تعديل قانون الأحزاب في موريتانيا ينذر بأزمة سياسية جديدة

نواكشوط - منذ تصديق البرلمان عليه في 28 يناير الماضي، مازالت التعديلات على القانون المنظم للأحزاب السياسية في موريتانيا تثير الجدل، وسط مخاوف من أن تزج بالبلد في أزمة سياسية جديدة.
وبينما اعتبرت الحكومة أن التعديلات على القانون تهدف إلى “إضفاء المزيد من الجدية والتنظيم على المشهد الحزبي الوطني” رأت فيها المعارضة “تضييقا وانتكاسة للديمقراطية عبر تحويل الأحزاب السياسية إلى هيئات تحت وصاية وزارة الداخلية.”
وينتظر أن يصبح التعديل القانوني الذي أقرته الحكومة وصادق عليه البرلمان نافذا بعد نشره في الجريدة الرسمية، حيث يتضمن شروطا تتعلق بإنشاء الأحزاب وسيرها وحلها.
وستواجه الكثير من الأحزاب السياسية خطر الحل، نظرا للإجراءات الجديدة التي نص عليها القانون المعدل، بينما سيواجه سياسيون آخرون صعوبة في إنشاء أحزاب سياسية. في حين يهدد التعديل الجديد العديد من الأحزاب السياسية قيد الترخيص ومن بينها “حزب الرك” بقيادة بيرام الداه اعبيد الذي حل ثانيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وفي عام 2019 أصدرت وزارة الداخلية قرار حل نحو 80 حزبا، استنادا إلى تعديل صدر عام 2018 لقانون تنظيم عمل الأحزاب الصادر عام 1991؛ ما قلص عددها إلى 25 بعد أن كان يفوق المئة.
ونص التعديل السابق على حل جميع الأحزاب التي تتخلف عن المشاركة في استحقاقين انتخابيين بلديين متواليين أو تشارك فيهما وتحصل على أقل من 1 في المئة من أصوات الناخبين.
طبيعة التعديلات
◙ الحكومة الموريتانية دافعت عن التعديلات، وأكدت أنها تهدف إلى تعزيز التعددية السياسية من حيث اشتراط شروط لإنشاء الأحزاب وسيرها وحلها
من أكثر التعديلات التي أثارت الجدل تلك المتعلقة بشروط إنشاء الأحزاب السياسية وحلها وتسييرها. ونص التعديل على أنه “لإنشاء حزب سياسي جديد يشترط تزكية برنامج الحزب من طرف خمسة آلاف مواطن، ينتمون إلى نصف ولايات الوطن (15 ولاية) على الأقل.” كما تضمن التعديل زيادة في عدد أعضاء الجمعية العامة التأسيسية للحزب من 20 إلى 150 مواطنا يمثلون كافة ولايات الوطن.
ونص القانون المعدل على الالتزام بافتتاح الحزب مقرات في نصف ولايات الوطن على الأقل بعد فترة ستة أشهر من تاريخ الترخيص، ورفع النسبة الأدنى التي تضمن للحزب الحصول على التمويل، من 1 في المئة إلى 2 في المئة على الأقل من مجموع الأصوات المعبّر عنها على المستوى الوطني في آخر انتخابات محلية عامة.
وكذلك نصت التعديلات على أنه “يتم حل الحزب السياسي بقوة القانون عندما يقدم مرشحين لاقتراعين متتاليين في انتخابات محلية عامة ولم يحصل على 2 في المئة من الأصوات المعبر عنها في كل اقتراع، أو الحزب الذي لم يشارك في اقتراعين متتاليين في انتخابات محلية عامة.”
ووفق التعديلات “يتم تعليق نشاطات الحزب مؤقتا 90 يوما في حالة تهديد النظام العام، وفي حالة حل حزب سياسي بمرسوم يتم منع أعضائه المؤسسين من تأسيس حزب جديد وذلك لفترة خمس سنوات.”
جدل
◙ الكثير من الأحزاب السياسية سيواجه خطر الحل، بينما سيواجه سياسيون آخرون صعوبة في إنشاء أحزاب سياسية
دافعت الحكومة الموريتانية عن التعديلات، وأكدت أنها تهدف إلى “تعزيز التعددية السياسية من حيث اشتراط شروط لإنشاء الأحزاب وسيرها وحلها، وإضفاء المزيد من الجدية والتنظيم على المشهد الحزبي الوطني.”
وقال وزير الداخلية محمد أحمد محمد الأمين إن من بين دوافع القانون المعدل “اشتراط رؤية سياسية ومجتمعية لدى الأحزاب في الحاضر والمستقبل لتغطي كافة الاحتياجات حال وصولها إلى السلطة.”
وفي كلمة له خلال مناقشة البرلمان للتعديلات في 28 يناير الماضي أشار محمد الأمين إلى أن الهدف الثاني هو “ضرورة وجود نخبة سياسية وفكرية قادرة على إنتاج الأفكار بمختلف المجالات وتوصيلها إلى القاعدة وإقناعها بها، إضافة إلى وجود موارد مالية متجددة تغطي احتياجات الحزب وقاعدة انتخابية شعبية.”
وأكد أن أي حزب سياسي “ينبغي أن يعكس الجغرافيا السياسية في البلد من حيث التنوع العرقي والاجتماعي وحضور الشباب والنساء.”
