تفتيت هيمنة المتنفذين في لبنان صعب لكنه غير مستحيل

لينا الخطيب: لبنان يدفع ثمن التوجه قصير النظر للمجتمع الدولي تجاه إيران
الأربعاء 2022/10/12
اللبنانيون يعملون على تغيير واقعهم رغم التحديات

تقدم لينا الخطيب مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس حلولا عملية لإنهاء القبضة الخانقة التي تمارسها النخب اللبنانية على البلاد من خلال دعم البرلمانيين المستقلين وفرض عقوبات على النخب المتهمة بالفساد وتحدي دعم إيران لحزب الله.

بيروت - يواجه اللبنانيون الكثير من التحديات لمواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية الحارقة خاصة مع استمرار هيمنة بعض القادة السياسيين والنخب على المشهد في مواجهة جهود بعض المستقلين الراغبين في التغيير. ويمثل الدعم الإيراني المتصاعد لحزب الله من بين أبرز التحديات أمام الساعين لإنقاذ لبنان وتغيير واقعه السياسي وإخراجه من دائرة النفوذ الإيراني.

وتقول لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس لموقع “عرب دايجست “إنه من المهم أن يشهد لبنان ولأول مرة فوز أكثر من 10 مستقلين بمقاعد في البرلمان" مضيفة "لم يكن هذا يحدث في الماضي".

وذكرت الخطيب تعليقا على فوز بعض المستقلين غير المرتبطين بأحزاب سياسية طائفية في الانتخابات البرلمانية أن "الإصلاح وإرساء الديمقراطية ليسا عمليتين خطيتين” داعية إلى "النظر إلى الجيد والسيء وتحديد ما هو واقعي".

وأضافت "الجيد هو أنه كان هناك بعض التقدم. السيء هو أنه من المحزن أن النظام الحاكم لا يزال موجودا مع وجود نفس النخب التي تمثل الفاعلين السياسيين المهيمنين في البلاد. والواقعية هو أن نتساءل عن مدى التغيير الذي يمكن أن يحدثه عدد قليل من أعضاء البرلمان في البلاد بينما لا تزال النخب هي التي تتخذ القرارات”. وقالت إنها ترى بداية رحلة طويلة جدا معبرة عن سعادتها لأن “التغيير انطلق على الأقل من خلال انتخاب المستقلين”.

لينا الخطيب: المجتمع الدولي في حاجة إلى أن يكون حازما في التعامل مع النخب السياسية في لبنان

وأضافت لينا الخطيب “علينا أن نكون واقعيين بشأن ما يعنيه هذا التغيير. إنها البداية، آمل أن يستمر هذا النوع من المسار نحو الإصلاح والأصوات المستقلة، لكن سيكون من الصعب جدا على المستقلين أن يكونوا قادرين حقا على إجراء تغييرات ذات مغزى داخل النظام السياسي. نحتاج إلى أن ننتظر جيلا آخر لتحقيق ذلك”.

وأكدت الخطيب أن النخبة قادرة على الصمود في وجه مطالب التغيير رغم أن البلاد في حالة انهيار اقتصادي وشلل سياسي يعود إلى صعوبة كسر النظام”، مضيفة أن “النخبة السياسية والاقتصادية في لبنان متماثلان إلى حد ما. وشكلتا أحزابا سياسية كانت في السلطة منذ عقود في الكثير من الأحيان. وقد يكون لهذه الأحزاب السياسية ميول سياسية مختلفة. حتى أن بعضها أضداد سياسية كاملة”.

وتابعت “مع ذلك، فإن للجميع مصلحة في الحفاظ على الوضع الراهن على حاله في لبنان، لأنه مبني على الكثير من الفساد الممنهج، بحيث يسمح لهؤلاء الأشخاص بالانخراط في تجاوزات دون مساءلة. وهذا ما يخلق صعوبة للمستقلين الذين يميلون إلى عدم تمثيل الطوائف في لبنان أو يصبحون دمى للأنظمة الخارجية المؤثرة في البلد. هم يميلون إلى أن يكونوا أشخاصا ضد الفساد المنهجي”.

