تسريبات بنكية تعرقل نجلي مبارك عن المشاركة السياسية في مصر

على الرغم من ضآلة المبلغ أسوة بالشائعات التي طالت أسرة مبارك إلا أنها أعادت التذكير بقضايا فساد تورط فيها رموز من نظامه.
السبت 2022/02/26
إلقاء الضوء على فترة حكم مبارك

القاهرة – تعرقل تسريبات بيانات عملاء بنك “كريدي سويس” كأحد أكبر البنوك السويسرية، والتي تضمنت حسابات جمال وعلاء، نجلي الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، مساعيهما للعودة إلى مجال السياسية حيث تعيد هذه التسريبات إلقاء الضوء على فترة حكم مبارك التي تزايد فيها نفوذ أشخاص كوّنوا ثرواتهم عن طريق الفساد.

وتضمنت التسريبات التي انتشرت على نطاق واسع حسابات أكثر من 30 ألف عميل لدى البنك السويسري، بينها أرصدة حساب مشترك لنجلي الرئيس المصري الراحل بقيمة 196 مليون دولار جرى تدشينه عام 2003، وطالت شخصيات عربية وقيادات سياسية بارزة في مصر، من بينهم عدد من رموز نظام مبارك.

وعلى الرغم من ضآلة المبلغ أسوة بالشائعات التي طالت أسرة مبارك وأشارت سابقا إلى أن ثروته في البنوك الخارجية تصل إلى 70 مليار دولار، إلا أنها نكأت جراحا كادت تندمل بين أبناء مبارك وشريحة في المجتمع المصري، وأعادت التذكير بقضايا فساد تورط فيها رموز من نظامه، قادت ضمن عوامل أخرى إلى حراك أطاح بمبارك في الحادي عشر من فبراير 2011.

ورد جمال وعلاء مبارك على التسريبات في بيان، الأحد، هدف إلى تبرئة ذمتهما المالية والتأكيد على أن الأموال المذكورة جاءت نتيجة أعمال تجارية خاصة بهما.

وحاول البيان نفي أن أصول نجلي الرئيس الراحل تشوبها “مخالفات قانونية أو أنها كانت نتاجا للمحسوبية أو استخداما للنفوذ”، واصفا التسريبات بأنها “تشهيرية”.

جمال أسعد: رصيد جمال وعلاء نفد ومن الصعب عودة العجلة إلى الوراء

وأكد البيان الذي صدر عن محامي نجلي مبارك أنه جرى الإفصاح بالفعل عن أموالهما داخل مصر وخارجها “بشكل كامل وشفاف وفقا للقوانين المعمول بها وهو ما أثبتته التحقيقات القضائية التي امتدت معهم لما يزيد عن عشر سنوات”.

وقضت المحكمة الاقتصادية بالقاهرة في نوفمبر الماضي برفع قرار أمر المنع عن علاء وجمال مبارك وزوجتيهما وسمحت لهم بالتصرف في أموالهم، وسبقها رفع الحظر عن التصرف في أموالهما لدى بنوك الاتحاد الأوروبي، وأصبح الوضع ممهداً أمامها للاشتباك على نحو أكبر في قضايا داخلية ذات أبعاد سياسية.

واصطدم تسريب أحد الحسابات الذي جرى التعامل معه في مصر باعتباره أحد نتائج وقائع الفساد بالرؤى التي يتبناها علاء مبارك عبر موقع التغريدات (توتير) وعمد من خلالها إلى تحسين الصورة العامة لهما ارتكانا على الجانب الديني الذي يحظى بتأييد واسع من طبقات شعبية، وأربك توقيت ظهور الحسابات الجديدة اشتباك الابن الأكبر (علاء) مع قضية الإسراء والمعراج التي أثارها الإعلامي إبراهيم عيسى.

وانتقد علاء مبارك تصريحات عيسى التي شكك فيها في وقوع رحلة المعراج متسائلاً “ما الهدف من الطعن في الثوابت الإسلامية والنيل من المقدسات الدينية”.

