تغير المناخ يزيد القرصنة في جميع أنحاء أفريقيا

مع تسبب تغير المناخ في تفاقم الفقر في القارة، يلجأ المزيد من الأشخاص اليائسين إلى الجريمة البحرية.
الأربعاء 2024/06/05
عودة قسرية إلى النشاط

أبوجا - في المياه الهائجة قبالة نيجيريا، يسرع قراصنة مسلحون في زوارق صغيرة نحو سفينة شحن و يصعدون على متنها، ويسيطرون عليها وعلى حمولتها القيمة. هذا ليس مشهدًا من فيلم إنها حقيقة صارخة بالنسبة إلى البحارة في أجزاء كثيرة من العالم.

وتشكل القرصنة تهديدًا للشحن العالمي والتجارة وسلامة البحارة. وفي عام 2020 وحده، وقعت 135 عملية اختطاف بحري، حيث يمثل خليج غينيا قبالة ساحل غرب أفريقيا أكثر من 95 في المئة من عمليات الاختطاف. وكثيرا ما يُخضع القراصنة الرهائن للعنف والتعذيب وحتى الإعدام.

وتقول الباحثة سيلينا روبنسون في تقرير نشره موقع “ذوكونفرسيشن” إن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن تغير المناخ يبدو أنه يجعل المشكلة أسوأ. وفي مناطق مثل شرق أفريقيا، يؤدي تغير المناخ إلى تدمير مصايد الأسماك الساحلية التي اعتمد عليها الناس لأجيال.

ويتسبب تغير المناخ في انخفاض الأرصدة السمكية حيث تهاجر بعض الأنواع بعيدًا عن متناول الصيادين المحليين. وأدى الجفاف الذي طال أمده والطقس المتطرف إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والفقر في الأراضي. ولجأ بعض الصيادين السابقين، بالتعاون مع الميليشيات والشباب العاطلين عن العمل، إلى القرصنة كوسيلة للبقاء على قيد الحياة.

ونجحت الإجراءات الأمنية المسلحة في المياه الصومالية خلال العقد الماضي في خفض عدد حوادث القرصنة في المنطقة. ومع ذلك، تشير البيانات الأخيرة إلى أن القرصنة في الصومال تطل برأسها مرة أخرى. وفي الربع الأول من عام 2024، تم الإبلاغ عن 33 حادثة قبالة الساحل الصومالي، بما في ذلك عمليتي اختطاف.

سيلينا روبنسون: الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن تغير المناخ يبدو أنه يجعل المشكلة أسوأ
سيلينا روبنسون: الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن تغير المناخ يبدو أنه يجعل المشكلة أسوأ

وتتكشف قصة مماثلة على بعد آلاف الكيلومترات في خليج غينيا. وترتبط القرصنة هناك بسرقة النفط من قبل الجماعات الإجرامية التي تجند الشباب الفقراء لاختطاف الناقلات وسحب النفط الخام. ووجدت الأبحاث أن ارتفاع درجة حرارة المياه وتفشي الصيد غير القانوني قد أهلكا مصايد الأسماك المحلية ولم يتركا لسكان المناطق الساحلية سوى القليل ليعتمدوا عليه.

وفي ساحل العاج، انخفض إجمالي الصيد بنحو 40 في المئة بين عامي 2003 و2020. وفي غانا، انخفض صيد الأسماك الصغيرة بنسبة 59 في المئة بين عامي 1993 و2019. وتشير التوقعات الخاصة بهذين البلدين ونيجيريا إلى أن الصيد قد ينخفض مرة أخرى 50 في المئة بحلول عام 2050. وتعتبر الأرباح غير المشروعة الناتجة عن سرقة النفط من قبل القراصنة هائلة. وبالنسبة لنيجيريا وحدها، تقدر هذه الأرباح بما يتراوح بين 3 مليارات دولار و8 مليارات دولار كل عام.

وتغذي هذه الأموال القذرة الاتجار بالأسلحة والفساد والخروج على القانون وهي حلقة مفرغة تقوض جهود التنمية والأمن. ومع تسبب تغير المناخ والصيد غير القانوني في تفاقم الفقر في المنطقة، فقد يلجأ المزيد من الأشخاص اليائسين إلى الجريمة البحرية. وهذا من شأنه أن يديم عدم الاستقرار ويهدد سلامة البحارة والتجارة العالمية.

