تعاون إعلامي جزائري - تركي لتسويق الروايات الملائمة للنظامين

جسر للتواصل بين قادة الرأي للتأثير على الشارع في البلدين.
الجمعة 2024/01/19
تقارب إعلامي وسياسي

وقّعت الجزائر مع تركيا اتفاق تعاون إعلامي يتضمن تبادل دورات تدريب للصحافيين الشباب وطواقم وسائل الإعلام، وهو ما يؤكد طبيعة الهدف من هذا التعاون في تحقيق المصالح الدعائية للحكومتين، ومد الجسور بين قادة الرأي في البلدين المدعومين من مؤسسات الاتصال الرسمية للترويج للروايات والقصص الإخبارية الملائمة للنظامين.

الجزائر - صادق الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على بروتوكول تعاون في مجالات الإعلام والاتصال بين الجزائر وتركيا، حيث يركّز الجانبان على حاجتهما إلى إقامة علاقات تعاون في مجال الاتصال والإعلام، لجعلها في مستوى العلاقات التي تجمع البلدين، لخدمة أهداف كل منهما في التسويق والدعاية للنظامين.

وذكرت وسائل الإعلام المحلية في البلدين أن التعاون يتضمن تبادل دورات تدريب للصحافيين الشباب وطواقم وسائل الإعلام، وهو ما يؤكد طبيعة الهدف من هذا التعاون بإعداد الصحافيين والمحررين وفق الطرق والوسائل الكفيلة بتحقيق المصالح الدعائية للحكومتين في مختلف مؤسسات الإعلام، ومد الجسور بين قادة الرأي في البلدين المدعومين من مؤسسات الاتصال الرسمية للترويج للروايات والقصص الإخبارية الملائمة للنظامين.

ومنذ وصوله إلى الحكم نهاية عام 2019 زار الرئيس الجزائري تركيا مرتين، الأولى في مايو 2022 والثانية في يوليو 2023، كما زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر في يناير 2020 وفي نوفمبر2023. وطيلة هذه الفترة تبادل الجانبان عدة زيارات واتصالات رسمية بشأن مختلف ملفات التعاون وكذلك التشاور والتنسيق السياسي بخصوص الأحداث الإقليمية والدولية، مع تركيز إعلامي لافت من قبل منابر البلدين على الاحتفاء بهذه العلاقات.

وفي خطوة رمزية حول الإرادة في تعزيز العلاقات مع أنقرة قلد الرئيس الجزائري سفيرة تركيا في الجزائر ماهينور أوزدمير كوكطاش “وسام الاستحقاق الوطني الجزائري من الدرجة الأولى” بعد نهاية مهمتها في البلاد عقب تعيينها وزيرة للأسرة والشؤون الاجتماعية الحالية في الحكومة التركية الجديدة.

◙ التعاون يزيد من عمليات التواصل والتنسيق بين الجانب التركي والنظام الجزائري الذي يحتاج إلى فتح قنوات تواصل خارجية

واللافت أن اتفاق التعاون الإعلامي تغيب عنه الأهداف المرجوّة منه، لكنّ متابعين يرون أنها ترتبط بأبعاد سياسية مستقبلية، لاسيما أن الرئيس تبون مقبل على انتخابات رئاسية يريد قبلها تحسين صورته داخليا وخارجيا، إذ تنعكس علاقاته الخارجية “الجيدة” على رؤية الشارع الجزائري له كقائد “يمتلك كاريزما تؤهله للتعامل مع الدول ذات الثقل في المنطقة” وفق تعبير صحافي جزائري فضّل عدم الكشف عن اسمه.

وقال متابعون إن هذا التعاون يزيد من عمليات التواصل والتنسيق بين الجانب التركي من جهة والنظام الجزائري من جهة أخرى، لاسيما أن الأخير في حاجة إلى فتح قنوات تواصل مع الدول التي يسعى إلى تحسين العلاقات معها. وأشارت مصادر أن اتفاق التعاون سيعمل على تأسيس شراكات مع ممثلين إعلاميين وقطاعات مختلفة بين الطرفين ومكافحة التضليل الإعلامي أو الأخبار التي تصنفها السلطات كاذبة بناء على ما تتناوله من قضايا حساسة.

