تقديرات صادمة لتآكل نمو الناتج العالمي بفعل المناخ

باريس - أعطت تقديرات صادمة لتآكل نمو الناتج الإجمالي العالمي بفعل التغيرات المناخية لمحة عن التحديات الكبيرة، التي تعترض الحكومات من أجل مواجهة هذه المعضلة الوجودية.
وأشارت دراسة نُشرت هذا الأسبوع إلى أن تغير المناخ الناجم عن انبعاثات الكربون سيؤدي إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2050 بنحو 38 تريليون دولار أي نحو 20 في المئة، بغضّ النظر عن قوة الجهود التي قد تبذلها البشرية لخفض التلوث.
غير أن خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بأسرع وقت ممكن يبقى أساسيا لتجنب المزيد من التبعات الاقتصادية المدمّرة بعد 2050، وفق ما ذكر الباحثون في دراسة نشروها في مجلة نيتشر.
وتعليقا على الآفاق المستقبلية، قالت ليوني وينز العالمة في معهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ، التي قادت الدراسة، إن "التغير المناخي سيتسبب في أضرار اقتصادية هائلة خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة في جميع البلدان تقريبا".
وتظهر الدراسة أن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ يمكن أن تزيد عشرات تريليونات الدولارات سنويا بحلول 2100 إذا ارتفعت درجة حرارة الكوكب بشكل ملحوظ بما يتجاوز درجتين مئويتين فوق المستويات المسجلة منتصف القرن التاسع عشر.
وخلص الباحثون إلى أن الاستثمارات السنوية اللازمة للحد من زيادة درجة حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين وهو الهدف الأساسي لاتفاقية باريس لعام 2015، تمثل جزءا صغيرا من الأضرار التي يمكن تجنبها.
وقال المُعدّ الرئيسي للدراسة ماكس كوتس لوكالة فرانس برس إن البقاء تحت عتبة الدرجتين مئويتين “يمكن أن يحد من متوسط خسارة الدخل إلى 20 في المئة مقارنة بنحو 60 في المئة”، في سيناريو تكون فيه الانبعاثات نسبتها عالية.
وتوقع العالِم بمعهد بوتسدام أندرس ليفرمان أن تعاني الدول الأقل مسؤولية عن تغير المناخ خسارة في الدخل أكبر ب60 في المئة من الخسارة التي ستلحق بالدول ذات الدخل المرتفع وأكبر بـ40 في المئة من خسارة الدول ذات الانبعاثات الأعلى.
ورجحت الدراسة أن تتراجع مداخيل فرنسا بنسبة 13 في المئة وكلّ من ألمانيا والولايات المتحدة بنسبة 11 في المئة بسبب تغير المناخ بحلول 2050.
ووفقا للتقديرات، فقد تخسر المنطقة العربية ما بين 6 إلى 14 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول 2050 بسبب ندرة المياه وأن إنتاجها من المحاصيل سيتراجع بمقدار 30 في المئة بحلول العام المقبل.
واستند الباحثون في توقعاتهم إلى بيانات اقتصادية ومناخية لأربعة عقود من 1600 منطقة بدلا من الاستناد إلى بيانات على مستوى الدول، ما مكّنهم من إدراج عوامل تسببت بأضرار تجاهلتها دراسات سابقة مثل هطول الأمطار الغزيرة.
وأدت انبعاثات الغازات الدفيئة إلى ارتفاع درجة حرارة العالم بنحو 1.1 درجة مئوية في المتوسط منذ ما قبل الصناعة، مما أدى إلى أحداث مناخية متطرفة كلفت حوالي 7 تريليون دولار على مدى الثلاثين عاما الماضية، وفقا لحسابات بلومبرغ أنتيلجنس.
ويتجاوز حجم الأضرار الاقتصادية التقديرات السابقة لأنه لا يأخذ في الاعتبار الزيادات في درجات الحرارة فقط، بل أيضا المتغيرات الإضافية مثل هطول الأمطار الغزيرة وتأثيرات الظواهر الجوية المتطرفة على الزراعة وإنتاجية العمل، فضلا عن صحة الإنسان.
وقال أندرس ليفرمان المؤلف المشارك للدراسة إن “التغيير الهيكلي نحو نظام الطاقة المتجددة ضروري لأمننا وسيوفر لنا المال”. وأضاف إن “البقاء على المسار الذي نسير فيه حاليًا سيؤدي إلى عواقب كارثية”.
ولطالما حذر الخبراء في مجال البيئة من أن تراخي حكومات العالم في معالجة معايير تمويل المشاريع الضارة بالمناخ سيزيد من تقعيد أي مسار لتحقيق الحياد الكربوني إن لم يتدارك المسؤولون سريعا لإصلاح سياسة الدعم المقدمة للاستثمارات.
واعتبر البنك الدولي أن دعم المستثمرين وتعزيز كفاءة إنتاج الطاقة يعدان أحد العوامل الرئيسية الناجحة لمكافحة تغير المناخ خلال السنوات المقبلة.
وقال رئيس البنك أجاي بانغا في مقابلة مع وكالة فرانس برس في يناير الماضي، أن التحول الأخضر ومكافحة الاحترار، اللذين يتطلبان آلاف مليارات الدولارات، “لن يكونا ممكنين إلا بدعم مالي من القطاع الخاص”.
وتتلقى صناعة الوقود الأحفوري سنويا 1.3 تريليون دولار من الدعم، والأنشطة الزراعية الضارة بيئيا تحصل على 520 مليار دولار، بينما يتدفق 350 مليار دولار للاستخدام غير المستدام للمياه العذبة وإدارة البنية التحتية للمياه والصرف الصحي.
وثمة دعوات متزايدة لفرض ضريبة الكربون على الشحن البحري، الذي ينقل حوالي 90 في المئة من التجارة العالمية ويمثل ما يقرب من 3 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم.
والطيران، الذي يمثل حوالي ما بين اثنين وثلاثة في المئة من الانبعاثات، لا يغطيه اتفاق باريس بشكل مباشر، لكن قطاع النقل الجوي تعهد بمواءمة نفسه مع أهدافه.