تغيير مستمر في نظام التعليم الثانوي في مصر يُربك الطلبة والمدرسين

إلغاء مادتي الفلسفة وعلم النفس من الثانوية العامة يبدد أحلام طلبة هذه المرحلة.
الاثنين 2024/09/23
المستقبل لاختصاصات تكنولوجيا المعلومات

أثار إلغاء عدد من المواد الأدبية مثل الفلسفة وعلم النفس حفيظة طلبة الثانوية العامة في مصر وأربك المدرسين. وقررت وزارة التربية والتعليم إعادة هيكلة المرحلة ما بدد أحلام طلبتها. كما تقرر أن تصبح اللغة الأجنبية الثانية والتربية الدينية مادتي نجاح ورسوب، ولكن خارج المجموع. وفي حين يرى المتخصصون أن التغيير في المناهج مطلوب، يرى آخرون أن السياسات التعليمية ينبغي أن تتسم بقدر من الثبات والرؤية الإستراتيجية.

القاهرة - عندما التحقت رغدة فاروق بكلية الآداب قسم الفلسفة جامعة القاهرة قبل أربع سنوات، آلت على نفسها أن تجتهد في دراسة المادة التي أحبتها لتصبح معلمة لها سواء في الجامعة أو المرحلة الثانوية وأثمر اجتهادها بالفعل وتخرجت هذا العام.

لكن قرار وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف إلغاء مادة الفلسفة وكذلك علم النفس من الثانوية العامة ضمن خطة “إعادة هيكلة” هذه المرحلة بدد هذه الأحلام. وقالت رغدة لرويترز بصوت يغلفه الحزن “كان نفسي أحصل على فرصة عمل جيدة لكن القرار الأخير دمر أحلامي”.

وتساءلت “كيف تلغى مادة تقود إلى تشكيل عقل ناضج؟ كيف يُلغى أساس العلوم التي تساعد على الوصول إلى حلول عقلانية وسليمة للمشكلات. كيف تلغى مادة علم النفس التي تساعد الفرد على فهم ذاته والمجتمع؟”.

السياسات التعليمية ينبغي أن تتسم بقدر من الثبات والرؤية الإستراتيجية طويلة المدى، لكن التغيير مطلوب

وتتمثل أبرز ملامح الخطة التي أوردتها الوزارة على موقعها الإلكتروني في أن يدرس طلاب الصفين الأول والثاني ثانوي في العام الجديد ست مواد بدلا من عشر، على أن يدرس طلاب الصف الثالث خمسا بدلا من سبع. وستصبح اللغة الأجنبية الثانية والتربية الدينية مادتي نجاح ورسوب، ولكن خارج المجموع. وستلغى مادة الجيولوجيا إلى جانب الفلسفة وعلم النفس.

أما محمد عبدالحميد، وهو مدرس لغة فرنسية تحدث لرويترز طالبا عدم الإفصاح عن اسم مدرسته، ففوجئ قبل شهر من بدء العام الدراسي بتهميش مادته بعدم احتسابها في المجموع.

وقال وتعبيرات الغضب والقلق على وجهه “الموضوع طبعا مفاجئ ويعتبر كارثة بالنسبة لمدرسي اللغة الفرنسية. كيف يتم إلغاء مجالهم، وبالتالي يصبحون دون عمل أو شغل في المدرسة. وكيف سيتم توجيهه للعمل في مادة ثانية هو بعيد عنها وتخصص ليست له علاقة به. طبعا مستحيل”.

وأكد الوزير أن “عملية إعادة تصميم المحتوى استندت لقواعد علمية بمراجعة خبراء متخصصين، كما أنه تم إجراء حوار مجتمعي بشأنها، وحظيت بنسبة قبول كبيرة لما لها من أثر في تخفيف العبء على الأسرة المصرية، دون التقصير في المعارف التي سيدرسها الطلاب”.

وقال حسن شحاتة أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس لرويترز إن الهدف من الخطة الجديدة هو “التركيز على المواد المؤهلة للتعليم الجامعي وإتقانها والتمكن من هذه المهارات حتى يستطيع الطالب اجتياز مرحلة التعليم الجامعي بنجاح. وأيضا تخفيف العبء المالي على أولياء الأمور لانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية”.

وافقته في الرأي (د.أ)، وهي خبيرة آثار بمحافظة الفيوم لديها ابنان بالمرحلة الثانوية وقالت لرويترز طالبة عدم ذكر اسمها سوى بالأحرف الأولى “رأيي إيجابي جدا في النظام الجديد، لأنه خفف حمل المذاكرة عن الطلبة وحمل الدروس الخصوصية والكتب الخارجية عن أولياء الأمور”.

