تشتت القوى الشيعية في العراق قبل الانتخابات المحلية يربك إيران

بغداد – دفعت الخلافات بين قوى الإطار التنسيقي قبل أشهر من انتخابات مجالس المحافظات والأقضية في العراق السلطات الإيرانية إلى عقدها اجتماع مع قادة في الإطار بهدف دفعهم إلى خوض غمار هذا الاستحقاق المقرر في 18 ديسمبر المقبل، في تحالف واحد، لكن انفض الاجتماع دون التوصل إلى صيغة توافق، وهو ما من شأنه أن يربك حسابات طهران التي تحاول بكل الطرق المحافظة على نفوذها السياسي داخل بغداد.
ويرى مراقبون أن القوى المشكلة للإطار التنسيقي الشيعي التي جمعتها مصلحة محددة بالوجود تحت خيمة هذا المسمى، بهدف تشكيل حكومة محاصصة توافقية، بعد أن عارضت مشروع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، المطالب بحكومة أغلبية سياسية تستثني مشاركة بعض أو كل أطراف "الإطار"، اختلفت مصلحتها اليوم على بسط نفوذها على الحكومات المحلية التي يمكنها من خلالها الانطلاق نحو السيطرة على الانتخابات التشريعية المقبلة.
ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن الخلاف بين قوى الإطار التنسيقي المقربة من إيران، سيكون له تداعيات على مستوى النفوذ الإيراني الذي يبحث عن تماسك الإطار وتجنب تصدّعه، خشية أن ينعكس ذلك على مستقبل الحكومة الحالية.
وكشف مصدر مسؤول في الإطار التنسيقي، مساء الأحد، عن عقد قادة في الإطار اجتماعات مع شخصيات إيرانية بارزة في طهران، لبحث التحالفات الانتخابية المستقبلية لقوى الإطار التنسيقي قبل خوض انتخابات مجالس المحافظات والأقضية العراقية.
ونقلت وكالة شفق نيوز عن المصدر قوله إن "قاد في الإطار وهم (قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق، وهادي العامري زعيم تحالف الفتح، وفالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي) عقدوا الأسبوع الماضي، اجتماعات عدة في العاصمة الإيرانية طهران، مع شخصيات بارزة من الحرس الثوري الإيراني شهدت بحث التحالفات الانتخابية لقوى الإطار التنسيقي لخوض انتخابات مجالس المحافظات".
وأضاف المصدر أن "هذه الاجتماعات جاءت بعد الخلافات الأخيرة حول تشكيل التحالفات الانتخابية"، مشيراً إلى أن "الخزعلي والعامري والفياض، عادوا الى العاصمة بغداد مساء الخميس دون التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تشكيل تحالف انتخابي كبير يضم كل أطراف الإطار والفصائل المسلحة، خصوصا أن الرغبة الإيرانية كانت تدفع بهذا الاتجاه".
ويدور حراك لتغييرات سياسية من المرجح أنها ستؤثر على توزيع الخارطة الانتخابية في التنافس المقبل على مقاعد مجالس المحافظات، بعد توسع "التشققات" داخل الإطار التنسيقي ككل وفي بعض كتله أيضا، ما ينذر بـ"مفاجأة غير معتادة".
ولم يخفِ بعض القيادات في الإطار التنسيقي، تذمرهم من "إصرار" زعيم الائتلاف نوري المالكي على "التفرد بالقرار" ومن المرجح أنهم سيغادرون بأقرب فرصة لخوض انتخابات مجالس المحافظات منفردين أو منضوين في تحالف يقوده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أو غيره.
وكان النائب علي تركي الجمالي عن كتلة صادقون قد أعلن الأسبوع الماضي انسحابه من كتلة صادقون النيابية، الجناح السياسي لحركة عصائب أهل الحق والاطار التنسيقي، نتيجة الخلاف الأخير مع ائتلاف دولة القانون وزعيمه نوري المالكي، فيما بيّن أنه سيبقى متابعا لفساد الحكومات وبالأدلة وإحالتها للمحاكم المختصة.
