تفاؤل مشوب بالحذر من مخرجات الحوار الوطني السوري

استبعاد قسد من المشاورات يزيد التشكيك في نوايا السلطات الانتقالية الجديدة.
الجمعة 2025/02/14
بداية متعثرة

يثير استبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من المشاورات التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري شكوكا حول ما إذا كان المؤتمر سيعكس تطلعات جميع السوريين أم أنه سيعمل على ترسيخ ديناميكيات السلطة الحالية.

دمشق - ألقى استبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من تحضيرات الحوار الوطني السوري ظلالا من الشك بشأن النوايا الحقيقية للسلطات الانتقالية الجديدة. وهو ما يفرمل، حسب مراقبين، أجواء التفاؤل التي رافقت الإعلان عن بدء التحضيرات لحوار وطني يتوج بتشكيل حكومة انتقالية شاملة.

وعبرت القيادة السورية الجديدة عن مواقف إيجابية من بينها التأكيد على الشمولية والوحدة، غير أن الغموض لا يزال يكتنف نواياها الحقيقية، لاسيما في الشمال الشرقي الذي يسيطر عليه الأكراد.

وقال المتحدث باسم لجنة الحوار الوطني في سوريا حسن الدغيم الخميس، بشأن ما إذا كان سيتم توجيه دعوة إلى قوات سوريا الديمقراطية، “قسد لا تمثل العرب أو الأكراد أو التركمان وهي ممثل عسكري، ومهمة هذا الحوار بالدرجة الأولى هي صياغة وجهات نظر بين السوريين.” 

ويرى محللون في تصريحات الدغيم تأكيدا لمخاوف المكون الكردي المرتاب من نوايا القيادة السورية الجديدة الساعية إلى ضرب مكاسب الحكم الذاتي الذي ناله بشق الأنفس.

ويشير المحللون إلى أن استبعاد قوات سوريا الديمقراطية من مشاورات التحضير للحوار الوطني مؤشر على استبعاد التمثيل الكردي في الحكومة الانتقالية المستقبلية والمشاركة في صياغة الإعلان الدستوري، وهو ما يعني ضمنيا ترسيخ ديناميكيات القوة الحالية.

ويثير الاستبعاد العديد من التأويلات، منها أن القيادة السورية تسعى إلى الفصل بين الشق السياسي والعسكري في علاقتها بقوات سوريا الديمقراطية، ما يضعف حظوظ استيعاب مطالبها في نهاية المطاف.

حسن الدغيم: قسد لا تمثل الأكراد ولن تكون طرفا في المشاورات
حسن الدغيم: قسد لا تمثل الأكراد ولن تكون طرفا في المشاورات

وتخوض القيادة السورية الجديدة مفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية بشأن ما إذا كانت سوريا ستكون فيدرالية أم مركزية والخدمات اللوجستية لدمجها في الجيش السوري الجديد، فيما تبقى نتيجة هذه القضايا غير مؤكدة في ظل اختلاف الرؤى العميق.

ولا تزال خلافات الوحدة عالقة، مع استمرار القتال بين الجيش الوطني السوري، وهو وكيل تركي، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في الشمال الشرقي.

وكانت دمشق وقوات سوريا الديمقراطية في مفاوضات خلف الكواليس لحل مستقبل المنطقة دبلوماسيا، ولا توجد لدى أي منهما مصلحة في حرب شاملة.

ومع ذلك تظل نتيجة العديد من القضايا غير مؤكدة، بما في ذلك السيطرة على الحدود، وموارد النفط والغاز، وحقوق الأكراد/الأقليات، ومسألة ما إذا كانت سوريا ستكون فيدرالية أم مركزية في البنية والخدمات اللوجستية لدمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري الجديد، ومستقبل القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وسجنائه الذكور البالغ عددهم 9000 والذين مازالوا محتجزين داخل سوريا.

وبالإضافة إلى ذلك يواصل الجيش الوطني السوري مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية، في حين نُسبت هجمات متعددة بالسيارات المفخخة إلى عناصر قوات سوريا الديمقراطية في منبج.

وتريد القيادة السورية دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري الجديد، فيما أبدت قسد انفتاحا مشروطا.

وأشار قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي إلى معادلة قائلا “نحن منفتحون على الربط بوزارة الدفاع السورية، لكن ككتلة عسكرية وليس في شكل أفراد.”

وقال وزير الدفاع في الإدارة السورية الجديدة مرهف أبوقصرة إنه “لن يكون من الصواب” أن يحتفظ المسلحون الأكراد، المتمركزون في شمال شرق البلاد، بـ”تكتل خاص” داخل القوات المسلحة السورية. واعتبر أبوقصرة أن عبدي “يماطل” في تعامله مع المسألة.

