تعديل البرلمان الليبي للإعلان الدستوري يعمق مخاوف تكريس الجمود السياسي

سياسيون يؤكدون أن التعديل الدستوري الثالث عشر يمثل مماطلة جديدة وتمديدا لمجلسي النواب والأعلى للدولة، ومحاولة لمنع الآلية البديلة التي لوح بها باتيلي لتجاوز المجلسين.
الأربعاء 2023/02/08
تعديل يمنع حل المجلسين التشريعيين

بنغازي – أثار تعديل "الإعلان الدستوري" الذي أقره مجلس النواب الليبي الثلاثاء لإجراء الانتخابات عبره، في ظل خلافات مع المجلس الأعلى للدولة بشأن التوافق على "قاعدة دستورية" تقود إلى هذا الاستحقاق، جدلا واسعا وسط مخاوف من أن تكرس هذه الخطوة الجمود السياسي في البلاد وتزيد في تعقيد المشهد.

 و"الإعلان الدستوري" هو دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي (1969 - 2011).

وأكد مجلس النواب عقب جلسة في مدينة بنغازي (شرق) الثلاثاء أن التعديل الدستوري الثالث عشر تم إقراره بإجماع السادة النواب الحاضرين، بحسب بيان مقتضب.

ولم يكشف البرلمان الليبي عن تفاصيل التعديل الدستوري، لكن عضو المجلس عبدالمنعم العرفي قال إن "التعديل الثالث عشر يتعلق بتحديد سلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء ومما تتكون السلطة التشريعية واختصاصاتها".

وتابع أنه "يحدد صلاحيات رئيس الدولة في إعلان حالة السلم والحرب، وتحديد مكان مجلس الأمة وهو العاصمة طرابلس (غرب)، فيما يكون المقر الرسمي لمجلس النواب المقبل مدينة بنغازي".

كما أفاد بأن التعديل ينص على أن "عدد أعضاء مجلس الشيوخ يتكون بالمناصفة بين أقاليم ليبيا الثلاثة برقة (شرق) وطرابلس (غرب) وفزان (جنوب)، أما مجلس النواب فيتكون من 200 عضو يُنتخبون بحسب الكثافة السكانية للتوزيع الجغرافي".

واعتبر العرفي أن "تعديل الثلاثاء للإعلان الدستوري يرضي الجميع"، وذلك ردا على سؤال بشأن اتخاذ مجلس النواب هذه الخطوة المنفردة قبل أن يبدي المجلس الأعلى رأيه في مسألة التعديل، بوصفه شريكا في إقرار "القاعدة الدستورية".

وتابع "لا يمكن الانتظار أكثر من ذلك والتسليم بحالة الجمود السياسي دون اتخاذ خطوات لحل الأزمة.. تعديلات اليوم لا يوجد فيها أي شيء جدلي يمكن لطرف الاعتراض عليه".

وأضاف "بعد تعديل الإعلان الدستوري اليوم يصبح هو القاعدة الدستورية التي ستُجرى عبرها الانتخابات.. وخطوة المجلس اليوم جاءت لقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية التي ستحدث إن استمر الجمود".

ولم يعقب المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) على سعي مجلس النواب إلى إجراء الانتخابات عبر "الإعلان الدستوري"، في ظل تعثر المفاوضات بينهما بشأن التوافق على "قاعدة دستورية" لهذا الغرض.

والاثنين، أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، خلال جلسة برلمانية، عن مقترح لإجراء الانتخابات عبر تعديل "الإعلان الدستوري".

وتابع "تواصلنا مع المجلس الأعلى للدولة وتسلموا منا نسخة من مقترح التعديل ونتمنى تأييدهم".

والثلاثاء، قالت عضو المجلس الأعلى أمينة المحجوب، في تصريح صحافي، إن "المجلس أجل جلسته التي كان من المقرر أن يبحث فيها مقترح مجلس النواب بتعديل الإعلان الدستوري"، وهو ما يعني أن المجلس لم يحسم أمره ولم يرد على مجلس النواب.

وانتقد عضو المؤتمر الوطني العام السابق عبدالمنعم اليسير، التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري، معتبرا أن "هذا التعديل يزيد من تعقيد المشهد أكثر ويرسخ واقعا جديدا خطيرا يمنع استقرار البلاد".

