تشكيك في قدرة الوساطة الأفريقية على إنقاذ اتفاق السلام في جنوب السودان

تهدد الخلافات المتصاعدة بين رئيس جنوب السودان سلفاكير ونائبه ريك مشار بعودة الحرب الأهلية وانهيار اتفاق السلام الهش في البلاد. ورغم تدخل الاتحاد الأفريقي لرأب الصدع بين الفرقاء يبقى الأمل في أن تسهم الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة، في دفع الأطراف المتنازعة نحو تحقيق تسوية حقيقية.
جوبا - يشكك محللون في قدرة الوساطة الأفريقية على إنقاذ اتفاق السلام الهش في جنوب السودان، لاسيما وأن مساعي مماثلة في عدة أزمات شهدتها القارة انتهت بالفشل، إلا أن الآمال تبقى معلقة على الضغوط الدولية، خاصة الأميركية لتحقيق اختراق.
ووصلت طائرة وفد الاتحاد الأفريقي إلى مطار جوبا الأربعاء وعلى متنها “مجلس الحكماء” الذي يضم رئيس بوروندي السابق دوميتين نداييزي والقاضية الكينية السابقة إيفي أوور، في محاولة جديدة لإحياء اتفاق السلام الموقع في 2018.
وتعقدت الأزمة السياسية في جنوب السودان عقب توقيف ريك مشار النائب الأول لرئيس الدولة سلفاكير، بعد تصاعد لافت في التوترات السياسية والأمنية .
واعتبرت المعارضة في جنوب السودان توقيف مشار على أيدي قوات موالية للرئيس سلفاكير يعني أن اتفاق السلام الموقع عام 2018 وأنهى حربا أهلية استمرت خمس سنوات بين المعسكرين أصبح “ملغى”.
وتم احتجاز مشار في منزله مع زوجته وحارسين شخصيين في جوبا بتهمة المشاركة في قتال بين الجيش الحكومي وغالبية عناصره من قبيلة الدينكا و”الجيش الأبيض” وعناصر من قبيلة النوير المنافسة لها في مدينة الناصر بولاية أعالي النيل.
الآمال تبقى معلقة على الضغوط الدولية خاصة الأميركية لتحقيق اختراق في جدار الأزمة وفرملتها قبل المزيد من تعقيدها
جاء ذلك بعد أسبوع على إعلان حزب الحركة الشعبية بزعامة مشار تعليق دوره في اتفاق السلام، مع تجدد الاشتباكات في شرق البلاد الفترة الماضية، وتزامن ذلك مع اعتقال عدد من المسؤولين في حزب مشار، بينهم وزير البترول ونائب قائد الجيش ردًا على اشتباكات القوات الحكومية مع “الجيش الأبيض”.
ولطالما كان الاتحاد الأفريقي في طليعة الجهود الرامية لحل النزاعات في القارة، لكن تجربته في العديد من الأزمات الأفريقية لم تخلُ من الانتقادات لعدم نجاحه في إحراز تقدم ملموس.
وفشلت الوساطات الأفريقية في العديد من الأزمات السابقة في إحداث تقدم حقيقي. وعلى سبيل المثال، في حالة الصراع في دارفور بالسودان، فشل الاتحاد الأفريقي في تحقيق تسوية شاملة رغم المحاولات المتعددة. كما أن الوساطات التي قادها الاتحاد الأفريقي في الصراع بين إثيوبيا وإريتريا كانت غير فعالة بشكل كبير.
وفي حالة جنوب السودان، يعاني الاتحاد الأفريقي من عدة تحديات جوهرية، أبرزها تباين المواقف الإقليمية التي تصعّب تحقيق توافق بين الأطراف المتنازعة.
ويشير محللون إلى أن الوساطة الأفريقية لا تستطيع فرض حل حاسم في ظل استمرار الهيمنة القبلية والسياسية على المشهد، ما يجعلها عاجزة عن تحقيق تغيير جذري.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها شخصيات بارزة من الاتحاد الأفريقي مثل مجلس الحكماء، فإن قدرة الاتحاد الأفريقي على فرض تسوية شاملة تظل مشكوكًا فيها، خاصة في ظل غياب آلية فعالة لضمان تنفيذ الاتفاقات.
ويقول سامي عبدالله، الخبير في الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية إن “الوساطة الأفريقية يمكن أن تساعد في الحد من التصعيد، ولكنها ليست كافية لحل الأزمة بشكل دائم. ففي العديد من الأزمات السابقة في القارة، فشلت الوساطات الأفريقية في تحقيق تسويات شاملة ومستدامة. والأزمة في جنوب السودان تتطلب أكثر من مجرد محاولات تهدئة، فهي تتطلب تدخلًا دوليًا قويًا لا يمكن للاتحاد الأفريقي أن يضمنه بمفرده. وهناك حاجة إلى ضغوط قوية من المجتمع الدولي لضمان تطبيق أيّ اتفاقات يتم التوصل إليها.”
ويشير محللون إلى أنه في خضم هذا السياق المعقد للأزمة في جوبا يبرز الدور الدولي كمحفز رئيسي قد يساهم في تسوية الأزمة.
ويقول المحللون إن الآمال تبقى معلقة على الضغوط الدولية خاصة الأميركية لتحقيق اختراق في جدار الأزمة وفرملتها قبل المزيد من تعقيدها.
وتتمتع الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، بنفوذ كبير على الأطراف المتصارعة. ويمكن للضغوط الأميركية أن تسهم بشكل كبير في إحداث تغيير حقيقي في مواقف الأطراف المتنازعة، إذ أن الولايات المتحدة، التي تعتبر من أكبر المانحين لجنوب السودان، يمكنها استخدام هذه الورقة للضغط على الحكومة والمعارضة على حد سواء للامتثال للاتفاقات الموقعة.
وإحدى الأدوات المتاحة للولايات المتحدة هي العقوبات الاقتصادية التي قد تفرض على الأفراد أو الكيانات المتورطة في تقويض العملية السلمية. كما يمكن استخدام الدعم السياسي والاقتصادي كحافز للأطراف لتحقيق الالتزامات المتفق عليها.
ويشير العديد من المحللين إلى أن الضغوط الدولية، وخاصة من الولايات المتحدة، قد تكون العامل الحاسم في إجبار الأطراف المتنازعة على العودة إلى طاولة المفاوضات، خاصة إذا ما تزامن ذلك مع عقوبات أو تهديدات بعزلة دولية.
ويقول الدكتور محمد يوسف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة إن “الولايات المتحدة، بقدرتها على ممارسة الضغط عبر العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، قادرة على إحداث تحول في موقف الأطراف السودانية، مما يسهم في إنجاح الوساطة.”