وترى روبنسون أن الاستثمار في صيد الأسماك المستدام وسبل العيش البديلة والتنمية الاقتصادية في المناطق الساحلية المعرضة للخطر بسبب تغير المناخ أمر ضروري لوقف موجة القرصنة المتزايدة.

وقامت قوة الشرطة البحرية في بونتلاند، وهي قوة أمنية مقرها في منطقة بونتلاند التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال شرق الصومال، بكبح القرصنة في المياه الصومالية بشكل فعال بعد تشكيلها في عام 2010. وانخفضت هجمات القراصنة قبالة الساحل الصومالي من ذروتها البالغة 237 في عام 2011 إلى تسعة فقط في عام 2017.

ومن خلال القيام بدوريات في المياه الإقليمية، تردع القوة أنشطة القراصنة وتعترض الهجمات قبل حدوثها. وتركز أيضًا على تدريب وتجهيز السلطات المحلية، وتعزيز الشعور بالملكية في الأمن البحري.

وإلى جانب التدابير الأمنية، ساعدت قوة الشرطة البحرية في بونتلاند في بناء مجتمعات ساحلية أكثر قدرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ. وبدعم من دولة الإمارات، تستثمر في مشاريع البنية التحتية مثل المدارس والمستشفيات والطرق، بينما تدعم أيضًا سبل العيش البديلة من خلال تعاونيات صيد الأسماك وبرامج التدريب المهني. ويُظهر نجاح قوة الشرطة البحرية في بونتلاند مدى فعالية النهج الذي يعالج الأعراض والأسباب الكامنة وراء الجريمة البحرية.

◙ ارتفاع درجة حرارة المياه وتفشي الصيد غير القانوني قد أهلكا مصايد الأسماك المحلية ولم يتركا لسكان المناطق الساحلية سوى القليل ليعتمدوا عليه

وليس المناخ وحده المسؤول عن عودة نشاط القراصنة، حيث يؤدي الصيد غير القانوني من قبل السفن الأجنبية إلى زيادة استنفاد الأرصدة السمكية والإضرار بالموائل البحرية. وإلى جانب تغير المناخ والبدائل الاقتصادية المحدودة وضعف الإدارة، تعمل العوامل المذكورة على تهيئة الظروف المفضية إلى صعود القرصنة.

وبالتالي، فإن اتخاذ إجراءات صارمة ضد الصيد غير القانوني وتحسين قدرات المراقبة البحرية يمكن أن يساهما أيضًا في معالجة القرصنة. وفي الصومال، ساعدت أنظمة المراقبة عبر الأقمار الصناعية التابعة للاتحاد الأوروبي في تتبع نشاط سفن الصيد في المنطقة وردع الصيد غير القانوني الذي يمكن أن يغذي القرصنة. وتعمل مبادرات تبادل المعلومات بين البلدان على تعزيز تعاون إقليمي أكبر وتمكين استجابة أكثر تنسيقا للتهديدات البحرية.

وعلى سبيل المثال، تتضمن ما يسمى بمبادرة الوعي المشترك وتجنب التضارب في خليج غينيا اجتماعات منتظمة بين القوات البحرية وخفر السواحل وأصحاب المصلحة في الصناعة لتبادل المعلومات الاستخبارية وتنسيق الدوريات وتطوير أفضل الممارسات للأمن البحري في المنطقة.

وفي نهاية المطاف، تعد القرصنة أحد أعراض عدم الاستقرار الأوسع نطاقا الناجم عن تغير المناخ في العديد من المناطق الساحلية الأكثر عرضة للخطر في العالم. ويعرض التقاعس عن العمل المزيد من الأرواح للخطر ويهدد التجارة البحرية التي تدعم الاقتصاد العالمي، إذ أن تصاعد أعمال القرصنة في المياه الدافئة في العالم يشكل تحذيرا مسبقا.

وهو يوضح مدى السرعة التي يمكن أن تزعزع بها المجتمعات المحلية عندما يؤدي تغير المناخ إلى تآكل سبل العيش التقليدية. وسوف يتطلب نزع فتيل هذا التهديد مستقبلا أكثر استدامة وإنصافا وقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ بالنسبة للمجتمعات الساحلية، قبل أن يلجأ المزيد من الناس اليائسين إلى القرصنة من أجل البقاء.

7