تشيلي تزرع الأمل في الصحراء: أرز جديد لمواجهة الجفاف

نيكين – (تشيلي) في سهول جنوب تشيلي التي يزداد فيها الجفاف بشكل متسارع، تفتح إحدى التجارب آفاقا جديدة لزراعة الأرز، بفضل صنف جديد قادر على تحقيق مردود جيّد مع استهلاك كميات أقل من المياه في ظل مناخ قاس.
على مدى الآلاف من السنين، كانت حقول الأرز تُغمر بالمياه لحماية النباتات من الآفات الزراعية. لكن ندرة المياه اليوم تفرض ضرورة البحث عن أساليب أكثر اقتصادا لإنتاج أحد أكثر الأطعمة استهلاكا في العالم.
في نيكين، بمنطقة نوبلي، الواقعة على بعد 400 كيلومتر جنوب العاصمة سانتياغو، اعتاد خافيير مونيوز غمر حقول الأرز الخاصة به بالمياه، غير أنه بفضل إحدى التجارب، نجح مؤخرا في تقليص استهلاكه من المياه إلى النصف، مع الحفاظ على حصاد وفير في الوقت ذاته.
صنف جديد من الأرز يُعرف بـ"جاسبي"، ناتج عن تهجين بذور تشيلية وروسية، يتميّز بقدرته العالية على مقاومة الظروف القاسية
وقال المهندس الزراعي البالغ من العمر 25 عاما “لطالما كانت زراعة الأرز تعتمد على الغمر بالمياه، وهذا التغيير العميق يعدّ تاريخيا”.
فيما تعاني تشيلي من جفاف غير مسبوق منذ 15 عاما، يعزى إلى تغيّر المناخ بحسب الخبراء، ابتكرت كارلا كورديرو، المهندسة الزراعية في المعهد الوطني للبحوث الزراعية، صنفا جديدا من الأرز يُعرف بـ”جاسبي”، ناتج عن تهجين بذور تشيلية وروسية، يتميّز بقدرته العالية على مقاومة الظروف القاسية.
وبفضل هذا الصنف غير المعدّل وراثيا، الذي جاء نتيجة عملية اختيار طويلة، تمكنت كورديرو من اعتماد نظام زراعة الأرز المكثف، وهي تقنية ابتُكرت في ثمانينات القرن الماضي لتقليل فيضانات حقول الأرز. وقد أثبت هذا النظام، الذي يُعدّ تطبيقه غالبا صعبا، فعاليته عندما اقترن بهذا الصنف الذي يتكيّف جيدا مع مشكلات شح المياه.
وتقول كورديرو “أدركنا أن إنتاج الأرز دون الحاجة إلى غمره بالمياه أمر ممكن. ورغم استخدام كمية أقل من البذور، نجحنا في تحقيق الإنتاج ذاته الذي نحصل عليه بالنظام التقليدي.” وتوضح، وهي تراقب الحبات الذهبية في حقول عائلة مونيوز، أن صنف “جاسبي” يتمتع بقدرة أكبر على مقاومة “العواصف، والفيضانات، وموجات الحر”.
ولم تتطلب زراعة هذا الصنف طويل الحبة في صفوف تفصل بينها مسافة 30 سنتيمترا سوى نصف كمية المياه اللازمة تقليديا، أي 2500 لتر لإنتاج كيلوغرام واحد من الأرز. وقد أنتجت كل بذرة نحو ثلاثين نبتة، أي أكثر بعشرة أضعاف من المحصول التقليدي.
تقول كورديرو إن الهدف هو أن تكون تشيلي نموذجا للمناطق “التي تنتج كميات كبيرة من الأرز وتعاني من الجفاف.” وبالتعاون مع المعهد الأميركي للتعاون في الزراعة، سيُجرى قريبا اختبار هذه التقنية في البرازيل، أكبر منتج للأرز في الأميركيتين، وكذلك في أوروغواي والإكوادور.
وعلى مدى العقد الماضي، بات ترشيد استهلاك المياه في زراعة الأرز أولوية في أميركا الشمالية، وفي العديد من بلدان شرق وجنوب شرق آسيا، بحسب روبرت زيغلر، مدير المعهد الدولي لأبحاث الأرز.
في اليابان، تُجرى تجارب على بذور مقاومة للحرارة المرتفعة، لكن “طرح صنف جديد في الأسواق يحتاج إلى سنوات من التطوير”، وفق ماكيكو تاغوتشي، خبيرة الأرز في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).
وتؤكد أن المشروع التشيلي يمثل “نهجا واعدا لتحسين إنتاج الأرز مع تقليل الأثر البيئي.” ويُعدّ الأرز مسؤولا عن 10 في المئة من انبعاثات غاز الميثان عالميا، بحسب المنظمة، علما أن هذا الغاز يُرتبط غالبا بالأبقار، لكنه ينبعث أيضا من البكتيريا الموجودة في حقول الأرز المغمورة بالمياه.
وعلى عكس الاتجاه السائد في تشيلي حيث أدى الجفاف إلى تراجع إنتاج الأرز، تعتزم عائلة مونيوز مضاعفة إنتاجها في الموسم المقبل. وبينما يحقق صنف “جاسبي” نجاحا، ويُرتقب طرحه في الأسواق بعد نيله الموافقة من وزارة الزراعة التشيلية عام 2023، بدأت كورديرو بالفعل في التفكير في التحدي التالي: زراعة الأرز في الأراضي الصحراوية في أريكا، أقصى شمال تشيلي.
تُظهر هذه التجارب أن الابتكار في تقنيات الزراعة يمكن أن يُسهم بشكل كبير في مواجهة تحديات نقص المياه والجفاف، مما يفتح آفاقا جديدة للأمن الغذائي في المناطق الصحراوية.
وفي تجربة رائدة، نجح فريق من كوريا الجنوبية والإمارات في زراعة أرز “آسي مي”، وهو صنف من أرز اليابونيكا، في صحراء دبي، باستخدام تقنيات الزراعة الذكية مثل الري بالتنقيط والزراعة في الأخاديد. وقد أدى ذلك إلى تقليل استهلاك المياه بنسبة 30 في المئة مقارنة بالطرق التقليدية، ما يجعل الزراعة أكثر استدامة في البيئات الصحراوية.
كما تمكن علماء صينيون من زراعة أرز مقاوم للملوحة في صحراء دبي، باستخدام مياه البحر المخففة لري المحاصيل. وقد أظهرت التجربة إنتاجا يفوق المتوسط العالمي بمرتين، مما يفتح آفاقا جديدة لزراعة الأرز في الأراضي القاحلة.
وفي تجربة غير تقليدية، يعمل الشيف الإسباني الحاصل على نجمة ميشلان أنخيل ليون على زراعة الأرز من الأعشاب البحرية (زوسيرا مارينا) في البحر. وتهدف هذه المبادرة إلى استغلال الموارد البحرية المستدامة وتوفير مصدر غذائي جديد للمناطق الساحلية.