تشكيليات ليبيات يعترفن: لوحاتنا ليست بحاجة إلى رقيب

بنغازي- يمنح التشكيلي اللوحة سحر الألوان وحرية الخطوط ليترك للمتلقي الباب مفتوحا لكثير من التأمل والدهشة قصد فهم مفردات اللوحة. والفنانة التشكيلية في ليبيا الآن، كيف تعبر عن تلك الأنثى التي بداخلها؟ هل تسمح لها أن تعيش أحلامها دون قيد على القماش الأبيض؟
عن العلاقة بين الفنان واللوحة والمتلقي تبدأ الفنانة التشكيلية الليبية نجلاء شوكت الفيتوري حوارها: «اللوحة تتوالد من تلقاء نفسها بعد تجربة، من الوجود المحيط بنا، فهي إعادة تعريف للون. لا يمكن للمجتمع أن يفرض قيوده على مواضيع اللوحة، إذا كانت ملتزمة بقضايا إنسانية، اللوحة هي مخيلة منتعشة بالأحلام، ترنيمة شاسعة ليست بحاجة إلى رقابة».
وتضيف الفنانة نجلاء الفيتوري: «أعيش الحلم داخل القماش الأبيض عن طريق الروح، أريد أن تكون اللغة التشكيلية التي أتكلمها لغة يفهمها الجميع بكل عفوية، تاركة البصر يقترن بإحساس المتلقي عبر ألوان متوهجة متناسقة».
ملاذ فني
الفنانة التشكيلية خلود الزوي تقول: «لوحاتي تمثل لي ملاذا آمنا وحماية اتجاه القلق، مرسمي وألواني دائما ملاذي الوحيد، فالرسم نوع من التعبير عن الذات». في عام 2013، أقامت الزوي معرضا بعنوان “بوحهن”، نساء “بوحهن” مختلفات، بعضهن مستسلمات، وبعضهن قويات، نساء “بوحهن” مورست عليهن كل الانتهاكات، من عنف وتهجير وخطف واغتصاب.
توضح الزوي: «حاولت في “بوحهن” أن أوصل صوتهن، وقصص أحزانهن وأفراحهن، نعم الفن لديه الجرأة والأدوات، لتسليط الضوء على الجانب المعتم من المجتمع بحرية وبالكيفية التي يراها الفنان”.
|
ترى الفنانة التشكيلية سعاد الشويهدي: «الشخوص والكتل البشرية المتحصنة ببعضها البعض في إيقاع ملحمي، ضمن اللوحة، منظر يعكس حالة الخوف والقلق والترقب، وما هو إلاّ الحس العالي داخل الأنثى، حيث يتّحد الداخل بالخارج في رؤيتها الإنسانية ليس كشخص أو رمز للأنوثة، بل كرمز للحياة والكون والوجود».
وتضيف الشويهدي مبيّنة: «لوحاتي تعبر عن الأنثى بداخلي، فيها صراخ أبكم، وأمكنة للفرح مغتصبة، لوحاتي التشكيلية ميل فطري أو بحث عن أفق للتنفيس، أو ربما الشغف الذي يقود الإنسان لتحقيق حلمه، والذي يحوّل سطح اللوحة إلى رقعة فسحتها أرحب من السماء، حيث لا قيود ولا عناوين، ولا شيء يفرض أو يخطط له مسبقا، سوى البدء في إنجاز اللوحة وبالتالي الانطلاق إلى الحرية مباشرة أو التورط في الحرية ذاتها».
لوحات الفنانة التشكيلية نجلاء الشفتري تتعدّى الرصد والتسجيل إلى النبش في مخيلة المرأة التي بداخلها، وتعبّر عن ذلك في ردّها التالي: «إنجاز اللوحة ينبع من حاجه فنية أو فكرية تستدعيها الحالة والمواقف والأحداث، فالرسم والتشكيل هو لغة تعبيرية مقروءة من الجميع». وتواصل نجلاء: «بكل تأكيد لوحات الفنان هي انعكاس صادق لروحه وانفعالاته تجاه كل ما يحيط به».
وعن الجانب الذاتي في منجز الفنان ترى نجلاء الشفتري: «أعبر عن نفسي داخل اللوحة بشكل فطري دون تخطيط وسيلاحظ ذلك كل من يقرأ لوحاتي من خلال عدة تفاصيل، رغم أني في العادة أحاول تحميل لوحاتي أفكارا حيادية تتكلم عن الإنسان دون تحديد لجنسه، إلاّ أن الواقع وبعض الظروف المعيشة تجبرني على التعبير عن واقع كوني امرأة وعن كل ما أواجهه في الحياة».
ثم تقدّم الشفتري مثالا على ما ذكرت في هذا الخصوص: «في معرضي الأخير “قارقوز” رصدت نظرات الرجال واستثنيت المرأة عن لوحات ذلك المعرض عن قصد.
|
أنثى فاعلة
وتقول الفنانة التشكيلية عفاف الزبير: «أنا أرسم مشاعر بداخلي أو فكرة ما تسكنني أو حالة ما تعتريني فتظهر دلالاتها على اللوحة. فالمرأة موجودة في لوحاتي بحكم أنني أنثى أعكس ذاتي وحتى شرقيتي وثقافتي، ومع ذلك فالمجتمع يؤثر ليس على اختياراتي لمواضيع اللوحة فحسب، ولكن على إظهارها وعرضها كذلك. فقد أضطر للنزول عند رغبة البعض، ولا أعرض بعض لوحاتي، ولي تجربة في منع لوحة من العرض في بنغازي بحجة أنها لا تتماشى وقيم المجتمع الليبي».
وتضيف الزبير موضحة ملابسات هذه الحادثة: «مع العلم أنه سبق وأن عرضتها في مهرجان قورينا بمدينة شحات وتذوّقها الجمهور ولم أتعرّض للنقد. وللأسف من منعني من عرضها رسام، فأنا لا أعتبره فنانا، ربما هو رسام بارع، لكن ليس فنانا.. فالفن يعبر ويعكس أفكارا ومشاعر، ولا يمكن تقويضه والجمهور هو صاحب القرار».
وتختم مستغربة: «هل يمنع شاعر من إلقاء قصيدة ما لأنها تصف مشاعر جريئة مثلا؟ فكذلك اللوحة تعكس شعورا وفكرة، لذا أتمنى أن نصل إلى درجة من الرقي والحرية في التعبير الفني».