وبدوره اعتبر القيادي في حزب الإنصاف الحاكم، البرلماني السابق اباب ولد بنيوك، أن “المنظومة الحزبية في موريتانيا تعيش منذ بداية المسار الديمقراطي أزمة بنيوية جعلت العمل الحزبي هزيلا تطغى عليه الشخصانية وغير قادر على مواجهة التأثيرات الاجتماعية مثل النفوذ القبلي والجهوي والعرقي.”
واعتبر ولد بنيوك أن “بعض الأحزاب في البلد مجرد نسخة ورقية يتم إعدادها بين مجموعة أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد ووفقا لنظام أساسي وداخلي يكاد يكون متطابقا بين غالبية الأحزاب ويتم ترخيصه وفق شروط بعيدة عن منطق تشكيل الأحزاب إما بترضية لطرف سياسي معين أو ضرب آخر أو محاباة.”
ورأى أن الأحزاب السياسية “تحولت إلى وسيلة للتكسب ومزاد علني يتبارى فيه أصحاب المال للحصول على بطاقة الترشح للانتخابات دون جهد سياسي يذكر،” مشيرا إلى أن القانون الجديد جاء “لمعالجة هذه الوضعية وفقا لرؤية جادة وصارمة.”
◙ من أكثر التعديلات التي أثارت الجدل تلك المتعلقة بشروط إنشاء الأحزاب السياسية وحلها وتسييرها
وفي المقابل دعت أحزاب المعارضة الرئيسية في موريتانيا إلى سحب التعديل الجديد للقانون ووصفته بـ”المناقض للديمقراطية”.
وقال رئيس حزب اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود إن التعديلات “لا تعكس رغبة حقيقية في تعزيز الديمقراطية، بل تمثل خطوة إلى الوراء في مجال حرية التنظيم السياسي.”
وذكر خلال تصريحات صحفية في يناير الماضي أن التعديلات الجديدة تتضمن “إجراءات مجحفة بالنسبة إلى الأحزاب وحرية تشكيلها،” معتبرًا أن تلك الإجراءات “تُعقّد عملية تأسيس الأحزاب وتُحجم قدرتها على المشاركة الفعالة في الحياة السياسية.”
ولفت ولد مولود إلى أن التعديلات “مؤشر خطير على الحريات في البلاد ويمثل تحديًا لحرية التنظيم السياسي في موريتانيا، ويظهر ويؤكد توجه الحكومة نحو فرض قوانين أحادية دون مراعاة لحقوق الأحزاب السياسية.”
ووصف نائب رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (أكبر أحزاب المعارضة) محمد ولد محمد امبارك التعديلات الجديدة بأنها “انتكاسة خطيرة”.
وقال ولد محمد امبارك إن التعديلات “رجوع عن المكاسب التي حققتها موريتانيا منذ تسعينات القرن الماضي في مجال الديمقراطية.” وأضاف “هذا القانون يكرس هيمنة وزارة الداخلية على الأحزاب السياسية، ويهدد الطابع التعددي للديمقراطية في البلاد.”
ولفت إلى أن المعارضة كانت تطالب باعتماد “نظام التصريح بدل الترخيص بخصوص الأحزاب السياسية، لتتفاجأ بحجم التعقيدات التي تضمنها القانون الجديد على إنشاء الأحزاب.”
وأشار إلى أن المعارضة “لن تقبل بقانون يتيح لوزارة الداخلية حل الأحزاب السياسية بكل سهولة،” داعيا إلى أن يكون “الحكم النهائي بشأن الأحزاب للقضاء لكي لا تتحول الداخلية إلى خصم وحكم مع الأحزاب في نفس الوقت.”
مصير الحوار
تمرير التعديلات الجديدة، وفق امبارك “أفرغ الحوار الذي دعت إليه الحكومة من محتواه”، وأشار إلى أن التعديلات كان يفترض أن تدرج ضمن النقاش في الحوار المرتقب مع المعارضة الذي دعت إليه الحكومة. وحذر من أن عدم تراجع الحكومة عن هذه التعديلات قد يتسبب في أزمة سياسية في البلاد.
وفي 24 يناير الماضي أعلنت الحكومة البدء بالتحضير لحوار سياسي في موريتانيا، دون تحديد تاريخ معين لانطلاقته، مؤكدة حرصها على المحافظة على جو التهدئة.
وقال رئيس الوزراء المختار ولد اجاي إن الحكومة “ستواكب كل إجراءات التحضير للحوار الوطني وستضع كل إمكانياتها البشرية والفنية تحت تصرف الأطراف المشاركة فيه.”
وشهدت موريتانيا في يوليو الماضي انتخابات رئاسية، فاز فيها محمد ولد الشيخ الغزواني بولاية رئاسية ثانية. وشككت المعارضة في نزاهة تلك الانتخابات، ما تسبب في اندلاع احتجاجات لأنصار المرشح الذي حل ثانيا في الانتخابات بيرام الداه اعبيد، أسفرت عن وفاة ثلاثة متظاهرين.
ورغم عودة الهدوء عقب الانتخابات، إلا أن المعارضة ظلت تطالب بحوار سياسي لبحث قضايا تتعلق بالمنظومة الانتخابية لضمان شفافية أي عملية انتخابية في المستقبل.