"تشات جي.بي.تي" قس يعظ المصلين في الكنيسة

يبدو أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يتسابق الجميع على الاستفادة من إمكاناتها الواسعة، لم تعد تكتفي بكتابة المقالات والأبحاث وكلمات الأغاني وتقديم النصائح في قطاعات المال والأعمال والصحة، وإنما دخلت غمار مجال جديد، وهو تقديم الوعظ وإرشاد المؤمنين.
نورمبرغ (ألمانيا) - في يونيو الماضي أثناء الاحتفال بذكرى تأسيس الكنيسة البروتستانتية الألمانية أعد عالم اللاهوت يوناس سيمرلين طقوسا دينية خاصة في كنيسة ببلدة فورث في جنوب ألمانيا.
وعلى الرغم من أن المترددين على هذه الكنيسة الألمانية لم يروا قسا يتحدث أمامهم، فإنهم لاحظوا تدفق المعاني الدينية والتعاليم الإلهية، واكتملت الموعظة التي سمعوها بأداء الصلوات المعتادة، وسبب اختفاء القس من مكانه المعهود هو أن رجال الدين الألمان دعاهم الفضول إلى محاولة معرفة ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرا على إقامة الشعائر الكنسية بشكل مقنع.
وحضر القداس الذي قدمه تطبيق الذكاء الاصطناعي "تشات جي.بي.تي" أكثر من 300 شخص، وشارك في هذا القداس أشخاص افتراضيون (أفاتار) من الرجال والنساء، وتناولت الموعظة ضرورة ترك الماضي وراء ظهورنا، وعدم الخوف من الموت والإيمان بالمسيح. وبعد الفعالية غرد سيمرلين على تويتر قائلا "أثار القداس الذي أقامه الذكاء الاصطناعي ردود الفعل المتوقعة؛ فقد اعتبره بعضهم نهاية لمهمة الكنيسة وشعائرها، بينما اعتبره البعض الآخر الحدث الأكبر في عيد كنيستهم".
وكان سيمرلين قد أجرى تجربة مماثلة على أداء هذا التطبيق في فيينا مكان عمله الحالي، وبالتالي لم تكن الفعالية في الكنيسة مغامرة غير محسوبة، وكان المفتاح من الناحية الفنية يتمثل في وضع إطار يعمل التطبيق من خلاله، ويشمل الحديث عن ذكرى إقامة الكنيسة والحاجة إلى إعداد موعظة مناسبة. وخلال المرحلة التجريبية قال سيمرلين “إذا قمت بتحديد ما يحتوي عليه هذا الإطار، فسيقوم الذكاء الاصطناعي بكتابة أشياء مماثلة، ويتذكر ما كتبه من قبل، والذكاء الاصطناعي ليس عليما بكل شيء، ويجب عليك أن تزوده بأدوات للتدريب".
ويتم استخدام الأفاتار لوضع صورة بصرية للتجربة برمتها، "وعندما تشاهدها لفترة من الوقت تميل إلى نسيان أنه لا يوجد على الشاشة شخص حقيقي يتحدث، وأن ما يظهر هو برامج تحاكي القساوسة". وما يثير الدهشة أن بعض دوائر الكنيسة عارضت هذه التجربة قبل يوم إجراء القداس. وفي مقابلة مع مجموعة فانك الإعلامية اعترضت أنيت كورشوس، رئيسة مجلس الكنائس الإنجيلية في ألمانيا، على استخدام الذكاء الاصطناعي في الوعظ، وقالت “لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحب أو يتعاطف أو يبدي الفهم”، وأكدت أن هذه المشاعر على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة إلى حياة البشر.
◙ القداس الذي قدمه تطبيق الذكاء الاصطناعي "تشات جي.بي.تي" حضره أكثر من 300 شخص وشارك في هذا القداس أشخاص افتراضيون (أفاتار) من الرجال والنساء
ومع ذلك دعا بيتر دابروك، أستاذ علم اللاهوت في جامعة مدينة إيرلانجن والرئيس السابق لمجلس الأخلاقيات الألماني، إلى وجوب تبني مسار وسط فيما يتعلق بهذه التقنية. وقال "فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي أود أن أقول إنني سأواجه أكبر المشكلات في حالة استخدام تطبيقات الدردشة على شبكة الإنترنت لأغراض العلاج النفسي أو المواعظ الكنسية".
ولا يزال دابروك يرى أن ثمة مساحة للذكاء الاصطناعي في المجال الروحي، مثل إجراء محادثة باستخدام تطبيق الدردشة أثناء الإعداد للموعظة، وأيضا القراءة أو الحوار بين أفراد مجموعة في الكنيسة، ويقول "على أية حال لا يجب شيطنة التكنولوجيا في سياق ديني، كما لا ينبغي في نفس الوقت الإشادة بها لتصل إلى عنان السماء".
ويشير سيمرلين إلى أن ردود الفعل إزاء تدشين الذكاء الاصطناعي في فعالية يوم الكنيسة كانت مختلطة. ويذكر أنه تردد أن بعض المصلين في الكنيسة وجدوا أن أداء تطبيق الذكاء الاصطناعي جاء رتيبا إلى حد ما، كما تردد أن أحدهم وجه ضربة قاضية للمسألة، قائلا إن الرسالة التي قدمت “كانت بلا قلب أو روح". وفي مقابل ذلك استبد الغضب بمعلقين آخرين، وقال مدون مجهول في رسالة بالبريد الإلكتروني، نشرتها صحيفة فيرثر ناكريتشتن المحلية، "كيف تجرؤ على تسمية الشيطان واعظا؟ هل أنت متزن عقليا؟ ولأنك فعلت ذلك، سيتم أخذ الروح المقدس من كنيستك الآن".
وأثارت أنباء هذه الفعالية جدلا في دول أخرى، فمثلا امتدت التعليقات المتشككة التي أذاعتها شبكة فوكس الأميركية المحافظة من أن "العظات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي شريرة للغاية" إلى التعليقات الأكثر حدة مثل “كل ما يتطلبه الأمر هو يوم واحد لأبينا الذي في السموات، ليلوح بيده ويقضي على فراعنة هذا الزمان".
وتفهم سيمرلين عالم اللاهوت المقيم في فيينا وجهات النظر المختلفة واستوعبها بهدوء. ويقول “بالنسبة إلى أولئك الذين لم يحضروا الفعالية، ومروا بتجارب لطيفة من قبل، سيجدون أن عبارات الكراهية والرفض هي التي يتم تذكرها في المقام الأول”، وهو يؤكد باستمرار أن هذا هو منهاج تجريبي وفريد من نوعه لقدرات الذكاء الاصطناعي، ولكنه ليس محاولة شائنة وعدوانية للسطو على الإيمان والتراث.
ويضيف "سأشعر بالارتياح تجاه ذلك، فلا يوجد أحد يريد أن يحل الذكاء الاصطناعي مكان الكنائس والقساوسة، وسيقول معظم الناس إنني أريد أن يوجد شخص من البشر في الكنيسة، ويكون أيضا قد مر بتجارب من الحزن وغير ذلك من المشاعر الإنسانية، وهذه هو السبب في أن ذلك التطبيق التقني لن يثير اهتمام الكثير من الناس".