تشكيلي سوداني يدعو إلى إنشاء سمبوزيوم فني باسم وادي النيل

يرى الفنان التشكيلي السوداني عادل كُبيدة أن الفن من المجتمع ويُعبِّرُ عن المجتمع ولا بد في النهاية من أن يعود العمل الفني إلى ذلك المجتمع، ولأجل ذلك اهتم طوال مسيرته الفنية التي جاوزت أربعة عقود برسم التراث دون المساس من جذوته وبهائه الأصيل.
الأقصر (مصر) - كشف الفنان التشكيلي السوداني عادل كُبيدة أن بعض التشكيليين العرب يسيئون إلى التراث أكثر ممّا يضيفون إليه، وذلك لوقوعهم تحت تأثير مفاهيم سائدة حول الاستلهام نتجت عن مفاهيم نقدية خاطئة.
وقال كُبيدة إن المشهد التشكيلي العربي يفتقر إلى وجود قدرة نقدية جادة أو “جدية النقد”، وأن الحاجة ماسة الآن للعمل على رفع الذائقة الفنية، معتبرا أن “ذلك يمثل إشكالية كبيرة”.
وذهب إلى القول إن “هناك غيابا كاملا للنقد الفني الحقيقي، وأن الفنون التشكيلية العربية باتت تدور في فلك واحد ولا تخرج إلى آفاق جديدة من التجريب بسبب غياب النقد الذي صار اليوم مجرّد حكي”.
وأشار إلى أن منطقة الخليج العربي تشهد نهضة فنية تحمل قيمة عالية، وأنه رغم وقوع البعض تحت تأثير العولمة، وحاجتهم إلى “التأصيل والأصالة” في أعمالهم، والخروج من القوالب الغربية، إلاّ أن مستقبل الحركة التشكيلية الخليجية سيكون مبشرا، خاصة وأن النكهة العربية والإسلامية بدأت في الحضور بقوة بالأعمال التشكيلية لفناني المنطقة، لافتا إلى أن هناك حالة حراك فنية خليجية جيدة تتمسك بالهوية والخصوصية العربية والإسلامية.
وأضاف كُبيدة أن البعض صاروا يأخذون من الحياة الشعبية مادة للتصوير، وذلك في إطار البحث الدائم عن مشروع الانتماء، ولجوء البعض لأخذ الإنتاج المادي للثراث والثقافة الشعبية، وإعادة صياغته بحثا عن هوية لهم ولأعمالهم الفنية.
وحول اختياره للإقامة بالقاهرة، قال الفنان كُبيدة إنه اختار الإقامة بمصر بعد السودان، لأنها مركز إشعاع ثقافي وفني وحضاري، وهي البلد الذي يُصدِر الثقافة والفنون للعالم أجمع.
وأكّد أن “مصر لا تمانع أن تتبنى رؤاك الفنية بغض النظر عن هويتك، وأنها تحترم هوية الآخرين، وأن الريادة الفنية والثقافية تظل لها”.
وحول عمر مسيرته الفنية وحصيلته من المعارض الفنية، قال كُبيدة إنه يمارس الرسم منذ 40 عاما، لكنه أقل فنان بين أبناء جيله في إقامة المعارض الفنية، مشيرا إلى أنه لو لم يجد جديدا أو حالة يستطيع التعبير عنها بصدق فإنه لا يرسم.
وهو يرى أن الفن في مفهومه يتكوّن من ثلاثة أحرف للجر هي “من وعن وإلى” فهو “من” المجتمع ويُعبِّرُ “عن” المجتمع ولا بد في النهاية من أن يعود العمل الفني “إلى” ذلك المجتمع.
ويتابع “وإذا فقدنا أي حرف من حروف الجر تلك، فقد العمل الفني قيمته”، موضحا أن العمل الفني يحتاج دائما إلى خلفية ثقافية لممارسته.
وأضاف كُبيدة أن ممارسة الفن لديه هي “حالة من التداعي المرتبط بالوعي”، وأن الفكرة حين تأتي تتدفّق تلقائيا في العمل الفني بلا أي حسابات، وأن الفكرة هي التي تختار أدواتها الفنية.
وأكّد أن الفن بمثابة مشروع بحثي، إذا فقد قيمه البحثية تأثّرت قدرته على التواصل مع المتلقي، وأنه مارس فنون الرسم والنحت والتمثيل أيضا بتلقائية الفنان.
