تعاون عسكري واقتصادي يخفف وطأة البرود السياسي بين مصر وروسيا

التطابق في مجال التعاون العسكري بين مصر وروسيا يخفف من وطأة الخلاف السياسي الذي كشفه موقف موسكو شبه المنحاز لإثيوبيا.
السبت 2021/08/28
وفاق رغم هواجس البلدين

أعطت زيارة وفد عسكري مصري إلى موسكو وزيارة روسية مماثلة منتظرة إلى القاهرة دفعا قويا لتطوير البعدين العسكري والاقتصادي في العلاقات بين البلدين، بالإضافة إلى التركيز على الجوانب التي تدعم علاقاتهما وتبعدها عن أي اهتزاز سياسي.

القاهرة- لم تعد روسيا تنزعج من اقتراب مصر كثيرا من الولايات المتحدة أو تراهن على الانحياز تماما لها، ولم تعد الثانية قلقة سياسيا من تداعيات وقوف موسكو بجانب أديس أبابا في أزمة سد النهضة الإثيوبي، حيث وصل الطرفان إلى تفاهمات كبيرة لتعزيز المصالح الاستراتيجية المشتركة في المجالين العسكري والاقتصادي، تمثل شبكة أمان لأي خلافات في التفاصيل السياسية.

وعاد وزير الدفاع المصري الفريق أول محمد زكي الأربعاء من زيارة إلى موسكو وصفت بـ”الناجحة” في القاهرة، حضر خلالها الاجتماع السابع للجنة العسكرية المصرية – الروسية المشتركة، ووقع على بروتوكول في مجالات أمنية وعسكرية مختلفة، مؤكدا “تطلع بلاده لدعم آفاق وأوجه التعاون بين القوات المسلحة في البلدين”.

ويقول مراقبون إن هذه الزيارة أذابت جانبا كبيرا من الجليد السياسي مع موسكو الذي خلفه موقفها القريب من إثيوبيا في جلسة مجلس الأمن بشأن أزمة سد النهضة وإن الطرفين عازمان على فصل المسارات العسكرية والاقتصادية عن السياسية، إذ تتطلب الأخيرة مرونة لعدم تعكير صفو العلاقات التي تحرص كل دولة على تمتينها.

عزت سعد: من الطبيعي ألا يوجد توافق تام بين مصر وروسيا

ويضيف المراقبون أن العلاقات في قمة متانتها العسكرية والاقتصادية ولن تتضرر من اختلاف وجهات النظر بشأن الموقف من سد النهضة، حيث تربط موسكو رؤيتها للتعامل مع أزمة السد بسياقات إقليمية ودولية خاصة بها.

الثابت أن كل دولة لديها هواجس خفية ولها أبعاد تاريخية تؤدي إلى التباين السياسي بينهما، فالقاهرة لا تثق في التوجهات البراغماتية التي تتبناها روسيا المنفتحة على دول كثيرة، وهو توجه مستمر من عهد رؤساء مصريين سابقين، حيث يظهر هناك نوع من القصور السياسي في فهم كيف تفكر موسكو، وكيف تدير ملفاتها الإقليمية.

كما أن روسيا لا تثق في وفاء القاهرة لها طالما أنها لا تزال تضع عينيها على الولايات المتحدة وتراهن عليها أكثر ولا تريد تخفيف علاقتها معها لصالح موسكو، وهي إشكالية وضعت البلدين في مطبات عديدة أفضت في النهاية إلى القبول بتعظيم المصالح في الشقين العسكري والاقتصادي على أمل تطويرها في الشق السياسي.

وأشار وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو عقب اللقاء مع نظيره المصري في موسكو إلى حرص بلاده على تعزيز التعاون مع مصر “كونها دولة محورية وحليفا استراتيجيا مهما بمنطقة الشرق الأوسط”، في إشارة لا تخلو من دلالات أمنية.

وارتضى البلدان التركيز على الجوانب التي تدعم العلاقات وتبعدها عن أي اهتزاز سياسي، ما منح البعدين العسكري والاقتصادي دفعة قوية مؤخرا، فاللجوء إلى تطوير هذه الشبكة من العلاقات يمنح مساحة لكل طرف للحركة بقليل من الشكوك السياسية.

ويحاول المكون العسكري التشديد على أواصر التعاون في البعد الأمني كدليل على أن المسافة السياسية بينهما ليست بعيدة، الأمر الذي يخفف من وطأة الخلاف السياسي الذي كشفه موقف موسكو شبه المنحاز لإثيوبيا ما يوحي بوجود تفاهمات أخرى بينهما.

الطرفان عازمان على فصل المسارات العسكرية والاقتصادية عن السياسية، إذ تتطلب الأخيرة مرونة لعدم تعكير صفو العلاقات التي تحرص كل دولة على تمتينها

وقال شويجو إن “مصر شريك لروسيا في القارة الأفريقية ويسعدنا أن نذكر بأن وجهات نظر البلدين تتفق في قضايا الأمن الإقليمي والحرب ضد الإرهاب والتطرف”.

