تطوير "رأس الحكمة" لصالح مصر والإمارات معا

هل حان الوقت لتستنجد القاهرة علنا بأشقائها العرب الأثرياء.
الأحد 2024/02/25
دعم إماراتي كبير لمصر

الاستثمارات التي تم الإعلان عنها في “رأس الحكمة” تكشف عمق الدعم الإماراتي لمصر، وهو دعم يصب في فائدة البلدين، ويظهر حاجة مصر إلى دعم أوضح من أشقائها في الخليج من أجل تجاوز التأثيرات السلبية لأزمتها الاقتصادية وتأمين الاستقرار في بلد محوري بالشرق الأوسط.

يمثل توقيع اتفاق استثماري كبير بين شركتين مصرية وإماراتية، الجمعة، لتطوير منطقة “رأس الحكمة” في شمال غرب مصر خطوة مهمة تتجاوز حدودها الاقتصادية التي تدر عائدات مالية عاجلة للقاهرة تقدر بـ35 مليار دولار، فقد يكون اسم المنطقة له مضامين سياسية واجتماعية وثقافية أيضا، فرأس الحكمة أن يكون التعاون واسعا وفعّالا بين مصر والإمارات في الوقت الراهن.

وتحتاج مصر إلى ضخ المزيد من رؤوس الأموال من الأشقاء الأثرياء في الخليج، واللجوء إليهم ليس عيبا لتخفيف حدة أزمة اقتصادية طاحنة، خاصة إذا كانت المساعدات في شكل استثمارات بعد تقويض المعونات، فالاستفادة مريحة لكل الأطراف المنخرطة في مشروعات اقتصادية، وترفع حرجا كاد يحمل تأثيرات سياسية مع تزامن صيغة المساعدات الخليجية مع زيادة حدة المشكلات الاقتصادية في مصر.

ويبدو التعاون الواسع في المنطقة المطلة على البحر المتوسط بين مصر والإمارات هو رأس الحكمة للبلدين، حيث ينطوي على استثمار يستفيدان منه، وأداة جيدة لتطوير العلاقات المشتركة في نواحي أخرى، فالقاهرة تخفّف عبء الأزمات الاقتصادية المتراكمة، وأبوظبي تؤكد عدم تخليها عن مصر واستعدادها لنجدتها في وقت تواجه فيه تحديات على أصعدة داخلية وخارجية مختلفة، فإذا كان خطر جماعة الإخوان قد زال، فالانفجار الشعبي جراء الصعوبات المعيشية يمكن أن يشكل تهديدا مماثلا.

فدول الخليج التي هبّت لمساعدة مصر عندما داهمها حكم الإخوان وتداعياته، وفي مقدمتها دولة الإمارات، لن تقف مكتوفة الأيدي عقب تزايد القسوة التي تمثلها الأزمات الاقتصادية، فلا أحد في المنطقة يستطيع تحمل مصر بعيدا عن الأمن والاستقرار. سوف تنعكس نتائج ذلك بأشكال متباينة على مصالحهم، ويمكن أن تؤدي إلى تخريب ترتيبات جرى التجهيز لها، ومن الطبيعي أن تقوم دولة خليجية مثل الإمارات أو السعودية بتقديم أنواع عدة من المساعدات، وفقا للصيغة التي ترتضيها مصر معهما.

◙ مصر تحتاج إلى ضخ المزيد من رؤوس الأموال من الأشقاء الأثرياء في الخليج واللجوء إليهم ليس عيبا
◙ مصر تحتاج إلى ضخ المزيد من رؤوس الأموال من الأشقاء الأثرياء في الخليج واللجوء إليهم ليس عيبا

وقد لا تكون هناك قيمة كبيرة للكثير من المشروعات الواعدة التي دشنتها، أو تخطط لها أبوظبي في بعض دول المنطقة مستقبلا إذا عمّت التوترات، ولن تتمكن الرياض من جني ثمار مشروعها العملاق في “نيوم” بشمال غرب المملكة في بيئة مليئة بالفقر والاضطرابات، وبالتالي فمساعدة دولة عربية كبيرة عملية مركبة.

ويمكن أن تكون لهذه المشروعات مردودات إيجابية عندما يحين وقت إعادة رسم خارطة المنطقة، فقد تمرض مصر اقتصاديا، لكنها لن تموت إستراتيجيا، بحكم موقعها الجغرافي المتميز، وكتلتها البشرية التي يصعب استيعاب تشتتها خارجها.

تنتبه سياسة دولة الإمارات لتقديرات تصب في نطاق الحفاظ على مصالحها، ولا تفرّط أيضا في علاقة وطيدة مع دولة بحجم مصر، فكلاهما رسم خطوطا عريضة لتوجهاته في المنطقة ومع العالم من دون أن يصل الخلاف بينهما في بعض القضايا الإقليمية إلى درجة الصداع السياسي أو الصدام الأمني، فالتنوع لا يعني تعمد الإضرار، وإقامة علاقات مع خصم لا يأتي على حساب الآخر.

