تقارب حقيقي أم مصطنع بين أوبك ووكالة الطاقة الدولية

واشنطن - يستند التقارب في التقديرات الأخيرة للعرض والطلب بين وكالة الطاقة الدولية وأوبك إلى التوقعات المتفائلة نسبيا للاقتصادين الصيني والأميركي بالإضافة إلى استمرار انضباط أوبك+ ولكن لا وجود لأيّ شيء مؤكد في كلّ هذا.
وتقول المحللة أليستر نيوتن في تقرير نشره موقع عرب دايجست إنّه يتوجّب على المرء أن يتساءل عما إذا كانت أوبك ستقترب من توقعات وكالة الطاقة الدولية المتكررة لذروة النفط قبل نهاية هذا العقد.
وسيشكّل هذا “إعادة تفكير كبيرة في سياسة أوبك+ النفطية”. ولكن من الواضح أن هذا لم يحدث خلال الشهر الحالي عندما لم تتجاوز اجراءات أعضاء أوبك+ تمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية الحالية حتى الثلاثي الثاني من 2024.
ومن المفارقات أن توقعات وكالة الطاقة الدولية اقتربت بالفعل من توقعات أوبك منذ ذلك الحين ولكنها ليست متطابقة بعد. وهي متجذرة في ما تعتبره الوكالة “عودة إلى الاتجاه” في نمو الطلب “بعد عدة سنوات من التقلبات”.
وجاء في افتتاحية “تقرير سوق النفط” الصادر في مارس 2024 أنه “من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط بأعلى من المتوقع عند 1.7 مليون برميل في اليوم في الثلاثي الأول من السنة بسبب تحسن التوقعات في الولايات المتحدة وزيادة تزويد السفن بالوقود.
من المفارقات أن توقعات وكالة الطاقة الدولية اقتربت بالفعل من توقعات أوبك لكنها ليست متطابقة بعد
وفي حين رفعت توقّعاتها لنمو الطلب على النفط في 2024 بمقدار 110 آلاف برميل يوميا عن تقريرها الشهر الماضي، إلا أنه من المنتظر أن يتباطأ نمو الطلب الإجمالي من 2.3 مليون برميل يوميا العام الماضي إلى 1.3 مليون برميل يوميا هذا العام، حيث يعود نمو الطلب إلى اتجاهه التاريخي بينما تحد من تطوره مكاسب الكفاءة واستخدام السيارات الكهربائي.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية لذلك عجزا طفيفا في العرض للسنة التي تتبع تمديد التخفيضات الطوعية، حيث كانت تتوقع فائضا صغيرا في السابق.
وكان هذا كافيا لدفع خام برنت إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر، أي أكثر من 87 دولارا للبرميل على الرغم من بعض التيسير الذي شهده الأسبوع الماضي استجابة لقوة الدولار حيث تتصالح الأسواق مع احتمال أن يلتزم مجلس الاحتياطي الفيدرالي بالمسار الذي اختاره وأنه لن يخفف أسعار الفائدة بالسرعة التي توقعها البعض قبل ثلاثة أو أربعة أشهر فقط، أي بما يتفق مع خلاصة اجتماعه في 20 مارس.
ويعدّ أداء الاقتصاد الأميركي هو العامل الأول من بين ثلاثة أسباب لجعل خام برنت متماسكا عند 70 دولارا للبرميل في نهاية هذا العام.
وانخفض التضخم في الولايات المتحدة وبلغ 3.2 في المئة الشهر الماضي، إلا أنه لا يزال أعلى بكثير من الهدف الرسمي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي المحدد بـ2 في المئة.
وكتب روب ويل لشبكة إن بي سي نيوز في 19 مارس أن “السؤال بالنسبة إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو ما إذا كان بإمكانه مواصلة الضغط على نمو الأسعار من خلال ترك أسعار الفائدة أعلى دون توسيع البطالة وإثارة الركود”.
ومع عدم احتمال خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة حتى يونيو، يبقى هذا سؤالا كبيرا في عام الانتخابات.
وقال ويل “في حين لا يعدّ الاحتياطي الفيدرالي سياسيا على الجانب الرسمي، إلا أنه من غير المرغوب فيه أن يُنظر إليه على أنه يؤثر على الانتخابات العامة في نوفمبر. ويعني أنه قد توجد عقارب ساعة غير رسمية تدق حول مدى قرب خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة دون تقويض مصداقيته”. ويتوقع الاقتصاديون أن يكون يونيو الموعد النهائي للخفض الأولي.