وعلقت الخطيب على قوة حزب الله على الساحة اللبنانية والدعم الذي يحصل عليه قائلة إن “حزب الله يعتبر الآن أقوى حزب سياسي في لبنان. فهو الذي يملك السلاح لأن الدولة اللبنانية أعفته على أساس أنه حامي البلاد إلى جانب الجيش اللبناني. وهذا ما منح حزب الله الشرعية ليتمكن من الاحتفاظ بسلاحه على أساس حماية لبنان من التهديدات الخارجية مثل إسرائيل”.

واستطردت قائلة “لكن الواقع يقول إنه أصبح أقوى حزب سياسي، فهو الوحيد الذي يمتلك هذه الأسلحة ويتمتع بإمكانية الوصول إلى التمويل من إيران ومن جميع أنواع المعاملات غير المشروعة مثل بيع المخدرات. إنه يحكم بترهيب خصومه. ويصعب جدا على أي معارض لحزب الله أن يتمكن حقا من تغيير هذه الديناميكية”.

وأشارت الخطيب إلى الدعم الذي يتحصل عليه حزب الله من إيران مقابل ضعف القرار الغربي قائلة “طالما لا يلاقي دور إيران الإقليمي مواجهة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمجتمع الدولي ككل، فسوف تستمر في ممارسة نفوذها في أماكن مختلفة في الشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان من خلال حزب الله”.

وأضافت “أرى أنه لا يمكن أن تأتي طريقة رؤية التغيير في هذا الخلل من لبنان نفسه. لن يحدث ذلك من خلال الاحتجاجات الشعبية، ولن يحدث من خلال الثورة، بل لا يمكن أن يحدث سوى من خلال تغيير في السياسة الدولية”.

وأكدت الخطيب أنها لا ترى هذا التغيير مرجعة ذلك “الى أن تركيز المجتمع الدولي عندما يتعلق الأمر بإيران في الوقت الحالي يقتصر إلى حد كبير على المفاوضات النووية. ولا يوجد اهتمام كبير بالدور الإقليمي لطهران”. وقالت إن لبنان يدفع ثمن هذا التوجه قصير النظر للمجتمع الدولي تجاه إيران.

وتعتبر الخطيب أن رياض سلامة محافظ مصرف لبنان هو أحد أعراض الكارثة الاقتصادية التي غرق فيها لبنان وسببها مضيفة أن “وجود شخص مثله يتمتع بسلطة كبيرة مع الكثير من الحصانة فيما يتعلق بالمساءلة هو نتاج الفساد المنهجي في لبنان”.

وقالت “إن الكثيرين يسمون سياسات سلامة الاقتصادية مخطط بونزي في لبنان، حيث تستنزف النخبة موارد الدولة بشكل فعال. تمتلك العديد من هذه النخب بالفعل بنوكا في لبنان، وتأخذ أموالا من الحكومة، بدلا من أن يكون لها نظام اقتصادي مبني على النمو الفعلي”.

وتابعت “هناك استقرار مزيف لربط العملة اللبنانية بالدولار في حين أن الحقيقة هي أن قيمة العملة كانت تتراجع بالفعل منذ سنوات”. وأضافت الخطيب أن كان كل هذا بسبب رياض سلامة وآخرين من النخبة السياسية في لبنان قائلة إنه “ليس وحده. هو نتيجة. وهو أيضا سبب”.

الكثيرون يسمون سياسات سلامة الاقتصادية مخطط بونزي في لبنان
الكثيرون يسمون سياسات سلامة الاقتصادية مخطط بونزي في لبنان

وقالت إن سلامة ليس السبب الرئيسي للأزمة في لبنان، لأن السبب الرئيسي وفق رأيها “هو هذا التكتل من النخب التي تجتمع وتطبخ الطبق الفاسد الذي يعاني منه لبنان اليوم”.

