تغير المناخ يضعف الجيوش ويفاقم خطر اندلاع النزاعات

غياب الاستقرار وحركات الهجرة الكبرى يهددان استقرار الدول.
السبت 2022/11/12
الأزمات البيئية تزيد من خطورة الأوضاع الأمنية

لا تقتصر آثار تغير المناخ على الجانب الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، وإنما تشمل أيضا الجانب الأمني والعسكري، حيث تسهم عمليات الهجرة والاضطرابات المرتبطة بالمناخ في ارتفاع عمليات التسلّح وتوسع العمليات العسكرية داخل الدول وفيما بينها، كما تقوض مدى الجهوزية العسكرية للدول وتدفع بها نحو نزاعات لا مفرّ منها.

واشنطن – يواجه العالم مخاطر غير مسبوقة جراء تغيّر المناخ. ويحذر محللون من أن كل منطقة متأثرة بالتغيرات المناخية الخطيرة والمتسارعة تمثل جرس إنذار للبشرية، حيث لا مفر من أن تتجاوز تداعيات المناخ حدود المجال البيئي لتمس المجال الاجتماعي والسياسي. ومع أن تغير المناخ نادرا ما يكون السبب الرئيسي لأي نزاع، إلا أنه قد يشكل عاملا مضاعفا للمخاطر.

ويحمل تغيّر المناخ خطر إذكاء النزاعات حول العالم، ليفاقم المعاناة الناجمة عن التداعيات المباشرة للارتفاع السريع في درجة حرارة الأرض.

ولقد أصبح فهم المخاطر الأمنية المتصلة بالمناخ والاستجابة لها أولوية إستراتيجية، وهذه المخاطر وثيقة الصلة بسياقاتها، وهي تخلّف آثارا متباينة حسب المناطق والبلدان والمجتمعات المحلية، فهي تؤثر على النساء والرجال والشباب بطرق مختلفة. وتزداد حدة المخاطر عندما تكون النزاعات السابقة أو الحالية قد قوّضت قدرة المؤسسات والمجتمعات المحلية على استيعاب الضغوط الإضافية، الناجمة عن تغير المناخ أو التكيف مع البيئة المتغيرة.

وعلى سبيل المثال، ستشتد حدة التنافس، بينما تؤدي موجات الجفاف إلى شح متزايد في الغذاء والمياه، فيما يفرّ سكان المناطق الأكثر تأثّرا، ويفتح ذوبان الجليد في المنطقة القطبية الشمالية مجالات جديدة للبلدان للتزاحم على الموارد والنفوذ، وهي جميعها عوامل تعزز إمكانية اندلاع نزاعات.

مورغان هيغمان: تغير المناخ سيسبب اندلاع نزاعات ضمن الدول وعبر حدودها
مورغان هيغمان: تغير المناخ سيسبب اندلاع نزاعات ضمن الدول وعبر حدودها

وبينما يطرح تغيّر المناخ تهديدات أمنية جديدة، يمثّل أيضا تحديات كبيرة بالنسبة للجيش الأميركي، الذي ينشط حول العالم لردع الخصوم والتعامل مع الأزمات.

وتسببت العواصف والفيضانات بالفعل في أضرار تقدّر كلفتها بالمليارات من الدولارات بالنسبة للقواعد الأميركية، في وقت تبدو الأمور في طريقها إلى التدهور.

ويزيد تكرار الكوارث الطلب على الجنود، ومن شأن الظروف البيئية الأكثر حدّة أن تتطلب إدخال تغييرات في برامج التدريب والمعدّات.

وكتب وزير الدفاع الأميركي لوين أوستن في مقدّمة لتقرير للعام الحالي عن التقدّم في جهود التكيّف مع تغيّر المناخ أن “ارتفاع درجات الحرارة وتغيّر أنماط هطول الأمطار وأحوال الطقس الأكثر تكرارا وحدّة، والتي لا يمكن التنبؤ بها نتيجة التغيّر المناخي، تفاقم المخاطر الأمنية الحالية وتخلق تحديات جديدة.

وأضاف أن “تغيّر المناخ يزيد الطلب على العمليات العسكرية وحجمها على الصعيد الداخلي وحول العالم، وفي الوقت ذاته يقوّض الجهوزية العسكرية ويفرض تكاليف غير قابلة للاستدامة بدرجة أكبر على وزارة الدفاع”.

وسبق أن شددت روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، في الإحاطة التي قدمتها إلى مجلس الأمن في عام 2020، على أن تغير المناخ قد خلّف تداعيات كبيرة على قدرتنا على منع نشوب النزاعات والحفاظ على السلام في مختلف أنحاء العالم.

وينطبق هذا على السياقات التي تدير فيها إدارة شؤون السلام والشؤون السياسية التابعة للأمم المتحدة بعثات سياسية خاصة (يوجد معظمها في بلدان معرضة بشدة لآثار تغير المناخ حسب مؤشر مبادرة التكيّف العالمي لجامعة نوتردام)، وكذلك على البيئات التي لا توجد فيها بعثات، حيث تقدم الإدارة الدعم للمنسقين المقيمين للأمم المتحدة في مجال منع نشوب النزاعات وصنع السلام وبناء السلام، بما في ذلك من خلال البرنامج المشترك بين البرنامج الإنمائي وإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام لبناء القدرات الوطنية على منع نشوب النزاعات.

