تصاعد الجدل بشأن تصنيف ألعاب الفيديو كاضطراب ذهني

لندن - قالت منظمة الصحة العالمية إنها كانت قد أجرت مراجعة للأدلة المتوفرة قبل إدراج إدمان ألعاب الفيديو كاضطراب صحي. وأضافت أن الآراء عكست “إجماعا في آراء الخبراء من مختلف التخصصات والمناطق الجغرافية”، وعرّفت هذا الإدمان بنمط مستمر في ممارسة اللعب لدرجة “اتخاذه أولوية على حساب اهتمامات الحياة الأخرى”.
وعلق خبراء على قرار المنظمة الصحة بأن تصنيف إدمان ممارسة ألعاب الفيديو اضطرابا ذهنيا سابق لأوانه واعتمد على “ذعر أخلاقي”. وكان المحاضر في علم النفس البيولوجي في جامعة باث سبا البريطانية بيتر إيتشلز قد قال، بحسب تقرير لـ”بي.بي.سي”، إن الخطوة انطوت على خطر “التصنيف كمرض” لسلوك لم يكن ضارا لغالبية الناس.
ويعتقد علماء النفس أن اضطراب ألعاب الفيديو ليس إدمانا حقيقيا، بل هو آلية للتعامل مع الحالات الكامنة مثل القلق أو الاكتئاب.
وأكد مختصون أن هناك آثارا هائلة على صناعة الألعاب نتيجة تصنيف إدمان ألعاب الفيديو كاضطراب الصحة العقلية، مثل إلزامها بوضع ملصقات تحذيرية على منتجاتها من أنها قد تؤدي إلى سلوك إدماني.
وفي حديثهم بمركز الإعلام العلمي في لندن قال خبراء إنه على الرغم من أن قرار تصنيف هذا السلوك كإدمان قد اتخذ عن حسن نية، إلا أنه افتقر إلى أدلة علمية عالية الجودة بشأن كيفية تصنيف ممارسة ألعاب الفيديو كإدمان.
وأفاد إيتشلز بأن “قرار المنظمة الدولية وضعنا على يبدو على منحدر وعر”. وتابع “نحن في الأساس نصنف اللعب كهواية، وبالتالي ماذا بعد؟ هناك دراسات عديدة بشأن إدمان ‘تسمير البشرة وإدمان الرقص وإدمان التمارين الرياضية، لكنّ أحدا لم يتحدث عن إدراج كل هذه الأنواع من الممارسات كإدمان في الدليل رقم 11 لمنظمة الصحة العالمية الخاص بتصنيف الأمراض”، مضيفا “أعتقد أن سياسة تصنيف الأمراض لا يجب أن يتحكم فيها الذعر الأخلاقي”.
وأوضح إيتشلز أن تقديرات أولئك الذين يدمنون ألعاب الفيديو تتراوح من أقل من 0.5 إلى نحو 50 بالمئة من اللاعبين، ما يعني أن ثمة خطرا من الإخفاق في تحديد هوية أولئك الذين لديهم بالفعل مشكلة وأولئك الذين يستمتعون بالأمر، مشيرا إلى أن “ما نفعله هو إفراط في التشخيص، فنحن نصنّف سلوكا لا يضر كثيرا من الناس بأي شكل من الأشكال”.
كما شكك الخبراء في أن طول النظر إلى الشاشة بشكل عام، الذي يتضمن أيضا استخدام أجهزة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ضارٌ للأطفال والمراهقين، كما أشارت بعض الدراسات.
ودفعت هذه المخاوف لجنة العلوم والتكنولوجيا في مجلس العموم البريطاني إلى فتح تحقيق في القضية.
ونبه إيتشلز وآندي بشبليسكي، الأستاذ المساعد ومدير الأبحاث في معهد أكسفورد للإنترنت التابع لجامعة أكسفورد، إلى أن مثل هذه الدراسات لا تظهر عادة سوى علاقات ضعيفة بين استخدام الشاشة والصحة.
خبراء: على الرغم من أن قرار تصنيف هذا السلوك كإدمان قد اتخذ عن حسن نية، إلا أنه افتقر إلى أدلة علمية عالية الجودة
وقال بشبليسكي “الدراسات الجديدة الجيدة التي تعزز ما نفهمه بشأن تأثير إطالة النظر إلى الشاشة على الشباب مع مرور الوقت، هي في الحقيقة دراسات قليلة وبينها فترات طويلة”، مضيفا أن أسباب إطالة النظر إلى الشاشة ربما ترتبط بمشاكل أخرى في المنزل.
ومن جانبه قال ماكس ديفي، من الكلية الملكية لطب الأطفال وصحة الطفل، إن ثمة أدلة على وجود علاقة بين الإفراط في النظر إلى الشاشات وقلة النوم والسمنة، إلا أنه أضاف أنه ليس من المحتمل أن تؤيد الكلية الملكية لطب الأطفال فكرة فرض قيود على استخدام الشاشات الإلكترونية في دليل إرشاداتها الذي يصدر قريبا بشأن القضية.
واقترحت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال الحد من ساعة إلى ساعتين يوميا عندما يتعلق الأمر باستخدام الشاشات للأطفال، وعلق ديفي قائلا “لا نعتقد أن هذا النهج قائم على الأدلة. ما يهمنا في الواقع هو محتوى وسياق طول استخدام الشاشة”، وتابع أن نصيحته في الوقت الحالي هي ترك الهواتف الذكية والشاشات الأخرى خارج غرف نوم الأطفال أثناء الليل.
وقال شيخار ساكسينا، مدير إدارة الصحة النفسية وإساءة استعمال المواد في المنظمة، إن بعض أسوأ الحالات التي شوهدت في الأبحاث العالمية كانت تتعلق بالأشخاص الذين يمارسون تلك الألعاب لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم، ويمتنعون عن النوم أو تناول الوجبات أو العمل أو الدراسة وغيرها من الأنشطة اليومية. وشدد على أن أقلية صغيرة فقط من الأشخاص الذين يمارسون الألعاب الرقمية وألعاب الفيديو يمكن أن يمثلوا مشكلة، لكنه قال إن رصد علامات الإنذار المبكر قد يساعد في الوقاية من ذلك.
وردا على قرار ضم إدمان الألعاب إلى قائمة اضطرابات الصحة العقلية قال “ائتلاف ألعاب الفيديو”، وهو جماعة ضغط داعمة للقطاع، إن منتجاته “يستمتع بها بشكل آمن ومعتدل أكثر من ملياري شخص في أنحاء العالم عبر مختلف الأجهزة والمنصات”.
وأضاف أن “القيمة التعليمية والعلاجية والترفيهية للألعاب مؤكدة ومعترف بها على نطاق واسع”، وحث منظمة الصحة العالمية على إعادة النظر في وجهة نظرها.
وكشفت الدراسات أن الاضطراب الناجم عن اللعب لا يصيب إلا نسبة قليلة من الأشخاص الذين يمارسون أنشطة اللعب بالألعاب الرقمية أو ألعاب الفيديو. ومع ذلك، ينبغي على الأشخاص الذين يمارسون هذه الألعاب أن ينتبهوا إلى مقدار الوقت الذي يقضونه في ممارسة أنشطة اللعب، ولا سيما عندما يؤدي ذلك إلى استبعاد الأنشطة اليومية الأخرى، وأن ينتبهوا كذلك إلى أي تغيّرات تطرأ على صحتهم البدنية أو النفسية أو على أدائهم الاجتماعي والتي يمكن أن تُعزى إلى نمط سلوكياتهم في اللعب، بحسب منظمة الصحة العالمية.