تساقط الثلوج يتأخر عند أبواب القطب الشمالي

الاحترار المناخي يرغم الدببة البيضاء على المكوث لفترة أطول من قبل على اليابسة خلال فصل الصيف.
الثلاثاء 2022/10/11
تغييرات في نمط الحياة

تشرشل (كندا) - يقيم ديفيد ديلي مربي كلاب عربات الجر عند أبواب القطب الشمالي في كندا في عالم يتغير كثيرا، ما يدفعه إلى التأكيد “ستعاقبنا الأرض على كل ما نكبدها إياه”.

وفي مدينة تشرشل النائية بمحاذاة خليج هادسن حيث وتيرة الاحترار المناخي أسرع بثلاث مرات من أي مكان آخر في العالم، تختفي الأطواف الجليدية تدريجيا.

وعلى غرار أجداده من الخلاسيين، أحد الشعوب الأصلية الثلاثة في كندا، يعيش هذا الرجل البالغ 59 عاما بانسجام مع الطبيعة محاطا بكلابه الستة والأربعين عند نهاية التُندرا وبداية الغابة القطبية.

وسنة بعد سنة، يخشى من تأخر متواصل في تساقط الثلوج. ويقول “كلابي تنتظر حلول الشتاء على غرارنا جميعا. هذه الثقافة في طور الانقراض”.

صيفا وشتاء يجول ديفيد ديلي في أرجاء هذه المنطقة المعروفة بشفقها القطبي حيث يمارس الصيد ويرصد عن كثب التغيرات الحاصلة على صعيد الثروتين الحيوانية والنباتية.

64

في المئة من الأطفال يعيشون دون خط الفقر، ما يدفع مسألة حماية البيئة إلى المرتبة الثانية في سلم اهتمامات البعض

ويروي الرجل الذي يقدم للسياح نشاطات تتعلق بالسكان الأصليين، قائلا “عندما كنت طفلا كنت اصطاد السمك والحيوانات والطيور ولم أكن أعثر على أيائل كثيرة، أما الآن فهي منتشرة أينما كان. والأمر كذلك بالنسبة إلى الخلنج (أو ديك الخشب) صاحب الذنب الرفيع وخز الصنوبر”.

ويلتقي هذا القول مع نتائج دراسات علمية تفيد بأن الاحترار المناخي يعرض للخطر الأنواع القطبية الشمالية خصوصا من خلال فتح الأبواب أمام حيوانات أخرى آتية من الجنوب. فهنا الحيوانات كما النبات، تهاجر شمالا.

ويؤكد ديفيد ديلي أن “لا خيار” أمام البشر إلا “التكيف” على غرار الحيوانات. ويمر التكيف خصوصا عبر تعايش مختلف مع أحد رموز هذه المنطقة ألا وهو الدب القطبي.

وخلال الحرب الباردة كان على المدينة التي كانت تضم منشأة عسكرية أميركية – كندية باتت مهجورة الآن، أن تكون جاهزة لصد أي هجوم سوفياتي محتمل عبر القطب الشمالي. أما اليوم، فبات السكان يخشون هذا الحيوان القانص.

ويتسبب الاحترار المناخي في تقصير المدة التي يكون فيها خليج هادسن متجمدا ما يرغم الدببة البيضاء في المنطقة على المكوث لفترة أطول من قبل على اليابسة خلال فصل الصيف. يعني ذلك أن أشهر التعايش مع الإنسان أطول ما يدفع الحيوان اللاحم إلى الاقتراب أكثر فأكثر من المدينة.

وينبغي للمتنزه في محيط تشرشل حمل بندقية ومادة رادعة وعدم المشي وحيدا بعد حلول الظلام أو عندما تكون الرؤية سيئة.

وكل واحد من أبناء هذه المنطقة لديه قصة مع الدببة. وتقول دانييل ديلي ابنة ديفيد البالغة 33 عاما “لا أذكر أنني شعرت بخطر خلال الصيف عندما كنت صغيرة. اختلف الوضع الآن، فأولادي لا يمكنهم اللعب على الصخور على طول الشاطئ كما كنت أفعل”.