رأس الحكمة أن تمد الإمارات يدها في الوقت الراهن وتفتح القاهرة ذراعيها لها، فالأوضاع التي تمر بها مصر تتطلب أن يكون التعاون منتجا وممتدا، فتطوير هذه المنطقة يؤطر لنوع جديد من التعاون ويحمل مكاسب متعددة لكل طرف، وفقا لحساباته العاجلة والآجلة، فالأزمة الاقتصادية بمصر تفرض إيجاد حلول سريعة، والطموحات التي تحملها الإمارات تتطلب تبني دبلوماسية ذات وجوه مختلفة، سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية واجتماعية، تصب محصلتها في الهدف المطلوب.

فتطوير منطقة “رأس الحكمة” لصالح مصر والإمارات معا ومن الخطأ القول، علنا أو سرا، إن إحداهما تفوقت على الأخرى، فالمسألة خضعت لحسابات دقيقة كي يخرج كلاهما رابحا من زاويته، ومهما كان الربح معنويا أو ماديا فهو في النهاية يحقق هدفا أو أهدافا لصاحبه، فالصداقة قد تكون مقدمة لخلق شبكة مصالح، لكن لن توجد من العدم، فزمن المجاملة والمعونات المجانية والإغداق بلا حسيب أو رقيب اختفى تقريبا على ساحة العلاقات بين الدول، والتفاعلات بينها تقوم على تبادل المنافع.

◙ دول الخليج التي هبت لمساعدة مصر عندما داهمها حكم الإخوان لن تقف مكتوفة الأيدي عقب تزايد الأزمات الاقتصادية

لم تجامل مصر الإمارات عندما منحتها استثمارا كبيرا في “رأس الحكمة”، ولم تجامل الثانية الأولى عندما قبلت بدفع 35 مليار دولار خلال فترة وجيزة، فالمشروع برمّته صفقة اقتصادية، والصفقة تعتمد على تحقيق الربح، وربما أشياء أخرى تتوقف على رؤية كل طرف للنتيجة النهائية والاستعداد للتجاوب مع سوف يتمخض عنها والتقديرات التي تلازمها في المستقبل. يعزز مشروع “رأس الحكمة” مكانة الإمارات في مصر ومتانة العلاقة بينهما، والتي شكك البعض فيها ولم تكن لتهتز تحت وقع دعايات سوداء من قبل بعض وسائل الإعلام الإخوانية.

يشير التوقيع على الصفقة حاليا إلى أن الهوة غير موجودة أو تلاشت أو جرى ردمها، فلا توجد دولة تضع المليارات من الدولارات في خزينة دولة أخرى لا ترتبط مع نظامها بعلاقات قوية وتريد دعمه والحفاظ على مصالحها أيضا، من هنا يأتي تطوير “رأس الحكمة” ليبدد هواجس سادت في الفترة الماضية، ومخاوف ذهبت إلى الحديث عن وجود نار تحت رماد العلاقات بين القاهرة وأبوظبي.

هي صفقة استثمارية بامتياز، لكنها لا تخلو من نتائج سياسية، حيث تعيد الصفقة تصحيح أوضاع بدت مختلة في نظر بعض الدوائر المصرية، إذ زادت المعاناة الاقتصادية وفتر السخاء الإماراتي المعتاد، ربما لأن هناك تغيرات حدثت في صيغة المساعدات أو أن هناك قلقا مصريا من الصيغة الجديدة.

تعد صفقة “رأس الحكمة” دليلا على التوصل إلى تفاهمات مشتركة، تحقق لكل طرف أغراضه بصورة أقل تعقيدا، فنجاح المشروع يفتح الطريق لمصر لإنعاش السياحة العالمية على أراضيها، والخليجية بشكل خاص، ويساعد الإمارات على إمكانية نقل التجربة إلى أماكن أخرى، فالاستثمارات المرصودة لهذه المنطقة تقول إن القاهرة تضع جزءا كبيرا من آمالها عليها في دعم منطقة العلمين الجديدة القريبة منها، كما أن أبوظبي تعتقد أنها رأس الحربة التي توسع بها محفظتها في هذا المجال.

تريد مصر أن تجذب الأثرياء العرب إليها، وتسعى الإمارات لتكون مسؤولة عن هذا التطور خارج أراضيها، لأن هذه المنطقة تقع في جنوب البحر المتوسط ويمكن أن تجذب سائحا أوروبيا متعطشا للمياه الدافئة، شغوفا أن يجد مكانا يستوعب ثقافته الغربية بأريحية، وقد يكون التعاون بين مصر والإمارات في “رأس الحكمة” مكانا مناسبا يضرب مجموعة من العصافير بحجر واحد.

4