ويرى متابعون أن دخول نجل مبارك على خط قضية المعراج وقبلها الأزمة التي كان بطلها أيضا إبراهيم عيسى بشأن قراءة القرآن أثناء العمل، لا يخلو من أبعاد سياسية تنطوي على انتقادات ضمنية للنظام المصري الذي يسيطر على غالبية وسائل الإعلام، حيث يظهر الابن في صورة الشخص الملتزم بعيداً عن الصورة السابقة التي وضعت أسرة مبارك في دوائر استغلال النفوذ وقطعت الطريق على فرص شقيقه جمال في البحث عن فرصة ليكون وريثا لوالده في منصب رئيس الدولة.

ويحرص نجلا الرئيس الراحل على الظهور في مناسبات اجتماعية من وقت إلى آخر، بما يوحي أن هناك رضى شعبيا عن فترة حكم والدهما، وهو ما يسير عكس الصورة النمطية التي رسختها بعض وسائل الإعلام في وجدان المواطنين.

وأشار الكاتب المصري جمال أسعد لـ”العرب” إلى أن نشاط علاء وجمال مبارك في المجال العام أمر ملحوظ لدى العديد من الدوائر السياسية، وتدرك السلطة أبعاده ويشكل عامل قلق بالنسبة إليها، ومواقفهما غالبا ما تكون محل رد من جانب وسائل إعلام محسوبة على الحكومة الحالية، بما يشي بأن هناك رغبة في إسكات صوتيهما سياسيا.

وأضاف أن تسريبات البنك السويسري عامل مؤثر في اندماج نجلي الرئيس الأسبق في العمل العام، لأنها تؤكد وجود عدم شفافية من قبلهما ووقائع فساد حقيقية.

ونفى أسعد في حديثه لـ”العرب” أن يكون الواقع المصري الراهن يحمل تعاطفا أو أيّ فرصة لإمكانية أن تتطور آراء ومواقف علاء وجمال إلى فرصة للعب دور سياسي، فقد نفد رصيدهما في المجتمع المصري ويصعب عودة العجلة إلى الوراء.

ويقول مراقبون إن الحكومة المصرية مطالبة بالمزيد من التوضيح حول ما جاء في التسريبات الأخيرة، وشرح أسباب عدم وصول اللجان التي جرى تشكيلها من قبل حكومات سابقة لتعقب أرصدة رموز نظام مبارك لدى البنوك الأجنبية، وما إذا كانت لديها معرفة بتلك الحسابات أم أن هناك تقصيرا في عمل تلك اللجان.

ويؤكد المراقبون أن العلاقة بين النظام الحالي وعلاء وجمال مبارك تشوبها منغصات، وبخلاف دول أخرى مرت بثورات واحتجاجات نجحت السلطة المصرية في أن تبعث برسائل للمواطنين بأن نظام مبارك كان رحيله حتميا، وهو أمر يشكل هاجساً بالنسبة إلى جمال مبارك الذي راوده طموح سياسي في الوصول إلى سدة الحكم.

ورد علاء مبارك بصورة غير متوقعة على تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نهاية ديسمبر الماضي التي ألمح فيها إلى أن نظام مبارك قاد البلاد لأن تصبح “كُهنة”، أي تعاني تدهوراً حاداً في كافة الخدمات وغير قابلة للاستخدام.

وكتب علاء في تغريدة على تويتر “مع كل الاحترام لحضرتك لم تكن مصر في يوم ولن تكون بإذن الله كُهنة أو شبه دولة. قد تمر بأزمات وتواجه صعوبات وتحديات لكنها تظل دولة كبيرة لها وزنها وثقلها وهيبتها، دولة كبيرة بشعبها وتاريخها وحضارتها وقيادتها وجيشها”.

وقال القيادي بالحزب العربي الناصري محمد السيد أحمد إن نجلي مبارك يحاولان دوما كسر الرفض الشعبي لنظام والدهما، لكنهما لن يحققا النتائج المرجوة “وأيّ حديث عن مستقبل سياسي لجمال أو علاء أمر لا يمكن أن يقبل به الشعب المصري، وزيادة وتيرة التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي من جانبهما تستهدف السعي للحضور في المشهد الراهن دون الدخول في صراعات مباشرة مع السلطة”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن ما حققه النظام المصري الحالي خلال فترة قصيرة من نجاحات على مستوى المشروعات التنموية يتجاوز ما حققه نظام مبارك على مدار ثلاثة عقود، وهناك إدراك شعبي بذلك وإن لم تكن توجد عوائد مباشرة على المواطنين جراء هذه المشروعات حتى الآن، لأن ثمارها سوف تظهر مستقبلا.

6