لالا

وتروي المرأة الشابة الخوف الذي اعتراها عندما رأت في يوليو الماضي دبا يمر مهرولا أمام منزلها وتلته على بعد أمتار قليلة آلية دورية تابعة لجهاز حفظ الثروة الحيوانية في مانيتوبا.

ويزداد الوضع تعقيدا خلال الخريف عندما تتضور الدببة جوعا بعد شهر أمضته على اليابسة من دون أكل مع غياب حيوانات الفقمة.

وخلال ليلة عيد هالوين في الحادي والثلاثين أكتوبر تتخذ إجراءات خاصة على ما يفيد إيان فان نيست العنصر في جهاز حفظ الثروة الحيوانية.

ويكثف هذا الجهاز الدوريات بمناسبة هذا العيد مع الاستعانة أيضا بمروحيات لرصد الدببة والسماح للأطفال بجمع السكاكر. ويوضح فان نيست “قد نعمد إلى استخدام عبوات تصدر دويا قويا ووميضا يبعد الدب”.

ونصبت المدينة أجهزة رادار قادرة على رصد الدببة التي تكون على مسافة أقل من كيلومترين من أول منازل المدينة. وهي قادرة على رصدها حتى مع وجود ضباب. ورغم تراجع عددها منذ ثمانينات القرن الماضي، يقدر عدد الدببة القطبية حول تشرشل بـ800، ما يوازي عدد سكان البلدة.

5

في المئة من الكنديين و18 في المئة من سكان مانيتوبا في مجتمعات غالبا ما تعاني من البطالة والمساكن السيئة والتمييز.

ولا ينظر الجميع بسلبية إلى التغيرات المرتبطة بالمناخ، حيث يؤكد رئيس بلدية تشرشل مايكل سبنس من شعب كري الأصلي “يجب البحث عن النقاط الإيجابية على الدوام”. ويقول سبنس إن تطور السياحة وحركة المرفأ بسبب ارتفاع الحرارة “يوفران أيضا فرصا للنمو الاقتصادي للسكان المحليين”.

فوجود الدببة بكثرة بات يستقطب الآلاف من السياح سنويا إلى هذه المنطقة النائية في مقاطعة مانيتوبا التي تعجز السيارات عن الوصول إليها. ويسمح ذوبان جليد البحر للسفن بالبقاء لفترة أطول في مرفأ المدينة الوحيد الذي يتمتع بمياه عميقة في القطب الشمالي الكندي.

ويطمح رئيس البلدية إلى جعله منفذا طبيعيا في شمال البلاد لتصدير الحبوب التي تزرع في الوسط ولاحقا للمعادن التي قد تستخرج في المناطق القطبية الشمالية الكندية بفضل ذوبان الجليد.

والجزء الأكبر من الثروة المعدنية الكندية موجود في هذه المنطقة من ألماس وذهب ويورانيوم وتنغستن وفلزات الأتربة النادرة.

إلا أن هذه الفرص تعوقها تداعيات أخرى للاحترار المناخي وخصوصا ذوبان الأرض، ما يؤدي إلى تغير المشهد الطبيعي بما يشمل السكك الحديد ما يعرقل نقل المواد الأولية إلى المرفأ.

وفي العام 2017 ألحقت الفيضانات الناجمة عن ذوبان الجليد أضرارا بخطوط السكك الحديد فانقطع النقل عبر القطارات مدة زادت عن 18 شهرا. ومنذ ذلك الحين يشهد المرفأ نشاطا بطيئا.

وفي تشرشل منازل كثيرة متداعية أو أصلحت على عجل. بعضها منازل جاهزة تبدو غير معدة كثيرا لمواجهة البرد القارس مع تدني الحرارة خلال الشتاء في غالب الأحيان إلى دون 40 درجة مئوية.

وينتشر الفقر في هذه المدينة التي يشكل السكان الأصليون نحو 60 في المئة من أبنائها (إينويت وكري وديني وخلاسيون). ويقيم أبناء الشعوب الأولى (5 في المئة من الكنديين و18 في المئة من سكان مانيتوبا) في مجتمعات غالبا ما تعاني من البطالة والمساكن السيئة والتمييز.

وفي هذه المدينة يعيش 64 في المئة من الأطفال دون خط الفقر، ما يدفع مسألة حماية البيئة إلى المرتبة الثانية في سلم اهتمامات البعض.

18