ولا يستبعد مراقبون وجود ضغوط تركية على السلطات الانتقالية السورية لجهة تهميش قوات سوريا الديمقراطية وعدم استدعائها لحضور الحوار الوطني وهو ما يزيد الضغوط عليها ويجعل خياراتها السياسية محدودة.

وقدم الرئيس السوري أحمد الشرع خارطة طريق لحل قضية شرق سوريا وأكد على ضرورة أن توسع الحكومة الجديدة سيطرتها على الأراضي السورية من خلال نشر قواتها في جميع أنحاء البلاد. كما طالبت الدولة بإخراج مقاتلي حزب العمال الكردستاني غير السوريين من الأراضي السورية.

وعلاوة على ذلك تعهدت دمشق بدمج أفراد أو وحدات مهنية من قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري الجديد على أساس الجدارة، ورفضت صراحة فكرة دمج قوات سوريا الديمقراطية ككتلة موحدة أو من خلال نظام الحصص.

وفي المقابل أعربت دمشق عن استعدادها لاستيعاب مؤسسات الإدارة الذاتية الكردية من خلال إعادة هيكلتها لتتماشى مع الهيئات الحكومية الأخرى. كما التزمت الدولة بضمان عودة جميع النازحين، وخاصة الأكراد المقيمين في عفرين، ومعالجة الظلم التاريخي الذي يواجهه أفراد المجتمع الكردي من خلال منحهم حقوق المواطنة الكاملة على قدم المساواة مع جميع السوريين الآخرين.

ومع ذلك أكدت دمشق أن قوات سوريا الديمقراطية لا تمثل المجتمع الكردي حصريًا بل تشمل مجموعات أخرى أيضًا. كما عرضت دمشق التوسط بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا لحل وضع المقاتلين الأتراك الراغبين في العودة إلى بلادهم.

وفي ما يتعلق بقضية سجناء تنظيم الدولة الإسلامية المحتجزين في مرافق مؤقتة في الشمال الشرقي، أعربت الإدارة عن استعدادها لتولي احتجاز المعتقلين ونقلهم إلى مناطق آمنة وتحمّل المسؤولية الكاملة عنهم.

وطرحت قسد مطالبها، بما في ذلك ضرورة دمج قوات سوريا الديمقراطية ككتلة موحدة في الجيش السوري الجديد، واللامركزية الإدارية للمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، والاستعداد لتسليم حقول النفط، بشرط توزيع العائدات بالتساوي على جميع المناطق السورية. وتم الاتفاق على تشكيل لجان متابعة.

◙ الفصل بين الشق السياسي والعسكري في العلاقة بالأكراد، يضعف حظوظ استيعاب مطالبهم في نهاية المطاف

وتبدو المفاوضات المباشرة متوقفة، لكن كل المؤشرات تشير إلى أن مصير قوات سوريا الديمقراطية وشرق سوريا مرهون بالاتفاقيات الإقليمية والدولية.

ويواجه الأكراد “ضغطا متزايدا من الحكومة التركية والفصائل العاملة بإمرتها،” والتي شنّت في الأيام الأخيرة هجمات دامية على منطقتين ذات غالبية عربية في شمال سوريا، كانتا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي أخلت مقاتليها منهما تباعا.

وشنّت الفصائل الموالية لأنقرة قبل أسبوعين هجوما ضد مجلس منبج العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية، أسفر عن مقتل نحو 220 عنصرا من الطرفين. وأعلن عبدي لاحقا التوصل إلى هدنة برعاية أميركية.

وتبذل تركيا وفق محللين كل ما بوسعها لجعل الأكراد في موقع ضعيف في سوريا على ضوء الأحداث الأخيرة.

ويقول الخبير في الشأن الكردي جيفير أوغلو “يواجه الأكراد السوريون تحديات كبرى، أبرزها الأعمال العدائية التركية المستمرة تجاههم.”

ومنذ عام 2016 نفذت تركيا عدة عمليات عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا وتمكنت من السيطرة على شريط حدودي واسع.

وتعتبر أنقرة الوحدات الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه منظمة “إرهابية” ويخوض تمردا على أراضيها منذ عقود.

ورأى عرفان أكتان، الصحافي الذي صدرت له كتب كثيرة حول المسألة الكردية في تركيا، أن “تركيا تبذل كل ما بوسعها لضمان خروج الأكراد في موقع ضعيف من هذه العملية.”

وتابع أن “أنقرة تعبئ الفصائل الموالية لتركيا في سوريا للقضاء على الإدارة شبه الذاتية الكردية، لكن تم وقف الهجوم في الوقت الحاضر بفضل تدخل من الأميركيين.”

6