وقالت المصادر إن الحكومة الجزائرية تسعى من خلال الشراكة مع تركيا لتطوير الإعلام الرسمي والحكومي “ليكون وسيلة اتصال بين السلطة والمواطن بشكل فعال، لأن الإعلام الرسمي الجزائري ما يزال بطيئا وتقليديا، ويواجه تحديات كبيرة جدا على مستوى التشريعات والقوانين وعلى مستوى الأدوات. وفي نفس الوقت له صعوبة في الاتصال”.

وسيحاول الطرفان تأهيل القدرات والوسائل والمؤسسات الجزائرية وكوادرها من خلال تبادل الخبرات والمعرفة، كما سيحاولان تطوير الاتصال السياسي لتكون الجزائر قادرة على تنشيط الإعلام العام الرسمي في أداء رسالته لتلميع السلطة في الفترة القادمة نظرا لسجله الحافل بتقييد وسائل الإعلام، وهو الهدف الذي تشترك فيه أنظمة البلدين.

وركّز متابعون على نقطة ترتبط بالتعاون الإستراتيجي في الإعلام، إذ أن السلطات الجزائرية أمامها استحقاقات مهمة جدا في المرحلة المقبلة، بينها الانتخابات والتمهيد لها والإشراف عليها، لذلك تتطلب هذه الاستحقاقات رسالة واضحة للمواطن تتحدد فيها توجهات السلطة وأهدافها، والسياسة العامة للحكومة، كخطوة لخلق شراكة مع المواطن. وتريد السلطة من الإعلام أن يذهب في فكرة الاتصال السياسي ويصبح الإعلام الرسمي أحد أدوات السلطة، ومكملا لها وقادرا على التعبير عن توجهاتها، ومساعدتها في الوصول إلى أهدافها.

وذكرت مصادر مقربة من وسائل الإعلام التركية أن اتفاق التعاون مع الجزائر ستكون له تداعيات إيجابية حول “عمليات التضليل” المتعلقة بعدة ملفات جيوسياسية، إذ سينشئان جسرا للتواصل بين قادة الرأي في البلدين، كما سينظمان برامج للتبادل والتدريب المهني. ومن المقرر إعداد خطة تفصيلية تهدف إلى تفعيل الاتفاق الإعلامي المتفق عليه، وسيعقد صحافيون من الجانبين اجتماعات منتظمة في البلدين بالتناوب، في مواعيد معينة تحددها القنوات الدبلوماسية.

◙ اتفاق التعاون مع الجزائر ستكون له تداعيات إيجابية حول "عمليات التضليل" المتعلقة بعدة ملفات جيوسياسية، إذ سينشئان جسرا للتواصل بين قادة الرأي في البلدين

وقالت المصادر إن التفاهم حول التعاون في مجال الإعلامي بين تركيا والجزائر يحمل أهمية خاصة وله دلالاته في هذا التوقيت من حيث المضمون، إذ أن تطورات العلاقات المستقبلية بين البلدين في المرحلة المقبلة في حاجة إلى التعاون المشترك للمحافظة على المصالح المشتركة بين البلدين، إذ لكل منهما أهدافه الخاصة التي يسعى لتحقيقها.

وتدرك أنقرة أهمية الدور الذي لعبه الإعلام في الماضي والذي سيقوم به في المرحلة المقبلة، لذا يأتي التعاون الإعلامي لتشكيل جسر للتواصل بين البلدين، ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى النخبوي وقادة الرأي بين البلدين.

كما أن هناك حاجة إلى تسويق موقف جزائري مما يجري في حرب غزة، فمنذ بداية الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة لم تسجل أي خطوة عملية لافتة، وتم الاكتفاء بإيفاد مساعدات إنسانية إلى معبر رفح، وتنظيم فعاليات شعبية، ومازال التظاهر الشعبي أسوة بالمدن والعواصم العربية والعالمية محظورا، دون تقديم تبريرات مقنعة، الأمر الذي فسح المجال أمام التأويلات السياسية المتصلة بتخوف السلطة من تحوّل مظاهرات داعمة لفلسطين إلى احتجاجات سياسية ضد النظام.

ويقول مراقبون إن توطيد العلاقات مع أنقرة يوحي بانسجام المواقف بشأن حرب غزة نظرا إلى أن الرئيس أردوغان يستمر بإطلاق التصريحات النارية دون حساب العواقب ويردد الانتقادات لإسرائيل، بينما تبون يريد أن يحافظ على موقف محسوب بدقة حتى لا يثير غضب دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في وضع يظهر فيه الغرب انحيازا كاملا لإسرائيل.

5