تضرر القواعد

غريغوري بولوك: تغير المناخ يهدد الاستقرار في مختلف مناطق العالم
غريغوري بولوك: تغير المناخ يهدد الاستقرار في مختلف مناطق العالم

تشير مورغان هيغمان، الباحثة لدى “برنامج سي.أس.آي.أس لأمن الطاقة وتغير المناخ” إلى التوتر القائم بالفعل بشأن كيفية التعامل مع تغيّر المناخ، في وقت ستمهّد تداعياته الملموسة لـ”اندلاع نزاعات ضمن وعبر حدود الدول”.

وقالت هيغمان إن “العديد من الدول تواجه صعوبات مرتبطة بالجفاف وشح المياه وارتفاع مستوى البحر والحر الشديد، وهي تداعيات ستؤدي إلى انخفاض الإنتاج الاقتصادي وتفاقم الهجرة، وتتطلب زيادة مستويات المساعدات الإنسانية”.

وأكّد غريغوري بولوك، مدير مكتب المنطقة القطبية الشمالية وسياسة الصمود العالمي التابع للبنتاغون، والذي يتولى مسؤولية التعامل مع الانعكاسات الأمنية لتغيّر المناخ، أن الولايات المتحدة “تراقب عن كثب” الازدياد المحتمل في التنافس على الموارد.

ولفت إلى أن ازدياد الهجرة المدفوعة بتغيّر المناخ “يمكن أن يزعزع الاستقرار في مختلف مناطق العالم”، بينما يشكّل تسبب ذوبان الجليد في فتح ممرّات جديدة في المنطقة القطبية الشمالية والتنافس الذي سيخلقه ذلك، مصدر عدم استقرار آخر.

وقال بولوك إن في الوقت الذي تسعى فيه مختلف الدول لتحقيق أهداف في المنطقة، “يكمن مصدر قلقنا في أن يتسبب ذلك في تغيّر في البيئة الأمنية في هذا الجزء من العالم. كانت المنطقة القطبية الشمالية تاريخيا منطقة تعيش حالة سلام، ونأمل بأن نبقيها كذلك”.

فضلا عن ازدياد احتمالات اندلاع نزاعات، يطرح تغيّر المناخ الذي يناقشه قادة العالم خلال مؤتمر “كوب27” المنعقد في مصر هذا الأسبوع، تحديات أخرى بالنسبة للجيش الأميركي.

وأوضح بولوك أن ثلاث قواعد عسكرية أميركية تعرّضت إلى أضرار تقدّر كلفتها بتسعة مليارات دولار، نتيجة أعاصير وفيضانات ضربتها في العامين 2018 و2019، بينما توجد مواقع رئيسية حول العالم “يرجّح بأن تتعرّض بشكل متزايد إلى الخطر بفعل العوامل المرتبطة بتغيّر المناخ، سواء كان ذلك نتيجة التعرية في المناطق الساحلية أو الفيضانات أو ازدياد الأعاصير”.

تقليص الجهوزية

تقليص الجهوزية

يعني تغيّر المناخ أيضا أن الجنود سيخوضون معارك في ظروف صعبة، وهو أمر أقرّت وزارة الدفاع بأنه قد يستدعي إدخال تعديلات على برامج التدريب والمعدات.

وجاء في تقرير للجيش الأميركي بشأن تقدّمه في التكيّف مع المناخ، بأنه حاليا “يقيّم ويراجع برامج الاختبار والتدريب والمعدات والتمرينات وعمليات الاستحواذ، لدمج اعتبارات التغيّر المناخي”.

وتستجيب القوات الأميركية بالفعل لعدد متزايد من الكوارث، سواء في الداخل أو الخارج.

تغيّر المناخ يزيد الطلب على العمليات العسكرية وحجمها حول العالم، وفي الوقت ذاته يقوّض الجهوزية العسكرية

وقال بولوك “نشهد ازديادا في تكرار الكوارث، وبالتالي ازديادا في الطلب على القوات العسكرية الأميركية للمساهمة في عمليات الاستجابة”.

وداخل الولايات المتحدة، أوكلت قوات الحرس الوطني مهمة مكافحة حرائق الغابات على مدار العام، بدلا من القيام بذلك خلال موسم معيّن، وهو أمر، بحسب بولوك، “يثقل كاهل قوّتنا ويقلّص الجهوزية”.

وتضمن مقترح موازنة الدفاع للعام 2023 تمويلا مرتبطا بالمناخ يزيد عن ثلاثة مليارات دولار، بينما سلط الجيش الأميركي الضوء على التهديد الذي يشكّله تغير المناخ في “إستراتيجية الدفاع الوطني للعام 2022” التي وضعها.

لكن تبدّل الشخصية التي تتسلّم سدة الحكم في البيت الأبيض قد يؤدي إلى تخفيف الاهتمام بالتحديات الناجمة عن تغير المناخ، وهو أمر شددت هيغمان على أن البنتاغون عليه تجنبه.

وقالت “لا يمكن للجيش ألا يفكّر في تغيّر المناخ.. المخاطر كبيرة جدا وعديدة”.

7