تسهيل تنفيذ الاتفاق مع قسد مفتاح الاستقرار في سوريا

دمشق - يرى محللون أن تسهيل الاتفاق الجديد بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والسلطات الجديدة في دمشق يمثل مفتاح الاستقرار المنشود في سوريا.
وتوصلت قوات سوريا الديمقراطية إلى تفاهمات مهمة مع القيادة الجديدة في دمشق، إلا أن إتمامها وتنفيذها، مع حل نقاط الخلاف، سيتطلب المزيد من الدعم من الولايات المتحدة وشركائها.
وفي العاشر من مارس، وقّع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاقا مبدئيا مع الرئيس السوري أحمد الشرع لبدء العمل على دمج المجموعة ذات القيادة الكردية في الجيش السوري الجديد، بعد أشهر من المفاوضات المدعومة من الولايات المتحدة.
ويقول فلاديمير فان ويلجنبرغ، رئيس قسم الأخبار في صحيفة كردستان كرونيكل، في تقرير نشره معهد واشنطن إن هذه الاتفاقية قد لاقت ترحيبا علنيا من واشنطن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجهات فاعلة أخرى، وهي أساسية لاستقرار سوريا وانتعاشها الاقتصادي، وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون معالجة مستقبل شمال شرق البلاد الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي منطقة تضم 95 في المئة من موارد البلاد من النفط والغاز.
المفاوضات حول أي من القضايا الخلافية قد تنهار ما يجعل استمرار المشاركة والتشجيع الدوليين أمرا ضروريا
وبتوقيع الوثيقة، اتفقت الأطراف على ثماني نقاط رئيسية، تشمل الاعتراف بالأكراد كمجتمع أصلي، وضمان حقهم في المواطنة وما يترتب عليها من حقوق دستورية، ودمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في الشمال الشرقي (مثل المعابر الحدودية، ومطار القامشلي، وحقول النفط والغاز)، وضمان عودة النازحين داخليا وحمايتهم، وتطبيق وقف إطلاق نار على مستوى البلاد.
وتهدف اللجان المشتركة إلى تنفيذ الاتفاق في موعد أقصاه نهاية هذا العام، وقد استضاف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) اجتماعا تحضيريا أوليا في قاعدة الشدادي في التاسع عشر من مارس، ومن المقرر أن تبدأ أعمال اللجان هذا الشهر.
ومع ذلك، فإن العوائق أمام تنفيذ الاتفاق كثيرة، إذ تختلف دمشق وقوات سوريا الديمقراطية حول طبيعة الحكم الوطني المستقبلي (أي اللامركزية من عدمها)، ودرجة التكامل العسكري (حيث ترغب قوات سوريا الديمقراطية في الحفاظ على استقلالها)، ومستقبل سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المناطق ذات الأغلبية العربية ومراكز احتجاز داعش، وهذه الأخيرة تُعدّ من أكبر علامات الاستفهام في النقاشات حول الوجود العسكري الأميركي المستقبلي في سوريا.
وعلاوة على ذلك، يستمر القتال بين قوات سوريا الديمقراطية والجماعات المدعومة من تركيا، مع استمرار أنقرة في معارضة الوجود الكردي المسلح على طول حدودها، وهو موقف قد يتغير بشكل كبير اعتمادا على نتائج الجهود التركية الجديدة للتوصل إلى تسوية سلمية نهائية مع حزب العمال الكردستاني، وهي جماعة ذات صلات مثيرة للجدل بقوات سوريا الديمقراطية.
وقد ينهار الإطار الكامل للاتفاق السوري أثناء المفاوضات حول أي من هذه القضايا المعقدة، مما يجعل استمرار المشاركة والتشجيع الدوليين أمرا ضروريا لتسهيل العمل الشاق المقبل.
وبينما تتطلع المجموعات التي أطاحت بنظام بشار الأسد إلى دولة مركزية، تأمل قوات سوريا الديمقراطية في اللامركزية، وهو توتر انعكس في تصريحاتها ووثائقها العامة. ففي “خطاب النصر” الذي ألقاه في التاسع والعشرين من يناير، صرّح الشرع بأن “سيادة سوريا ستُفرض تحت سلطة واحدة”، بينما شدّد الدستور المؤقت، الذي أُقرّ في الثالث عشر من مارس، على الحفاظ على الوحدة، وجرّمَ أي فصائل تدعو إلى “التقسيم” أو تطلب دعما خارجيا لقضيتها. كما التزم الميثاق الجديد بالاسم الرسمي “الجمهورية العربية السورية” ولم يذكر الحقوق السياسية أو الثقافية للأكراد.
وفي المقابل، أكّد بيان صادر في مارس عن الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، مجلس سوريا الديمقراطية، على ضرورة أن تكون الدولة لامركزية. وفي يناير، جادل عبدي بأن على دمشق منح المزيد من الحكم الذاتي لمناطق أخرى من سوريا، وليس فقط للشمال الشرقي.
وتتفق غالبية الفصائل الكردية السورية، بما في ذلك المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي التابع لقوات سوريا الديمقراطية، على ترسيخ شكل من أشكال اللامركزية، وترفض الدستور المؤقت باعتباره إقصائيا.
ومع ذلك، تختلف نماذجهم المختارة للفيدرالية. فقد صرّح عبدي بأن الأكراد السوريين لا يسعون إلى حكومة مستقلة دائمة على غرار كردستان العراق.
وقبل سقوط الأسد بوقت طويل، أنشأ حزب الاتحاد الديمقراطي كيانا محليا يُعرف الآن باسم الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، وهو نظام متعدد الأعراق قائم على أيديولوجية زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبدالله أوجلان. ويُعد النظام الذي اقترحه المجلس الوطني الكردي أقرب أيديولوجيا إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي.
وقبلت قوات سوريا الديمقراطية الاندماج الاسمي في الجيش الوطني، لكنها تُفضل الحفاظ على القيادة والسيطرة المحلية على الوحدات الكردية.
وفي يناير، رفض وزير الدفاع السوري مرهف أبوقصرة اقتراح قوات سوريا الديمقراطية بالبقاء ككتلة عسكرية منفصلة. ومع ذلك، بعد المجازر الأخيرة ضد أقلية أخرى، وهي العلويون، ستواجه الحكومة صعوبة أكبر في إقناع الأكراد بالتخلي عن كامل استقلاليتهم العسكرية (خاصة في ظل التساؤلات المستمرة حول أي القوات الحكومية مسؤولة عن عمليات القتل هذه).
ومن التحديات الأخرى أن القوات الكردية تضم وحدة نسائية بالكامل، وهو ما يُفترض أن يكون من الصعب أو المستحيل دمجها نظرًا للرؤية الإسلامية التي يتبناها القادة الجدد في دمشق.
وأحد الخيارات الوسطية هو إعادة تنظيم قوات سوريا الديمقراطية إلى فرق عسكرية إقليمية للمحافظات الخاضعة جزئيًا للسيطرة الكردية (مثل الحسكة والرقة ودير الزور).
ويمكن وضع قادة قوات سوريا الديمقراطية على رأس كل فرقة والاحتفاظ بالسيطرة المحلية، مع الاستمرار في التنسيق مع دمشق بشأن العمليات ضد داعش وخلايا النظام السابق أو العناصر المدعومة من إيران.
كما تتعرض الحكومة الجديدة لضغوط من جهات تريد منها إعادة السيطرة على المناطق ذات الأغلبية العربية التي تسيطر عليها القوات الكردية حاليًا.
وقد يكون الحفاظ على إدارة بقيادة كردية في الحسكة أمرا مفهوما نظرا للتركيبة السكانية المختلطة في المحافظة، إلا أن الحكم الكردي للمجتمعات ذات الأغلبية العربية في الرقة ودير الزور قد يصبح غير قابل للاستمرار بعد أن تلاشى خوف السكان المحليين من عودة الأسد.
ولتحسين فرص نجاح تنفيذ اتفاق دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، ستكون وساطة جهات خارجية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا حاسمة، لاسيما في قضايا اللجنة المشتركة المثيرة للجدل، وترتيبات تقاسم السلطة المستقبلية، وقضية اللامركزية الشائكة.
ويمكن لواشنطن تحفيز التقدم من خلال تخفيف العقوبات عن دمشق. ويشير انعقاد الاجتماع الأول للجنة في قاعدة تابعة للتحالف إلى أن الولايات المتحدة في وضع جيد للقيام بهذا الدور. كما يشير إلى الفوائد العديدة للحفاظ على وجود عسكري أميركي في الشمال الشرقي، على الأقل في المستقبل القريب.