أما أحمد صالح طالب الصف الثاني ثانوي بمدرسة التوفيقية في روض الفرج فيرى أن النظام الجديد “خفف العبء على الطلاب من حيث المذاكرة والدروس والكتب.. وأيضا دمج المواد العلمية في مادة واحدة هذا شيء إيجابي. لكن تحويل بعض المواد خارج المجموع هي المشكلة لأنها مواد سهلة كنا نحصل من خلالها على درجات”.

تركيز على المواد المؤهلة للتعليم الجامعي
تركيز على المواد المؤهلة للتعليم الجامعي

وأيده في ذلك مصطفى أحمد الصاوي، وهو طبيب أسنان ستلتحق ابنته بالصف الأول الثانوي في مدرسة خاصة بمحافظة الجيزة، قائلا “طبعا النظام الجديد يخفف العبء عن أولياء الأمور”.

لكنه استدرك متسائلا “هل الطالب الذي يدرس العدد القليل من المواد سيكون مؤهلا معرفيا بالدرجة الكافية؟ وهل سيكون مؤهلا لسوق العمل؟ يعني مثلا هل أن إخراج مادة علم النفس من المجموع سيجعل الطالب له قدرة أكبر على التعامل مع الناس. كما أن اللغة الأجنبية الثانية أحيانا تكون ميزة إضافية في بعض الوظائف”.

بنظرة سريعة على “هيكلة الثانوية العامة” نجد أن العلوم الإنسانية هي أكثر المواد تعرضا للتهميش بإلغاء مادتي علم النفس والفلسفة والمنطق، وكذلك إخراج اللغة الأجنبية الثانية من المجموع.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دعا إلى التركيز على المجالات العلمية وخاصة تكنولوجيا المعلومات والبرمجة وقال في افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية في أواخر أبريل الماضي “تريدون كلكم أن تدخلوا أولادكم إلى شعب الآداب والتجارة والحقوق، حسنا ماذا سيشتغلون؟ وثم تقولون أن الحكومة لا تشغل أبناءنا ولا تجد لهم وظائف”.

وأضاف “هناك مجال يمكن العمل فيه من المنزل (البرمجة) وتصل الرواتب فيه بين 20 و30 ألف دولار في الشهر ويمكن أن تصل إلى 100 ألف دولار في الشهر”.

للمجتمع المدني دورا يلعبه أيضا في تنمية التعليم وتطويره وإصلاحه، لأن "التعليم قضية مجتمع وليس وزير أو وزارة، فلابد لرجال الأعمال أن يساعدوا لأن الدولة غير قادرة على تحمل تعيينهم بمفردها"

ووصف عبدالنبي عبدالمطلب وكيل وزارة التجارة للبحوث الاقتصادية سابقا هذه الدعوة بأنها “لا غبار عليها، لكن… من الواضح في سوق العمل في مصر حاليا، لا توجد صناعات ولا زراعات ولا مشاريع استثمارية كبرى. فيجب أن تأتي الصناعات أولا ثم بعد ذلك الخريجين”.

ووجد كلام السيسي قبولا لدى قطاع من الطلاب على ما يبدو. فعند سؤاله عن الكلية التي يريد الالتحاق بها، قال محمد ياسر، وهو طالب بالصف الثالث الثانوي بمدرسة لغات “في البيت يريدونني أن أتوجه إما إلى الطب أو الشرطة، لكن أنا أريد أن أتوجه كمبيوتر ساينس (حاسبات ومعلومات)، لأن الخريجين يتقاضون بالدولار”.

لكن الدعوة لم تلق القبول نفسه لدى الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، الذي قال لرويترز “نحن نتعلم لنعمل، ولكن أيضا نتعلم لنعرف.. نتعلم لنتحضر ونتعايش وننخرط ونشارك. فالتعليم الجيد ضرورة لقيام الديمقراطية، لأنه يعلم المواطن حقوقه وواجباته. دمج المواد الإنسانية أو إلغاؤها أو النظر إليها باستعلاء واستخفاف على هذا النحو عمل غاية في الخطورة، لأن العلوم الإنسانية هي التي تعطي الإطار العام وتكوّن الفكر والرأي والاتجاه وهي التي تصيغ الشخصية بمعنى أدق”.

وكان وزير التعليم السابق رضا حجازي قرر في مارس تدريس اللغة الأجنبية الثانية في المرحلة الإعدادية بداية من العام الدراسي 2025/2024، ليأتي عبد اللطيف ويجعلها مادة خارج المجموع في المرحة الثانوية. كما كانت مادتا علم النفس والفلسفة والمنطق في فترة من تسعينيات القرن الماضي من المواد التخصصية الاختيارية التي يمكن لطلاب القسم العلمي دراستها.