وأضافت “غسيل الأموال منتشر في لبنان، والتهريب منتشر في لبنان، واستيراد البضائع دون دفع الجمارك منتشر في لبنان، وبيع المنتجات غير الأخلاقية مثل الأدوية المزيفة، للأسف، منتشر في لبنان”. مشيرة إلى أن الكثير من الممارسات الفاسدة هي سمة من سمات النخب الحاكمة في هذا البلد، حيث قالت “جميعهم يتسترون على بعضهم البعض. وهذا ما يحافظ على استمرار النظام”.

وتساءلت "من سيحاسب رياض سلامة؟" قائلة إن "النظام اللبناني لن يحاسبه لأن النظام اللبناني هو الذي يتستر على أمثاله". واستبعدت أن تجيب السلطات عن المتورطين في انفجار المرفأ في أغسطس 2020 ومساءلتهم قائلة "لا توجد إجابات. ولا أعتقد أن لبنان سيرى أيّ إجابات. لأنك إذا فكرت في حوادث أخرى ملحوظة في مدى فظاعتها في تاريخ لبنان الحديث، سترى أنه من النادر جدا أن تحدث مساءلة".

◙ سيكون من الصعب جدا على المستقلين أن يكونوا قادرين حقا على إجراء تغييرات ذات مغزى داخل النظام السياسي

وتابعت "ولأن انفجار الميناء يتعلق بالنخبة السياسية الحاكمة للبلاد بشكل عام، وحزب الله بشكل خاص، فليس من مصلحة النخبة أن يجري تحقيق فعلي. لأنه إذا حدث تحقيق، وكان محايدا وشاملا حقا، فسيتورطون جميعا".

وقالت الخطيب "إنه من الأفضل لهم محاولة إخراج التحقيق عن مساره بدلا من المساءلة لأن لا أحد يريد أن يُحاسب. وهذه هي القضية الرئيسية هنا". وأكدت أن مسؤولية تفجير الميناء تقع بشكل رئيسي على عاتق حزب الله مستطردة "لكنها تقع أيضا على عاتق النخب السياسية الأخرى في البلاد، لأن الجميع كان يستفيد من الفوضى في مرفآ بيروت".

وقالت “ربما كان حزب الله هو الفاعل الأكثر نفوذا هناك. لكن الكثير من الأشخاص الآخرين في النظام السياسي كانوا ينقلون البضائع عبر الموانئ دون الحاجة إلى دفع الجمارك والانخراط في سلوك من هذا النوع، ولا يريدون أن يحاسبوا”. وتحدثت لينا الخطيب عن صعوبة إيجاد حلول قصيرة المدى للوضع المتأزم في لبنان داعية إلى المزيد من الحزم في مواجهة النخب السياسية في لبنان.

وقالت “أعتقد أن المجتمع الدولي في حاجة إلى أن يكون حازما في التعامل مع النخب السياسية في لبنان، وأن يحاول قدر الإمكان تحميلهم المسؤولية لأن الشيء الوحيد الذي اعتادت عليه النخبة هو غض الطرف عن تجاوزاتها.

وتحدثت الخطيب عن فاعلية العقوبات الدولية قائلة “أعتقد أن العقوبات ستكون فعالة للغاية، لأن للكثير من هؤلاء الأفراد مصالح تجارية واستثمارات في أوروبا. وأعتقد أن مثل هذه الإجراءات الملموسة من شأنها أن تقطع شوطا طويلا حتى يكون لها تأثير أولا على الأفراد الفاسدين أنفسهم، ولكنها سترسل رسالة إلى الشعب اللبناني مفادها أنهم ليسوا وحدهم”.

وأضافت "لا تبعث رؤية اللبنانيين لسياسييهم وهم مدعوون على موائد العشاء في الخارج برسالة طمأنة. لذلك، أعتقد أن فرض العقوبات والإصرار على الإصلاحات وعلى الشفافية كشرط للمساعدات الخارجية هو السبيل الوحيد للتقدم".

6