وهاجم الجمالي، زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في تصريحات متلفزة متهمة حقبته برئاسة الوزراء بالتسبب بسقوط "ثلث العراق" بيد داعش وأنه يمثل مرحلة من الفساد.
وتعد انتخابات مجالس المحافظات ذات أهمية بالغة، حيث تؤسس لقاعدة سياسية وجماهيرية للقوى السياسية المتنافسة، كما تمثل قاعدة تنظيمية بالنسبة إلى الأحزاب، حيث يمكن من خلالها قياس مدى حضورها، والسيطرة على الحكومات المحلية التي يمكنها من خلالها الانطلاق نحو السيطرة على الانتخابات التشريعية.
ويقول المراقبون إن الخلافات بين قوى الإطار التنسيقي قد يكون سببه الاستعدادات، فبعض قوى "الإطار" تبدو مستعدة لخوض الانتخابات لاسيما تلك التي تمكنت من تحقيق نجاح في الانتخابات التشريعية الماضية، فهي تريد أن تستغل جذوة ازدهار حظوظها في الانتخابات المحلية لينعكس ذلك على مستوى حظوظها في الحكومات المحلية، وهذا ما لا ترغب به القوى غير المستعدة، والتي تبحث عن تعويض خساراتها النيابية في انتخابات المجالس المحلية.
ويؤكد هؤلاء المراقبين أن الخلاف يأتي في إطار تدافع المصالح الحزبية، مشيرين إلى أن هذه الخلافات ليست وليدة اللحظة بين قوى "الإطار" التي تسعى كل منها للسيطرة على الحكومات المحلية، وهو ما سيظهر بشكل أكبر كلما اقترب موعد الانتخابات، قبل أن ينتهي بتقاسم الحكومات المحلية وفق مبدأ الحفاظ على المصلحة العليا والابتعاد عنما قد يضر بمستقبل سيطرتهم على الحكومة العراقية.
وتستعد الكتل السياسية للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقررة في 18 من شهر ديسمبر المقبل، وبينما يتوقع مراقبون تحصل الكتل المنضوية في الإطار التنسيقي على حصة الأسد، ورجحوا مقاطعة بعض القوائم الناشئة لإيقانها بعدم تحقيق ما تطمح إليه.
وكشف قيادي بارز في التيار الصدري، عن توجه لمشاركة الصدريين في انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها نهاية العام الحالي.
ويأتي هذا الإجراء في أول تحرك سياسي بعد قرار زعيم التيار مقتدى الصدر، بالانسحاب من العملية السياسية بعد تعثر تشكيل الحكومة العراقية، قبل أن يصار لتحالف بقيادة الإطار التنسيقي.
استنادا للدستور العراقي، تملك مجالس المحافظات صلاحيات واسعة فهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، كما لديها صلاحيات إدارية ومالية واسعة، ومنذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 أُجريت ثلاث دورات انتخابية لاختيار أعضاء مجالس المحافظات العراقية أعوام 2005 و2009 و2013.
وتتولى مجالس المحافظات المنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ويملك هؤلاء صلاحيات الإقالة والتعيين وأيضا إقرار خطة المشاريع وفقا للموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية ببغداد، بحسب الدستور العراقي النافذ بالبلاد منذ عام 2005.
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق قد منحت إجازات لـ 268 حزبا سياسيا تم تسجيلها ككيانات سياسية، في إطار الاستعداد للمشاركة في الانتخابات المحلية، فيما فتحت المفوضية باب التسجيل أمام التحالفات والأحزاب الراغبة بالمشاركة في الانتخابات، نهاية يوليو المقبل.
بناء على ذلك، فإن العراق مقبل على أشهر حامية حتى نهاية العام الجاري، ما لم يتم الاتفاق بين قوى تحالف الإطار التنسيقي على تأجيل الانتخابات عن موعدها الحالي، وذلك في سياق التنافس الانتخابي الذي يبدو من السهل جدا تحوله إلى خلاف يهدد مستقبل تماسك الإطار، وذلك بالنظر إلى ما تحمله الحكومات المحلية من مكاسب كبيرة.