وأرجع محمد عبدالعزيز أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس التغيير المستمر في المناهج إلى “عدم وجود خطة ثابتة للتعليم المصري، بمعنى أنه لا توجد إستراتيجية محددة. لذلك نجد أن كل وزير يأتي بفكرة مختلفة عن سابقه. لكن طبعا هذا كلام خاطئ، لأن المفروض إذا كان الأستاذ سيمارس تعليما حقيقيا ينبغي أن يكون ذلك ضمن إجراءات محددة.

لكن ثروت فتحي أستاذ الصحافة بكلية التربية النوعية جامعة القاهرة قال “السياسيات التعليمية عموما ينبغي أن تتسم بقدر من الثبات والرؤية الإستراتيجية طويلة المدى. لكن التغيير في المناهج مطلوب، سواء في الثانوية العامة أو في غيرها”.

ولم ترد وزارة التربية والتعليم على مكالمات من رويترز للحصول على تعقيب.

النظام الجديد "خفف العبء على الطلاب من حيث المذاكرة والدروس والكتب.. وأيضا دمج المواد العلمية في مادة واحدة هذا شيء إيجابي. لكن تحويل بعض المواد خارج المجموع هي المشكلة لأنها مواد سهلة كنا نحصل من خلالها على درجات"

احتل التعليم في مصر العام الماضي المرتبة 90 على مؤشر المعرفة العالمي الذي يُعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ويغطي 133 دولة حول العالم. وأُطلق المؤشر عام 2017 ويصدر سنويا ويعتمد على سبعة مؤشرات فرعية هي التعليم قبل الجامعي والتعليم والتدريب الفني والمهني والتعليم العالي وتكنولوجيا المعلومات والاتصال والبحث والتطوير والابتكار والاقتصاد والبيئة التمكينية.

وجاءت مصر في المركز التاسع عربيا على المؤشر الذي تصدرته سويسرا في 2023.

ومن أجل إصلاح التعليم في مصر، يقول عبدالعزيز أستاذ العلوم والتربية “لابد أن تكون هناك سياسة تعليمية محددة تنبع من الخطة العامة للدولة. ولابد أن أنجز إطارا عاما للتعليم أعتمد فيه على معايير دولية من أجل أن أدخل التصنيف العالمي وبالتالي يقدر الخريج على العمل في الخريج وتصبح شهادتنا معترف بها عالميا”.

ويرى كامل أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة أنه “لابد أن يكون التعليم في صدارة خطط الدولة الحاضرة والمستقبلية. وأن تتوفر له ميزانيات جيدة كما حددها الدستور. وأن يتم الاهتمام بجميع عناصر العملية التعليمية.. المعلم وإعداده والمناهج التعليمية وأسلوب التقويم والامتحانات والأنشطة التربوية. فلسفة التعليم من الأساس. هل نحن نعلم الطالب من أجل أن يمسك بيده ورقة يقول أنا حاصل على بكالوريوس أو ليسانس أو من أجل أن نبني إنسانا ننافس به في أسواق العمل داخليا وخارجيا”.

ويلتقط عبدالمطلب الخبير الاقتصادي هذا الخيط، ويطالب بضرورة مساهمة القطاع الخاص في ربط مخرجات التعليم بسوق العمل. ويقول “في أوروبا وفي أميركا الشركات الكبرى مثل فورد للسيارات وشركات البترول وغيرها إما تكون لديها جامعات خاصة أو يكون لها أقسام داخل العديد من الكليات”.

أما في مرحلة التعليم قبل الجامعي، فيرى شحاتة خبير المناهج أن للمجتمع المدني دورا يلعبه أيضا في تنمية التعليم وتطويره وإصلاحه، لأن “التعليم قضية مجتمع وليس وزير أو وزارة، فلابد لرجال الأعمال أن يساعدوا في تمويل صندوق تعيين المعلمين لأن الدولة غير قادرة على تحمل تعيينهم بمفردها”.

وبالنسبة لرغدة خريجة الفلسفة يكمن الحل في “أن أحس أنّ لي  مستقبلا وإني ألقى فرصة عمل كريمة تتناسب مع قدراتي وأستطيع من خلالها أن أوظف المعرفة اللي اكتسبتها على مدار أربع سنين”. لكن الأمر بالنسبة لعبدالحميد معلم اللغة الفرنسية والأب لأربعة أطفال، يتلخص في ثلاث كلمات “أن أستطيع العيش”.

16