تشارلز الثالث ملك التناقضات يقود العائلة الملكية نحو مرحلة حساسة

شعبية ضعيفة ومواقف غير مدروسة تضع الملك الجديد في مواجهة انتقادات المعارضين.
السبت 2022/09/10
إكمال مسار الملكة مهمة صعبة

تخوض العائلة الملكية البريطانية خلال الفترة المقبلة تحديات جمة مع اعتلاء الملك تشارلز الثالث العرش، وهو ملك مسن يفتقر إلى شعبية واسعة قد تقود بريطانيا إلى حتمية تغيير النظام والتخلي عن النظام الملكي لصالح نظام جمهوري، وربما تجبر الملك على التخلي عن الحكم لصالح ابنه الأكبر الذي يبدو أكثر شعبية منه.

لندن - يدشن اعتلاء الملك تشارلز الثالث المسن والذي لا يحظى بشعبية واسعة مثل الملكة إليزابيث الثانية، مرحلة حساسة للعائلة الملكية التي عرفت في عهد والدته كيف تتجاوز الأزمات.

في العام 1953 توجت إليزابيث الثانية ملكة في سن الخامسة عشرة في أجواء من الحماسة الوطنية في بلد كان في طور النهوض من صدمة الحرب العالمية الثانية.

وحافظت طوال حياتها على شعبية واسعة واحترام كبير. لكن يبدو أن الاستقبال الذي سيُخص به ابنها البكر سيكون مختلفا.

روبرت هايزل: العائلة الملكية ستمر بمرحلة صعبة تحت قيادة تشارلز الثالث

ويقول روبرت هايزل، أستاذ القانون الدستوري في “يونيفرسيتي كوليدج لندن”، إن تشارلز البالغ 73 عاما يعتلي العرش “وهو رجل مسن”.

ويوضح “سيكون من الصعب جدا عليه أن يكمل مسار الملكة. ستمر العائلة الملكية على الأرجح بمرحلة صعبة”.

ولد تشارلز في 1948 وتزوج من ديانا سبنسر في العام 1981 وأنجبا الأميرين وليام وهاري، إلا أن زواجهما واجه صعوبات كبيرة مع كشف الصحف عن خيانات متبادلة أدت إلى طلاقهما.

بعد وفاة ديانا المأسوية العام 1997 في حادث سير في باريس بعدما طاردها صائدو صور، تزوج تشارلز في العام 2005 من عشيقته السابقة كاميلا باركر بولز.

ولطالما عرف الملك الجديد بتصريحات تثير جدلا ووُجهت باستخفاف أحيانا في مسائل مثل الزراعة والهندسة المعمارية الحديثة التي لا يستهويها. وفيما بات كثيرون يشاطرونه اهتماماته البيئية، ينبغي عليه الآن أن يعتمد حيادا مطلقا، إذ إن كل كلمة تصدر عن الملك تخضع للتدقيق والتعليق الشديدين.

في العام 2018، قال عبر هيئة “بي.بي.سي” إنه يدرك أن عليه الامتناع عن اتخاذ مواقف “فأنا لست غبيا”.

ويرى هايزل أن احترام الملك الجديد لهذا الحياد “سيكون صعبا جدا”، خصوصا مع تطلعات اسكتلندا إلى الاستقلال مع المحافظة على النظام الملكي، مشددا في الوقت ذاته “على حس الخدمة العامة والواجب العام القوي جدا” الذي يتمتع به تشارلز.

شعبية متدنية

هل يبدد الملك الجديد مخاوف البريطانيين
هل يبدد الملك الجديد مخاوف البريطانيين

يباشر تشارلز عهده بشعبية أدنى بكثير من شعبية والدته. فقد أظهر استطلاع للرأي أعده معهد يوغوف في 2021 أن بالكاد أيد ثلث الأشخاص المستطلعة أراؤهم فكرة أنه سيكون ملكا جيدا، في حين أن نسبة التأييد لوالدته كانت تزيد عن 70 في المئة.

ومن شأن ذلك تحفيز آمال أنصار إلغاء النظام الملكي وإحلال نظام جمهوري مكانه، وهي فكرة يدعمها 15 في المئة فقط من البريطانيين في السنوات الأخيرة.

ويقول غراهام سميث، المشرف على حركة “ريبابليك”، إن تشارلز “لا يتمتع بالهالة الكبيرة التي كانت تتمتع بها الملكة”.

ويرى روبرت هايزل أن تنحي تشارلز لصالح ابنه وليام المولود في 1982 ويحظى بشعبية كبيرة “احتمال يمكن تصوره”. وكانت الملكة نفسها ترفض التنحي.

ويواجه تشارلز تلك التحديات وهو في سن الثالثة والسبعين، حيث إنه أكبر ملك يتولى العرش في عائلة ملكية يعود حكمها إلى ألف عام، وبجانبه زوجته الثانية كاميلا، التي لا يزال الرأي العام منقسما بشأنها.