واعتبر اليسير أن نص التعديل على أن مجلس الشيوخ يتكون من 20 عضوا عن برقة و20 عضوا عن طرابلس و20 عضوا عن فزان يعني أنه "تشكيل ضمني للدولة الليبية على أنها مركبة من ثلاثة أقاليم"، لافتا إلى أن "هذا لم يقره الشعب الليبي ويتناقض بالكامل مع النصوص الأساسية للإعلان الدستوري التي تتعلق بالمساواة بين كل الليبيين".

ورأى أن هذا التعديل "يضع مجلس الأمة في موقع المتفرج ويتعارض بين مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية"، مبينا أن "في الأنظمة الديمقراطية المتوازنة لا يحق للرئيس أن يحل مجلس النواب ومجلس الشيوخ ولا يحق للمجلسين إقالة الرئيس إلا تحت ظروف خاصة، منها الخيانة العظمى. لهذا لا يجوز أبدا لأي رئيس حل المجالس التشريعية المنتخبة".

ولفت اليسير إلى أن المدة المتاحة لمجلسي النواب والشيوخ 4 سنوات، وهو ما "يتعارض مع الواقع بأن الإعلان الدستوري هو خاص بالمرحلة الانتقالية فقط وليس دستورا دائما للبلاد"، مشددا على أن "المرحلة الانتقالية يجب ألا تزيد عن سنة واحدة. في الدساتير الدائمة، الدورة البرلمانية لا تزيد عن سنتين".

ورأت الأكاديمية الليبية فيروز النعاس أن "خطوة التعديل الدستوري مجرد إحدى ألاعيب عقيلة صالح لكسب المزيد من الوقت، وأنه اختار الوقت المناسب لها، حيث جاءت قبيل إحاطة المبعوث الأممي باتيلي نهاية الشهر الجاري، وأن الأخير تلقف للأسف الكرة واعتبرها تقدما في مسار القاعدة الدستورية، وبالتالي تم وقف الآلية البديلة التي لوح بها لتجاوز المجلسين".

وأكدت النعاس في تصريحات صحافية أن "بمجرد تقديم الإحاطة أمام مجلس الأمن فإننا سنعود إلى نقطة الصفر وستبدأ مرحلة عدم التوافق، لذا فإننا ندور في دائرة مفرغة، والسبب الإصرار على أن الحل يجب أن يمر من خلال عقيلة صالح وخالد المشري ومجلسيهما".

كما وجه المرشح الرئاسي السابق سليمان البيوضي انتقادات حادة لهذا التعديل عبر حسابه على فيسبوك، مؤكدا أنه "مليء بالكوارث وفيه استهداف مباشر لتعطيل العملية السياسية وتدميرها في ليبيا، وهو مطعون فيه لأسباب عديدة".

وأوضح البيوضي أن "إقرار التعديل لم يتم في جلسة علنية"، مشيرا إلى أنه تم بخمسين عضوا، استنادا إلى خبر صحافي.

وأكد أن هذا "التعديل يمثل مماطلة جديدة وتمديدا للمجلسين على حساب إرادة الليبيين وتطلعاتهم، حيث يقر بتعديل الدوائر الانتخابية وعدد مقاعد مجلس النواب، وبالتالي سيخلق جدلا سياسيا ومجتمعيا واسعا وسيؤدي إلى المزيد من الانقسام".

وأضاف أن "هذا التعديل، وما سبقه، يتجاهل حكما نهائيا بتنفيذ الاستحقاقات الوطنية وفقا للقانون رقم 1 و2 لسنة 2021". كما أنه "ينفذ بعد 240 يوما من إصدار القوانين، ما يعني بعد توافق المجلسين".

ولفت إلى أن "الحل لدى النخب السياسية والاجتماعية، وحسم الصراع في الشارع بمظاهرات غضب ضد الفساد وسلطات الأمر الواقع".

ويبدي الفرقاء الليبيون في العلن رغبة في حل القضايا العالقة والانتقال إلى المسار الانتخابي، لكن الأمر مختلف في الغرف المغلقة على الجانبين، أي في طرابلس حيث مقر الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، التي ترفض تسليم السلطة وتتمسك بالشرعية، وفي بنغازي وسرت حيث مقري مجلس النواب والحكومة المعينة من قبله برئاسة فتحي باشاغا، الذي فشل في دخول العاصمة في ثلاث مناسبات متتالية.

وبمبادرة من الأمم المتحدة، تجري لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة منذ نحو عام مفاوضات للتوافق على "قاعدة دستورية" تقود إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، لكن هذا المسار متعثر جراء خلافات، لاسيما بشأن أحقية العسكريين ومزدوجي الجنسية في الترشح للانتخابات الرئاسية.