تسريبات لمجازر النظام السوري تفتح جروح السوريين

مقطع فيديو مروع صُوّر سنة 2013 يثير موجة من الحزن والخوف بين أسر عشرات الآلاف من السوريين الذين اختفوا خلال الحرب الأهلية الطويلة في بلادهم.
الخميس 2022/05/19
معرفة الحقيقة عذاب من نوع آخر

بيروت - تشبثت عائلة صيام بأمل لمّ شمل أفرادها يوما ما مع قريبهم المفقود وسيم الذي يعتقدون أنه محتجز في سجن تابع للحكومة السورية بعد أن فُقد عند نقطة تفتيش منذ ما يقرب من عقد. لكن هذا الأمل تبخر في اللحظة التي رأوه فيها في مقطع فيديو سُرّب حديثا. وكان من بين العشرات من الرجال المعصوبي الأعين والمقيدين الذين قُتلوا برصاص عناصر الأمن السوريين وألقي بهم في خندق.

وعلقت سهام صيام التي تعيش الآن في ألمانيا عن مقطع الفيديو المروع الذي صُوّر سنة 2013 وظهر في أواخر الشهر الماضي بالقول “لقد صدمنا. قتلوه بدم بارد… لا يمكن لأم أن تقبل رؤية طفلها يتعرض للأذى بهذه الطريقة”.

وأثار الفيديو موجة من الحزن والخوف بين أسر عشرات الآلاف من السوريين الذين اختفوا خلال الحرب الأهلية الطويلة في بلادهم. وبعد نشر الفيديو على الإنترنت، اندفع الآلاف للبحث في المقاطع المنتشرة عبر شبكة الإنترنت عن آثار لأقارب اختفوا.

ويُزعم أن عنصرا كان في ميليشيا موالية للحكومة هرّب مقطع الفيديو إلى خارج سوريا وقدمه إلى باحثين في جامعة أمستردام على أمل أن يساعده ذلك في الحصول على حق اللجوء خارج سوريا. وعمل الباحثون على التحقق من المقطع والتعرف على الموقع وبعض الجناة.

وفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، لا يزال 102207 أشخاص في عداد المفقودين بعد نحو 11 سنة على بدء الصراع

ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية أول مرة عن مقطع الفيديو في أواخر أبريل، ثم وُزّعت نسخة كاملة من الفيديو منذ ذلك الحين على نطاق واسع على الإنترنت.

وقال محمد العبدالله المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة ومقره واشنطن “حتى لو لم يظهر أحباء العائلات في الفيديو، فإن الصور المروعة ستبقى محفورة في أذهانهم إلى الأبد، وسوف يتساءلون عما إذا كانوا قد واجهوا نفس المصير”.

وأطلق على شبكة السجون السورية اسم “الصندوق الأسود” الذي لا يعطي أي معلومات عن المحتجزين في الداخل.

لكن معرفة الحقيقة تجلب نوعا جديدا من العذاب. وتعهدت سهام وزوجها بمشاهدة الفيديو كل يوم لرؤية لحظات ابنهما الأخيرة وتوديعه.

وكان الفيديو مُصوّرا بتاريخ السادس عشر من أبريل 2013، بعد يومين من اختفاء وسيم، وهو أب لطفلين كان سيبلغ 39 عاما في 2022. وفقدته عائلته عند نقطة تفتيش بالقرب من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في ضواحي دمشق.

ويُظهر المقطع الذي تبلغ مدته 6 دقائق و43 ثانية أعضاء فرع المخابرات العسكرية 227 سيء السمعة في سوريا مع صف من حوالي 40 سجينا في مبنى مهجور في إحدى ضواحي دمشق بالقرب من اليرموك. وكانت المنطقة بمثابة خط مواجهة بين القوات الحكومية ومقاتلي المعارضة خلال معظم فترات الحرب.

وكان السجناء معصوبي الأعين وأذرعهم مقيدة خلف ظهورهم. ووقف مسلحو الفرع 227 واحدا تلو الآخر على حافة خندق مليء بالإطارات القديمة، ثم دفعوا الرجال وركلوهم إلى الداخل وأطلقوا عليهم النار عندما سقطوا. ثم أشعل المسلحون النيران في الجثث لمحو كل آثار المذبحة.

ووفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، لا يزال 102207 أشخاص في عداد المفقودين بعد أكثر من 11 سنة على بدء الصراع في سوريا. وتقول المجموعة إن المسؤول الأكبر عن حالات الاختفاء القسري هو الحكومة السورية حيث فُقد 86792 شخصا، واختفى عدد غير معروف منهم في متاهة السجون الغامضة. وكان تنظيم الدولة الإسلامية مسؤولا عن 8648 حالة اختفاء، وجماعات المعارضة المسلحة عن 2567 حالة. واحتجزت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والمسلحون المرتبطون بالقاعدة المدعومة من الولايات المتحدة البقية.

