تفاؤل حذر في الأردن باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية

التركيز على برلمان جديد قادر على لعب دور داعم للإصلاحات.
السبت 2021/06/12
قريب من العشائر

عمان - اختار العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني شخصية توافقية هي سمير زيد الرفاعي لرئاسة اللجنة المكلفة بتحديث المنظومة السياسية.

وضمت اللجنة مجموعة من الشخصيات من خلفيات سياسية متنوعة للخروج بإصلاحات تمكّن الأردن من تجاوز الأزمة العميقة التي يمر بها والتي في أساسها التدهور الاقتصادي.

لكن الأردنيين قابلوا اللجنة، التي ضمت طيفا واسعا من الخبرات فضلا عن قيادات عشائرية، بتفاؤل حذر بسبب حساسيتهم تجاه مسار الإصلاحات الذي تلجا إليه السلطات كلما نشبت أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وكذلك تجاه اللجان خاصة حين تضم أسماء بارزة سبق أن شغلت مواقع هامة في الدولة -حيث ضمت رئيس حكومة ووزراء سابقين- لكنها تركت مواقعها دون أن تحقق ما وعدت به من “إصلاحات”.

وقالت مصادر أردنية مطّلعة لـ”العرب” إن السلطات تريد من خلال تنوع تركيبة اللجنة، التي يشارك فيها ممثلون عن العشائر وعن الإخوان، أن تضع الجميع أمام مسؤولية إيجاد توافق حول السبل الكفيلة بإصلاح المنظومة السياسية التي تتحمل الجانب الأكبر من الأزمة، وخاصة مؤسسة البرلمان التي تثير غضب الشارع بسبب الخلافات داخلها.

وأشارت هذه المصادر إلى أن الأولوية ستكون لإصلاحات تهم القانون الانتخابي وآليات العمل البرلماني كي يتمّ التوصل إلى برلمان جديد قادر على تبني الإصلاحات وتنفيذها، وذكرت أن السلطات تعتبر أن البرلمان الحالي ساهم في الأزمة السياسية وجر البلاد إلى نقاشات وصراعات يفترض أنها تجاوزتها.

وتراهن أوساط سياسية أردنية مستقلة على أن يلعب تعيين سمير الرفاعي، رئيس الوزراء الأسبق، دورا إيجابيا في تبريد الخلافات وامتصاص الاحتقان بين مكونات المشهد الأردني سياسيا وعشائريا لِمَا له من علاقات داخلية جيدة مع كل فئات المجتمع وعلاقات خارجية متينة خاصة مع دول الخليج.

وقابل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تعيين الرفاعي، عضو مجلس الأعيان، على رأس لجنة موسعة باحتراز يعود إلى عدة أسباب أهمها أن الرجل سبق أن عمل رئيسا للحكومة (2009 – 2011) وأطاحت به الاحتجاجات التي تزامنت مع موجة “الربيع العربي”، ولم تقدم حكومته الإصلاحات اللازمة لإرضاء الأردنيين. ويتساءل هؤلاء النشطاء عما إذا كان قادرا اليوم على تقديم بدائل مختلفة وهو رئيس لجنة استشارية؟

وانتقد النشطاء التركيبة الواسعة للجنة (92 عضوا)، معتبرين أن ما حكم هذه التركيبة هو استرضاء الجميع، وفي الوقت نفسه حمّلوا هؤلاء الأعضاء مسؤولية المشاركة في إدارة الأزمة حتى لا يستمروا في إصدار البيانات والتصريحات التي تجلب وجع الرأس.

موسى حوامدة: الظروف الصعبة لا تُؤمّل في خروج الأردن بعملية ديمقراطية كاملة

وبدا أن التركيبة -التي ضمت وزراء سابقين وممثلين عن الأحزاب والعشائر وممثلين عن النساء والنشطاء من الشباب- تشبه برلمانا موازيا، الأمر الذي يجعل مهمتها الأولى ترتيب اللقاءات والاستماع إلى المقترحات، وهو ما سيستغرق وقتا طويلا وسيعيق خروجها بنتائج سريعة لطمأنة السلطات والتخفيف من غضب الشارع قبل أن تأخذ مجراها إلى الدوائر الرسمية التي ستعرض عليها، وهو أمر قد يستغرق بدوره وقتا طويلا.

لكن الأهم بالنسبة إلى الأوساط السابقة أن العاهل الأردني يقف وراء اللجنة بقوة، وقد تعهد بمتابعة نتائجها. وتشير هذه الأوساط إلى أن ثمن التوترات السياسية والاجتماعية -وبالتوازي مع الأزمتين الصحية والاقتصادية- يدفعه الجميع، ولا يمكن أن تنأى أي جهة بنفسها عن هذه التوترات.

وفي رسالة موجهة إلى الرفاعي قال الملك عبدالله الثاني “أضمن أمامكم وأمام الأردنيين أن ما ستقدمه اللجنة من نتائج ستتبناه حكومتي وتنقله إلى مجلس النواب، على أن ذلك سيحصل دون أي تدخلات أو تأثيرات أو حتى محاولات تغيير”.

واعتبر الكاتب الأردني موسى حوامدة أن “تركيبة اللجنة تؤكد على التنوع السياسي والمجتمعي الواسع، لكن التجارب السياسية السابقة علمتنا أن اللجان لا تشكل أهمية إذا لم تخرج بنتائج فعالة”.

وقال حوامدة، في تصريح لـ”العرب”، “اللجنة فيها عدد من الأسماء التي تمثل عدة تيارات سياسية واجتماعية بما فيها الأمين العام للحزب الشيوعي، إضافة إلى أعضاء يتبنون توجهات وطنية جيدة، لكن فيها أيضا التركيبة العشائرية الواسعة والكبيرة”.

وأضاف “اللجان ليست مهمة دائما، بل المهم ما يثمر عن عملها من نتائج عندما تكون هناك إرادة سياسية حقيقية للتغيير والإصلاح”.

وعبر عن اعتقاده بأن الظروف السياسية الصعبة لا تؤمّل في خروج الأردن بعملية ديمقراطية ناجزة وكاملة وحقيقية.

وتظهر الرسالة التي وجهها الملك عبدالله إلى الرفاعي أهمية الرهان الرسمي الأردني على اللجنة الجديدة في تحقيق أهدافها، خاصة بعد أن فشلت مساع سابقة مثل المهمة التي تولاها رئيس مجلس الأعيان الحالي فيصل الفايز والمتمثلة في الانفتاح على العشائر وحشد الدعم الكافي للإصلاحات التي كان يبشر بها.

وقال الملك في الرسالة الموجهة إلى الرفاعي “اليوم ونحن على أبواب مرحلة جديدة من مراحل البناء والتحديث، فإنني أعهد إليك برئاسة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، تكون مهمتها وضع مشروع قانون جديد للانتخاب، ومشروع قانون جديد للأحزاب السياسية، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكما بالقانونين، وآليات العمل النيابي، وتقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة”.

وجاء في نصّ الرسالة “إننا عازمون على إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية، على نحو يضمن الأهداف والطموحات المرجوة في المستقبل، والأمل معقود عليكم للخروج بإطار تشريعي يؤسس لحياة حزبية فاعلة قادرة على إقناع الناخبين بطروحاتها، للوصول إلى برلمان قائم على الكتل والتيارات البرامجية، والتأسيس لمرحلة متقدمة في أسلوب ممارسة السلطة التنفيذية لمسؤولياتها استنادا لقواعد وأحكام الدستور الأردني العتيد”.

1