وحتى لو تحرك “مبكرا” في يونيو، فمن غير المرجح أن يتجاوز بنك الاحتياطي الفيدرالي الحد الأقصى المتوقع الذي يكمن في ثلاثة تخفيضات قبل نهاية 2024، مما يضمن دولارا أقوى حتى نهاية العام وهو ما سيؤثر سلبا على الطلب على النفط وعلى سعر البرميل نفسه.
ويتابع ويل “أرى النقطة الثانية أكثر أهمية في رأيي، وهي الصين. وكما هو متوقع، أكد اجتماع المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني هذا الشهر هدفه نمو الناتج المحلي الإجمالي المقدر بحوالي 5 في المئة لسنة 2024 وكان هذا نفس هدف العام الماضي”.
وتغيب أيّ تحولات كبيرة في السياسة من شأنها أن تعزز ثقة المستهلكين والشركات المتراجعة، مما يعني أن القلق في السوق لا يزال واضحا.
وجادل محمد العريان، الخبير في مجال المال والاقتصاد، على صحيفة فايننشال تايمز في عدد 5 مارس الجاري بأن سوق الأسهم الصينية أصبحت “تجارة بدلا من كونها استثمارا”. وكتب “يتماشى هذا التأطير مع تغيير أوسع في الاقتصاد الصيني. وكانت في السابق محل إشادة بفضل معجزاتها الاقتصادية المتكررة التي انتشلت مئات الملايين من براثن الفقر. لكنها تواجه اليوم تصورا بكونها تقف على أرضية أكثر هشاشة، وأنها معرضة لخطر الاستسلام لفخ الدخل المتوسط المروع. ولن يتطلب انتقال الصين إلى فخ الدخل المتوسط الكثير”.
وينطبق فخ الدخل المتوسط الذي يشير إليه العريان على ما يحدث حين “يرتفع دخل بلد ما إلى النقطة التي تجعل فيها تكاليف العمالة الصادرات غير قادرة على المنافسة عند مقارنتها بالبلدان ذات الدخل المنخفض”.
لكن يجدر الذكر أن رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، يسير بما يتوافق مع تركيز الرئيس شي جينبينغ طويل الأمد على “الاعتماد على الذات” الذي قدمه إلى المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني.
ويكمن هذا في مخطط بعيد المدى تحت شعار “قوى منتجة جديدة” تدعم التحول من قطاع العقارات المتضخم والاستثمار الممول بالديون والتصنيع الأساسي إلى الصناعات عالية الإنتاجية، مثل الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية.
التضخم في الولايات المتحدة انخفض وبلغ 3.2 في المئة الشهر الماضي، إلا أنه لا يزال أعلى بكثير من الهدف الرسمي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي المحدد بـ2 في المئة
لكن توجد أسباب قوية للتساؤل عما إذا سيكون هذا صيغة رابحة حتى على المدى الطويل طالما لا تزال الثقة المحلية محدودة. وقد اعترفت وكالة الطاقة الدولية نفسها بأن “البيانات الاقتصادية الضعيفة” في الصين لا تزال تشكل مصدر قلق.
كما أن هناك تشكيكا بأن التخفيضات الطوعية ستمتد إلى الثلاثي الثالث من سنة 2024خاصة مع توقع وكالة الطاقة الدولية الآن زيادة الطلب مقابل العرض ومع زيادة اقتراب خام برنت من 90 دولارا للبرميل.
وكتب بن هوف من مؤسسة”سوسيتيه جنرال”على فاينانشال تايمز في عدد 5 مارس الجاري “تأتي القدرة المعطلة بتكلفة يومية للمملكة العربية السعودية، التي استثمرت عشرات المليارات من الدولارات سنويا في أنشطتها الأولية على مدى العقد الماضي. وهي في حاجة إلى العودة إلى العمل”.
كما أن من المرجح أن يضعف الانضباط غير المتكافئ بالفعل في توزيع الحصص بين أعضاء أوبك+ الآخرين نظرا لحافز ارتفاع الأسعار.
وباختصار، تسير الرياض بالفعل على خيط رفيع، إذ أن الأمر يتطلب الكثير من حيث الطلب الأضعف من المتوقع و/ أو العرض الأقوى لدفع خام برنت إلى ما دون 80 دولارا للبرميل خلال النصف الثاني من العام.