وتؤكد دوائر روسية أهمية مواصلة التفاعل مع مصر لتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وستظل ديناميكيات الاتصالات عالية، اعتمادا على الكيمياء الشخصية التي تربط رئيسي البلدين عبدالفتاح السيسي وفلاديمير بوتين.

وأكد مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير عزت سعد أن التعاون العسكري على رأس مجالات التقارب منذ سنوات طويلة وهناك جوانب مشتركة عديدة من خلال التصنيع والتدريب المشترك والمناورات العسكرية الفاعلة في مناطق قريبة من المكونات الحيوية للأمن القومي المصري في شرق البحر المتوسط، وفي مناطق استراتيجية غاية في الأهمية لروسيا في منطقة البحر الأسود.

وأوضح سعد في تصريح خاص لـ”العرب” أن “التطابق في مجال التعاون العسكري لا ينعكس على السياسة التي يصعب فيها الوصول إلى هذه المرحلة، وهناك تباينات متعددة في وجهات النظر بشأن التعامل مع قضايا مهمة، وهذا لا يمنع من أن روسيا ضمن شركاء مصر الإقليميين في أجندة القاهرة المنفتحة على الجميع”.

وشدد عزت سعد، وكان سفيرا سابقا لمصر في موسكو، على أن روسيا دولة براغماتية على مستويات عدة، فهي قادرة على نسج علاقات مع دول الخليج وإيران في وقت واحد، ولديها تقارب مع السلطة الفلسطينية وحركة حماس الإسلامية وبشكل مماثل علاقتها جيدة مع إسرائيل.

صفقات الأسلحة  مع موسكو تمثل إضافة نوعية للجيش المصري ضمن انفتاح القاهرة الكبير على أسواق الشرق والغرب
صفقات الأسلحة  مع موسكو تمثل إضافة نوعية للجيش المصري ضمن انفتاح القاهرة الكبير على أسواق الشرق والغرب

يمكن القياس على هذه النماذج في علاقتها مع كل من مصر وإثيوبيا لفهم حسابات روسيا كدولة كبرى من مصلحتها أن تكون منفتحة على جهات تبدو متعارضة، خاصة أنها تخطط لتوسيع نفوذها الجيواستراتيجي في خضم صراعها الممتد مع واشنطن.

وذكر عزت سعد لـ”العرب” أن مصالح روسيا تختلف عن مصر ومن الطبيعي ألا يوجد تطابق أو توافق تام على الصعيد السياسي من دون وجود توتر في العلاقات بينهما، لكن زيادة معدل التعاون العسكري والاقتصادي تقلل من سوء الفهم السياسي.

وعقدت القاهرة حزمة من صفقات الأسلحة مع موسكو باتت تمثل إضافة نوعية في الجيش المصري، خاصة على مستوى الطيران الهجومي والدفاع الجوي ضمن انفتاحها الكبير على أسواق في الشرق والغرب لتحديث القدرات العسكرية.

العلاقات في قمة متانتها العسكرية والاقتصادية ولن تتضرر من اختلاف وجهات النظر بشأن الموقف من سد النهضة

من المقرر أن يزور وفد روسي المنطقة الاقتصادية لقناة السويس السبت 28 أغسطس، لمناقشة تطوير المنطقة الصناعية الروسية، والوقوف على فرص وشروط الاستثمار الذي تريد موسكو توسيعه في مصر.

وقد توصل البلدان إلى اتفاق مبدئي في التاسع والعشرين من يوليو الماضي بشأن توسيع المنطقة الروسية، فعلاوة على الجزء الموجود في محافظة بورسعيد الواقعة على البحر المتوسط سوف تشمل موقعا بالقرب من ميناء العين السخنة على البحر الأحمر.

ويجري العمل على تنفيذ مشروع بناء محطة الضبعة للطاقة النووية في مدينة الضبعة المطلة على البحر المتوسط في الساحل الشمالي الغربي لمصر، وهي أول محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية في البلاد.

وينفذ المشروع وفقا لمجموعة عقود دخلت حيز التنفيذ في الحادي عشر من ديسمبر 2017، ولا يقتصر دور الجانب الروسي على الإنشاء بل تقوم موسكو بإمداد المحطة بالوقود النووي طيلة تشغيلها وتنظيم برامج تدريبية للكوادر المصرية وتوفير الدعم في تشغيل وصيانة المحطة على مدار السنوات العشر الأولى من عملها.

وسمحت روسيا بعودة تدفق السياح إلى مصر منتصف شهر أغسطس الجاري بعد توقف دام ست سنوات منذ سقوط طائرتها فوق صحراء سيناء في نهاية أكتوبر 2015، وذلك بعشر رحلات أسبوعية إلى مطاري شرم الشيخ والغردقة.

 

6