وحول مصادر الإلهام لديه وموضوعات أعماله الفنية، قال كُبيدة إن لديه ثلاثية من مصادر الإلهام تتمثل في مواقع ثلاثة هي حي السيدة زينب في القاهرة، ومدينة الأقصر في جنوب مصر، وقرية كرمكول بالسودان، وهي القرية التي ولد فيها الروائي السوداني المعروف الطيب صالح والتي وصفها بـ”جنة الله على الأرض”.
وأشار إلى أنه حين زار تلك القرية أنجز جدارية أطلق عليها عنوان “قصة قرية”، وأن كرمكول حاضرة معه على الدوام بكل مشاهدها وخاصة بيت العمدة المهجور الذي اتخذ منه أهل القرية نصبا تذكاريا يكتبون عليه ذكرياتهم ويسجل المحبون رسائل حب على جدرانه.
ولفت إلى أن حي السيدة زينب يمنحه روحا خاصة ويرصد في شوارعه وميادينه بشرا متفرّدين بأحوالهم وهم من وجهة نظره بشر غير كل البشر في مصر.
ولفت إلى أن معايشته للحركة التشكيلية في مدينة الأقصر تجعله مطمئنا على مستقبل المشهد التشكيلي العربي، مؤكّدا أن تلك المدينة تصيب زائرها بالدهشة فور أن تطأ قدماه أول رقعة من أرضها.
وشدّد كُبيدة على أن ثلاثية قرية كرمكول وحي السيدة زينب ومدينة الأقصر، هي بالنسبة إليه مواقع ذات قدرة على خلق طاقة مبدعة داخل كل فنان، مشيرا إلى أن المواقع الثلاثة تمتلك روحانيات صوفية وإنسانية عظيمة، وأنه صار مسكونا بتلك الثلاثية الملهمة لكل فنان.
وحول مُشاركته الأخيرة في مُلتقى الأقصر الدولي للتصوير الذي دارت فعاليات دورته الثالثة عشرة في الفترة الممتدة بين 3 ديسمبر وحتى الـ17 منه، قال الفنان السوداني المخضرم “سعدت جدا بمشاركتي في السمبوزيوم الدولي الـ13، فقد كان حلم من أحلام أي فنان أن يُشارك في هذا السمبوزيوم لأكثر من سبب، أولا تجمهر التشكيليين من مختلف بقاع الأرض مع أبناء مصر التشكيليين وعمالقة التشكيل، والسبب الثاني هو الأقصر، فهي أكثر بلد موحية لي بشكل شخصي كفنان وتركت أثرا على كل أعمالي، لاسيما أن الموضوع كان من وحي المدينة الضاربة في عمق التاريخ والحضارة”.
وعن آثار هذه الدورة عليه، تابع كُبيدة “المشاركة كانت جميلة واستمتعت بعلاقات طيبة مع الكثير من الفنانين المصريين والعرب، منحتني طاقات إيجابية وفنية رائعة عالية جدا، حيث استمتعت كفنان بشكل شخصي”.
وقال “كانت تجربتي بتواضعها وتواضعي إحدى المشاركات السودانية في مصر، وفتحت الباب أمام دعوة كاملة للأجهزة الرسمية في السودان ومصر بأن يطوّروا هذا السمبوزيوم، مع إنشاء سمبوزيوم آخر باسم وادي النيل، فيكون لقاء بين مصر والسودان لتبادل الخبرات والرؤى التشكيلية والمشكلات والهموم ثم ننطلق بعده إلى أبناء وادي النيل كلهم”.
ويضيف “طرحت هذه الفكرة على مستوى جامعة الأقصر وكلية الفنون الجميلة بالأقصر، وفي رأيي أنه علينا الانطلاق على مستوى الأفراد نلتقي في مرة في السودان ومرة في مصر، وأنا على ثقة أن الدولة ستتبعنا بعد ذلك، لأنه تبادل ثقافي لا يمكن إيقافه ونحن في حاجة إلى ذلك، فمساهمتي ومشاركتي حققتا لي ذلك شخصيا وأتمنى تحقّقه لكل أبناء الوادي”.
وعن فكرة عمله الفني، قال “أدعو إلى تجربة تشكيلية اسمها ‘تجربة تشكيلية خارج الإطار’، وهي أن أعمل على الفنون التشكيلية من الوسط الشعبي، فكانت ذلك فرصة لإضافة الشعبي على الحالة التشكيلية، وأن أقبض على بواطن الأمور ومن أهمها الخط أو الكتابة، لأن الفنان الشعبي إذا لاحظناه نجد أنه يرسم الرؤى التشكيلية والمشكلات والهموم، وكنت أستمع إلى الشيخ يس التهامي وهو يتغنى بأشعار ابن الفارض في الحب الإلهي خلال رسمي للوحاتي”.