تعريف الإرهاب يحبط آمال السلام مع طالبان

كابول - شهد الربع الأخير من القرن العشرين تطورين هامين: الأول الثورة الإيرانية والثاني احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان قبل 39 عاما، والذي انتهى بالتدخل الأميركي وبظهور حركة طالبان. كانت للحدثين آثار طويلة الأمد على الصعيدين الإقليمي والدولي مازالت تداعياتهما متواصلة إلى اليوم.
يستحضر المراقبون هذا التاريخ، وإسقاطاته الراهنة، متسائلين عن جدوى المفاوضات التي تجريها الولايات المتحدة اليوم مع طالبان، خاصة وأن أحدث تجربة مع إيران، باءت بالفشل، وهي تجربة الاتفاق النووي، الذي لم يحقق أي “سلام” مرجو منه، بل بالعكس أدى إلى تغوّل إيران وخروجها عن نطاق السيطرة الدولية عليها كما هو الحال قبل توقيع الاتفاق النووي بينها وبين مجموعة خمسة زائدا واحدا، قبل أن تنسحب واشنطن منه.
بين مؤيد وداعم، يرى أن حركة طالبان جماعة مقاومة محلية تختلف عن تنظيم القاعدة، ومتخوف وقلق من أن واشنطن تسعى إلى “توطين الإرهاب” في أفغانستان، تجري المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، بعد حرب استمرت على مدى 18 عاما.
تثير هذه المفاوضات، التي كادت تنهار في مناسبات عديدة بسبب خلافات عميقة، أسئلة حول ماهية الإرهاب، حيث يقول مجيب مشعل، مراسل صحيفة نيويورك تايمز في أفغانستان، “يبقى الخلاف على سؤال جوهري من أبرز ما يعيق التقدم في المحادثات. ويكمن هذا السؤال في ماهية الإرهاب، وكيفية تحديد ما إذا كان عنصر ما إرهابيا”.
ويضيف مشعل قائلا “إن الجواب مهم، فقد اتفق الطرفان من حيث المبدأ على إطار لقضيتين حاسمتين: انسحاب القوات الأميركية مقابل الالتزام بعدم استخدام الأراضي الأفغانية مرة أخرى لشن هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، مثل هجمات 11 سبتمبر التي تبنها تنظيم القاعدة”.
وتذهب في ذات السياق المحللة السياسية في شبكة سي.أن.أن، كاميليا انتخابی فرد، مشيرة إلى أن الكثير من الأفغان يشككون في الهدف الحقيقي للمفاوض الأميركي، ويطالبون بالمشاركة في هذه المحادثات الجارية لفهم الثمن الذي تريده الولايات المتحدة مقابل إبرامها اتفاقية مع طالبان.
هذا الجدل الذي يقسم الداخل الأميركي، أثارته طالبان ذاتها لدى التباحث في التفاهمات التي قد تفضي إلى سلام بين ثلاثة أطراف تكون فيه حكومة كابول طرفا رئيسيا، وذلك بتعللها بعدم وجود تعريف شامل لمفهوم الإرهاب.
ورغم التكتم في بادئ الأمر بشأن ما أفضت إليه المباحثات في الجولة الّأخيرة، فإن خلافات عميقة بين الطرفين طفت على السطح.
ظهر هذا الخلاف، بصورة أدق حين نفت حركة طالبان بشكل غير مباشر الجمعة أن تكون بحثت مسألة وقف إطلاق النار في أفغانستان والحوار مع حكومة كابول خلال المفاوضات في الدوحة مع ممثلين أميركيين خلافا لتأكيدات واشنطن. وقال المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد في بيان إنه خلافا للجوانب “الخارجية” للنزاع وهي “انسحاب كل قوات الاحتلال من أفغانستان ومنع أن تستخدم أفغانستان للإساءة لجهات أخرى”، فإن”المسائل الأخرى التي لها جوانب داخلية وغير مرتبطة بالولايات المتحدة لم تكن موضع بحث”.
والثلاثاء الماضي، أدلى الناطق باسم الخارجية الأميركية روبرت بالادينو بتصريحات تتعارض مع ذلك، حيث قال إن المحادثات تركّز على “الموضوعات الأربعة المترابطة في ما بينها والتي ستشكّل أساس أيّ اتفاق مستقبلي” لإنهاء الحرب المستمرة منذ 2001 وهي “مكافحة الإرهاب” و”انسحاب القوات الأميركية” و”الحوار بين الأفغان” و”وقف إطلاق النار”.
يبدو تحرك طالبان البطيء وتعطيلها للمحادثات كسعي منها لإضاعة الوقت، فهذه القضية حساسة وتعتبر وجودية بالنسبة إلى الجماعة، وهي تضرب في صميم أيديولوجيتها وحربها. ويؤكد مجيب مشعل أن مدى قدرة قادة طالبان على التنازل عن قضية السلطة السياسية غير واضح. ويظهر ذلك في عنادهم ورفضهم لمقابلة الحكومة الأفغانية. وأثار ذلك مخاوف من أن يمدد الخلاف على السلطة في الحرب في أفغانستان، حتى بعد التوصل إلى اتفاق مع الأميركيين. وحذّر القادة السياسيون الأفغان الأميركيين من قبول أي اتفاق مع طالبان يشمل سحب قواتهم وبالتالي فقدان نفوذهم قبل إحراز تقدم على الجبهة السياسية.
وتشير كامليا انتخابى إلى أنه لم تتم مناقشة أي شيء يتعلق بهذه المحادثات السرية بين الولايات المتحدة وطالبان مع الحكومة الأفغانية ولا مع أي جهة تمثل الشعب الأفغاني الذي تصفه بأنه الضحية الرئيسية لحركة طالبان.
في عام 2018 وحده قتل 4000 مدني على يد حركة طالبان التي نفذت 68 عملية انتحارية ضد المدنيين في كابول وأعلنت مسؤوليتها عن هذه العمليات. كما قتل مئات الآلاف من الأفغان منذ عام 2001، بما في ذلك قوات الأمن الأفغانية والمدنيون.
وتقول انتخابى “يعتقد الأفغان أن من يتفاوضون اليوم مع طالبان، مثل المبعوث الأميركي خليل زاد، وهو من أصل أفغاني، هم نفس الأشخاص الذين كانوا يقومون بأعمال مع طالبان منذ عام 2000. كان خليل زاد وراء أول دعوة أرسلت إلى طالبان لزيارة الولايات المتحدة عندما كان جورج بوش هو الرئيس”. وتضيف “والآن، مرة أخرى، يجلس نفس الأشخاص الذين لا يهتمون بمستقبل الأفغان إلى طاولة المفاوضات لكسر المحرمات وإضفاء الشرعية على طالبان”.
لمواجهة السوفييت في أفغانستان صنعت الولايات المتحدة ظاهرة المجاهدين، الذين وصفهم عنهم تحدث زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي كارتر، بأنهم بيدق في رقعة الشطرنج الكبرى للقضاء على الاتحاد السّوفيتي السابق، ثم جاء تنظيم القاعدة، ومن رحمهما خرجت حركة طالبان، وفي نفس الفترة ساعدت على قلب النظام في إيران. لكن، تحولت القاعدة وطالبان وإيران تحولت إلى أكبر أعداء الولايات المتحدة. من هان يتطلع المراقبون بحذر إلى المفاوضات بين واشنطن وطالبان، وقلق من أن يقتل أي أمل في خروج أفغانستان من التشدد المجتمعي الذي فرضته طالبان وأن تصبح دولة "دينية" شبيهة بإيران بعد الثورة الإسلامية التي منحها الغرب الشرعية.
للمزيد: