تسريب الامتحان يهز الثقة بالقبول في كليات الطب في الهند

تتلاشى طموحات الطلاب الهنود في دراسة الطب في بلادهم باعتبارها الاختصاص الذي يمكنهم من رواتب مرتفعة تؤمن لهم حياة كريمة في المستقبل، لكن تسريب أسئلة الامتحانات يحول دون تحقيق رغبتهم فيولّون وجوههم نحو الجامعات في الدول الأجنبية كالصين أو روسيا أو كازاخستان رغم ارتفاع الرسوم الدراسية.
نيودلهي- اتبعت سانا نفس الروتين اليومي على مدى أكثر من أربع سنوات، فكانت تستيقظ فجرا وتدرس لمدة تصل إلى 14 ساعة في اليوم في محاولة لاجتياز امتحان صعب للالتحاق بواحدة من كليات الطب العامة الرائدة في الهند.
ولكن أملها تلاشى بعد محاولتين فاشلتين في الالتحاق بالجامعة التي يحلم بها العديد من الطلاب، خاصة بعد تسجيل انتهاكات مسّت امتحان القبول الوطني الشهر الماضي وشملت تسريب أسئلته.
وقالت سانا، البالغة من العمر 20 عاما، إنها لم تعد تثق في هذا النظام. وتحدثت عبر الهاتف من ولاية راجستان الغربية وطلبت عدم الكشف عن هويتها الكاملة. وتساءلت “ما الهدف من كل هذا العناء عندما يتمكن الآخرون من النجاح بوسائل غير عادلة؟ لا أتمتع بالصبر أو الوقت أو المال لمتابعة التعليم الطبي في الهند”.
وأصبحت سانا تريد الدراسة في الخارج في الصين أو روسيا أو كازاخستان، وهي وجهات تلقى بشعبية متزايدة بين الطلاب الهنود الذين يعانون من ارتفاع تكاليف التحضير للامتحانات والرسوم الدراسية.
وتبقى تسريبات الامتحانات شائعة في الهند، حيث يتدافع الملايين للالتحاق بالكليات الحكومية العليا لنيل درجات تعزز فرص حصولهم على وظائف مستقرة ذات رواتب جيدة في بلد يعاني أزمة توظيف.
وكانت سانا واحدة من 2.4 مليون طالب اجتازوا في مايو الاختبارات التي تعدّ البوابة الوحيدة للقبول في الدورات الطبية الجامعية في الهند، حيث تنافسوا على أكثر من 100 ألف مقعد في الكليات الحكومية والخاصة.
وسجّل عدد كبير من الطلاب (وبشكل غير عادي) درجة كاملة في الامتحان، مما أجج مخاوف من الغش المحتمل والمخالفات في إجراء الامتحانات وتصحيحها.
ونظمت مجموعات طلابية احتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وأطلقت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوجهت إلى المحاكم للمطالبة بإجراء تحقيقات وإعادة أجراء الامتحان.
وتحدثت الوكالة الوطنية للاختبارات التي تدير الامتحان في بيان عن حالات غش معزولة، لكنها نفت التسريبات وقالت إن “نزاهة الامتحان لم تُمسّ”. وقالت إن الزيادة في المتفوقين تعكس ارتفاعا في عدد المُمتحنين الإجمالي.
ولم تستجب الوكالة الوطنية للاختبارات ولا وزارة التعليم الاتحادية لطلبات التعليق.
ويقول خبراء أكاديميون إن الهند كانت بطيئة في إصلاح نظام التعليم العالي رغم عقود النمو الاقتصادي السريع، حيث يقضي طلاب الطب والهندسة الطموحون أشهرا (أو حتى سنوات) في امتحانات القبول التنافسية التي غالبا ما تتركهم مرهقين ومدينين.
وقالت أنيتا رامبال، العميدة السابقة في جامعة دلهي، وهي أيضا عضوة في شبكة الحرية الأكاديمية الهندية ومقرها نيودلهي، “هذا النظام معيب تماما. إنه ليس عادلا أو معقولا. ويستنزف الكثير منك من حيث الحافز والجهد والمال وموارد الأسرة وإحساسك بنفسك”.
ويمكن أن ينفق الطلاب مبالغ كبيرة من المال للتسجيل في مراكز الإعداد للاختبار ودفع ثمن المواد الدراسية. لكن عدد الناجحين يبقى قليلا.
ويتوفر من بين إجمالي مقاعد طلاب الطب حوالي 60 ألف مقعد في المعاهد الحكومية، أما الباقي فهي في المعاهد الخاصة. ويتسابق الطلاب إلى الكليات الحكومية لرسومها المعقولة.
ويتمكن المتفوقون في الامتحانات الوطنية من الالتحاق بالكليات الحكومية، حيث يمكن أن تكلف الدورة الطبية لمدة خمس سنوات ما بين 200 ألف و1 مليون روبية (11.955 دولارا). ويمكن أن تكلف الرسوم الدراسية في الكليات الخاصة أكثر من 10 أضعاف ذلك.
وقالت سانا إن درجاتها لم تتجاوز 500 في امتحانين للقبول، مما يعني أن الكليات الحكومية لم تكن خيارا لها.
وتقدم البرامج في البلدان المجاورة خيارا أرخص لطلاب الطبقة المتوسطة مثل سانا، حيث لا يستطيعون تحمل تكاليف التعليم الخاص.
2.4
مليون شخص اجتازوا في مايو الاختبارات التي تعدّ بوابة القبول في الدورات الطبية
وقالت الطالبة، التي أنفق والداها أكثر من 500 ألف روبية (5.985 دولارا) للتحضير لامتحانها “سيحقق هذا لي على الأقل بعض العوائد على استثماراتي”.
وتوجه أكثر من750 ألف هندي إلى الخارج للدراسة في2022، وأدت بيانات وزارة الخارجية أن هذا شكّل حوالي ضعف العدد المسجل في 2018.
ولا تتوفر بيانات متاحة للجمهور عن عدد الهنود الذين يدرسون الطب في الخارج.
لكن مواقع الإرشاد الأكاديمي تقدر أن حوالي 25 ألف طالب يغادرون سنويا لدراسة الطب في بلدان مثل روسيا والصين والفلبين وقيرغيزستان وكازاخستان.
يدرس غاغان أرورا، البالغ من العمر 23 عاما، في جامعة أسفيندياروف الطبية الكازاخستانية الوطنية في ألماتي، أكبر مدينة في كازاخستان. وهو أصيل ولاية راجستان. وقال إن تكلفة دراسته التي استمرت خمس سنوات لم تتجاوز 5 ملايين روبية (59.780 دولارا)، بما يشمل السكن والغذاء.
وشهد عدد الهنود الذين يتوجهون إلى ألماتي زيادة على مدى السنوات الأربع الماضية. واعتبر الأمر مناسبا للميزانية. وقال إن “المكان جميل والناس رائعون”.
لكن العيوب تشمل حواجز اللغة في الفصول الدراسية ونقص التعلم العملي، وهو محور تركيز رئيسي في التدريب الطبي الهندي.
وقال أرورا “تصبح الشهادة دون التعلم العملي في المستشفيات مجرد قطعة من الورق، ولا تحمل قيمة حقيقية”. وكان يفضل الدراسة في الهند.
ويشعر أرورا بالقلق من أن الفجوات في تعليمه ستصعّب اجتياز اختبار الفحص الإلزامي في الهند الذي يسمح لخريجي الطب الأجانب بممارسة عملهم في البلاد.
وردد أربعة طلاب طب هنود آخرين على الأقل مخاوف مماثلة. وتحدثنا إلى واحد في كازاخستان وواحد في جورجيا واثنين في قرغيزستان بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب مخاوف من أن تضر تصريحاتهم بفرص عملهم في المستقبل.
وتشير البيانات الحكومية إلى فشل حوالي 80 في المئة من مجتازي اختبار الفحص الإلزامي في الهند.
ودعا الطلاب والأساتذة وخبراء الصحة الحكومة إلى فتح المزيد من كليات الطب.
وكتب أومن سي كوريان، وهو زميل بارز في مؤسسة أوبزرفر للأبحاث، في مقال بحثي في يناير أن تسهيل الوصول إلى المقاعد الطبية، بما يشمل الهنود الريفيين وذوي الدخل المنخفض، قد يكسر الحواجز التي تعيق المساواة في الوصول إلى التعليم الطبي.
وحث آخرون، مثل رامبال، على إصلاح شامل للامتحانات لمنع الانتهاكات وتنظيم الرسوم التي تفرضها الكليات الخاصة ومراكز التدريب.
وقالت رامبال “لا يمكننا تجاهل هذه القضايا بعد اليوم. يجب أن تكون هذه نقطة اللاعودة. علينا أن نبدأ من جديد”.