وبالنسبة للمعارضين، فإن الملك الجديد ضعيف ويحب التدخل في السياسة وغير مؤهل لهذا المنصب.

وسبق أن تعرض تشارلز للسخرية بسبب حديثه إلى النباتات وهوسه بالهندسة المعمارية والبيئة، وستظل سيرته مقترنة دائما بزواجه الأول والفاشل من الأميرة الراحلة ديانا.

لكن مؤيديه يقولون إن ذلك تشويه للعمل الجيد الذي يقوم به، وإنه يُساء فهمه دائما. كما أنه كان سابقا لعصره في مجالات مثل تغير المناخ.

كما يدافع عنه البعض بالقول إنه شخص رصين ودائما ما يهتم برفاه البريطانيين من جميع الطبقات والمجتمعات. كما ساعدت مؤسسته الخيرية أكثر من مليون شاب فقير وعاطل عن العمل منذ إطلاقها قبل ما يقرب من 50 عاما.

وقال تشارلز ذات مرة في فيلم وثائقي تلفزيوني “المشكلة هي أنك محصور دائما في موقف الخاسر. حتى لو لم تفعل شيئا على الإطلاق…

فسوف يشتكون من ذلك. إذا حاولت وتعثرت خلال محاولتك فعل شيء للمساعدة، فسوف يشتكون أيضا”.

وطوال حياته، كان تشارلز محاصرا في نظام ملكي يسعى لتحديث نفسه ويحاول التكيف في مجتمع سريع التغير وقائم على المساواة، مع الحفاظ على التقاليد التي تمنح المؤسسة الهالة المحيطة بها.

ويمكن بسهولة رؤية هذا التوتر من خلال حياة ابنيه. فالأكبر وليام (40 عاما)، والذي أصبح الآن ولي العهد، يعيش حياة مقيدة بالواجبات التقليدية، ويخصص كثيرا من وقته للأعمال الخيرية والظهور بالمراسم العسكرية.

أما الابن الأصغر هاري (37 عاما) فيقيم في لوس أنجلس مع زوجته الممثلة الأميركية السابقة ميجان وطفليه، متخذا نمطا جديدا لحياته يتناسب مع هوليوود أكثر من قصر بكنغهام.

تغيرات متوقعة

رغم كل ما ذكر، يرى غراهام سميث أن تشارلز “لن يستسلم”.

وفي مواجهة الانتقادات المتعاظمة حول نمط حياة العائلة الملكية، يرى خبراء بشؤون العائلة الملكية أن تشارلز يرغب في خفض الأفراد النشطين، الذين يتلقون أموالا من التاج الملكي ويكرسون وقتهم لالتزامات رسمية. ويبلغ عددهم اليوم نحو عشرة.

وقد بدأ هذا التوجه يتبلور مع استبعاد الأمير أندرو شقيق تشارلز، الذي تلطخت سمعته بسبب صداقته مع الخبير المالي الأميركي الراحل جيفري ابستين، المتهم بالاتجار بقصر، ومن ثم انتقال ابنه الأمير هاري إلى كاليفورنيا.

ويرى روبرت هايزل أن أهمية الاستمرار على هذا النهج ليس ماليا فحسب، بل أيضا لتجنب حصول “تجاوزات” خصوصا.

ويعود لتشارلز توزيع الألقاب، وسيختار على سبيل المثال أن ينقل من عدمه لقب أمير ويلز إلى ابنه وليام. وهو يحمل هذا اللقب منذ 1958.

ويقول مؤيدو تشارلز إن مواقف الملك الجديد تظهر أنه رجل جاد ويهتم حقيقة بشعبه.

وبالنسبة للبعض فإنه يواجه مهمة مستحيلة، بين اتهامه بالتدخل السياسي إذا أدلى بدلوه في القضايا الاجتماعية أو المجازفة بوصفه أميرا مدللا لا يكترث بالآخرين.

ومن بين أهم القضايا التي يهتم بها، وهي البيئة، يمكن لتشارلز الآن أن يشعر بالإنجاز بعدما استجاب قادة العالم لمطالبه بشأن ضرورة التصدي لأزمة تغير المناخ.

وقال في مقابلة تلفزيونية في عام 2021 حول تغير المناخ “لماذا تعتقدون أنني فعلت كل هذا طوال تلك السنوات؟ لأنني كنت أهتم بالجيل القادم وسأظل اهتم به دائما”.

تشارلز يباشر عهده بشعبية أدنى بكثير  من شعبية والدته، ومن شأن ذلك تحفيز آمال أنصار إلغاء النظام الملكي
تشارلز يباشر عهده بشعبية أدنى بكثير من شعبية والدته، ومن شأن ذلك تحفيز آمال أنصار إلغاء النظام الملكي

7