وقال رجل تحدث إلى وكالة الأسوشييتد برس إن الفرع 227 أخذ 25 من أقاربه من منازلهم في يوليو 2013.

 

وقال الرجل الذي طلب عدم نشر اسمه “نحن على يقين من أنهم قُتلوا بنفس الطريقة التي لقي بها الأشخاص الذين ظهروا في الفيديو حتفهم”.

وأكّد أن السكان يعرفون بحفر متعددة في المنطقة حيث قتل الناس وحرقوا في ما بعد. وقال إن عناصر الأمن الذين ظهروا في الفيديو هم من جيران العائلات المفقودة وكانوا يعرفون بعضهم البعض لأكثر من 30 عاما.

ومن بين أقاربه المفقودين أطفال وأخت ذهبت للاطمئنان على أفراد أسرتها بعد يومين من أخذهم من منزلهم، ولم تعد قط.

ولم تنته مأساة عائلته عند هذا الحد. فبعد بضعة أشهر، اختُطف أخ لم يكن موجودا في اليوم الذي اختفت فيه عائلته من نقطة تفتيش. وبعد سنوات، ظهرت صورة لجسده المعذب في ملف كبير من الصور والوثائق التي هرّبها المنشق المعروف باسم قيصر.

وحثت 17 منظمة من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في رسالة مفتوحة بتاريخ التاسع من مايو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على بدء تحقيق في عمليات القتل لتقديم مرتكبي المجزرة ومن أصدروا الأوامر إلى العدالة. كما شجبت التقاعس الدولي بشأن سوريا، قائلة إنه سمح للأسد وحلفائه بمواصلة ارتكاب الجرائم ضد الشعب السوري دون عقاب.

ووصفت عائلات المختفين لوكالة أسوشييتد برس سنوات القلق والبحث غير المثمر التي تخللتها موجات من الأمل الكاذب. وقال ماهر إنه مازال يأمل أن يكون شقيقه المفقود منذ 2013 على قيد الحياة وأن يُطلق سراحه ذات يوم. ويتلقى ضربة جديدة في كل مرة يعلن فيها عن إطلاق سراح سجناء ولا يكون شقيقه بينهم.

وقال، متحدثا شريطة ألا يُذكر اسمه الكامل “يحاول المرء التكيف على مر السنين، لكن الجرح ينفتح مرة أخرى مع كل تقرير يصدر”.

Thumbnail

واختفى شقيقه أثناء إحضاره مساعدات غذائية من وكالة الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. وقال ماهر إن المئات من الأشخاص اعتُقلوا أثناء ذهابهم لجمع صناديق الطعام، لدرجة أنها أصبحت تُعرف باسم “صناديق الموت”. وعلى أمل تجنب الاعتقال، يُرسل الناس كبار السن لأخذ الصناديق. وذهب أخوه أربع مرات قبل اعتقاله في المرة الخامسة. وقال ماهر إذا تأكدت وفاته “سيُفتح الجرح عميقا وسيبدأ الحزن الحقيقي حينها”.

وينتشر المستغلون، ويبتزون مبالغ كبيرة من العائلات بوعود كاذبة بالإفراج عن أقربائها المفقودين في نهاية المطاف.

وأصدر الرئيس السوري بشار الأسد عفوا عن المئات من السجناء بعد أيام من ظهور مقطع الفيديو الذي يظهر عمليات القتل. وتوافد الأهالي على ساحة دمشق، حاملين صور أقاربهم المفقودين وطلبوا معلومات، بحسب مقاطع فيديو في وسائل إعلام موالية للحكومة.

وتحيّل البعض قائلين لأفراد العائلات إن بإمكانهم وضع أسماء أحبائهم على قائمة الإفراج مقابل 50 مليون ليرة سورية، أي ما يقرب من 13 ألف دولار. وقال أحد أقارب المفقودين إن “هذه كلها أكاذيب”.

وتدفع لهم بعض العائلات مع ذلك، فهي في حاجة ماسة للحصول على أي معلومات. وقالت وفاء مصطفى لوكالة أسوشييتد برس من برلين “كيف يمكنني أن أقول لا عندما تكون حياة والدي في خطر؟ كيف يمكنني أن أقول لا، حتى لو كنت أعرف أنهم يكذبون؟”.

وكانت جدران غرفتها مغطاة بصور والدها المفقود منذ اقتياده من منزله في 2013. وقالت وفاء “من الجنون كيف أنه بعد 11 عاما، وبعد مغادرة البلاد، لا يزال بإمكان النظام السيطرة علينا والتحكم في صحتنا العقلية والبدنية. إنهم يتحكمون في وجودنا”.

6