالإضافة إلى معالجة موضوع التقرير “الثقافة في الفضاء العام”، الذي يقصد به تحديداً المكان العام المفتوح، أو المساحات العامة المتاحة للاستخدام من قبل كافة أفراد المجتمع، في حين يعرّف التقرير “حضور الثقافة” على نحو يتسع إلى ممارسة الأنشطة الثقافية، وإقامة الفعاليات الثقافية، وحضور العناصر الثقافية في هوية المكان العام وإسهامها في تشكيل معالمه.
وقفة تقييم
ويأتي تقرير الحالة الثقافية بوصفه منتجاً معرفياً تقدمه وزارة الثقافة لجميع المهتمين برصد الحراك الثقافي المحلي داخل المملكة وخارجها، وتهدف الوزارة من خلاله إلى خلق نقطة أساس معرفية يجري تحديثها بشكل دوري وتستند على أبحاث ودراسات معتمدة.
وتعيش السعودية مرحلة جديدة في مجالات مختلفة، ترفع من قيمة الثقافة والفنون ومن الصورة العصرية التي تريد تقديمها للعالم، إذ يعتبر المجتمع السعودي أحد أكثر المجتمعات العربية حيوية واستهلاكا وإنتاجا لصنوف الثقافة.
التقرير وقفة تقييم جادة للمشهد الثقافي في البلاد بما يساعد على تلافي النقائص وتحسين مستوى الفعل الثقافي
وتميزت السعودية بتيارات فنية هامة وطاقات إبداعية قدمت الكثير للثقافة العربية سواء في الأدب أو الموسيقى أو التشكيل وغيرها من الفنون، لكن انتشار التيارات الدينية المتشددة كظاهرة طارئة على المجتمع كتم أنفاس الفن السعودي لعقود، وهو ما تحرر منه السعوديون مؤخرا بدعم سياسي هام، بدأت مظاهره في التبلور بمعرض الرياض للكتاب ورد الاعتبار للفن والانفتاح على العالم الذي لا مجال فيه اليوم لأي انغلاق خاصة مع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الرقمية وثورة التكنولوجيا الحديثة.
وتسعى وزارة الثقافة التي نشأت حديثا لأن تسهم في إنماء وإثراء الحالة الثقافية، وتركز على التعليم الذي تسعى من خلاله لتوطين الأفكار والعادات المثرية للثقافة على أسس علمية وأكاديمية متينة، والوزارة بهذا السعي تتفحص أدوارها في المجتمع لرفع وتيرة الثقافة استجابة لشروط المرحلة الجديدة التي تحتم بعثا ثقافيا ناضجا يتجاوز إرث الماضي المحبط والمثقل بالإكراهات الاجتماعية والفكرية والمتطلع إلى أفق جديد متسامح ومنفتح ومتقبل، ينعش حالة الثقافة وينميها.
ويعد التقرير وقفة تقييم جادة للمشهد الثقافي في البلاد بما يساعد على تلافي النقائص وتجاوزها وتحسين مستوى الفعل الثقافي، الذي يعيش انتعاشة شاملة في السعودية في السنوات الأخيرة وفي جل المجالات الفنية والأدبية وعالم النشر وإنتاج الأعمال الفنية والعروض المعاصرة وغيرها.