تسارع نموّ مشاريع قطاع الهيدروجين يغير جغرافية تجارة الطاقة

رسم خبراء الوكالة الدولية للطاقة المتجددة خارطة طريق لما ستكون عليه مشاريع إنتاج الهيدروجين مستقبلا ومدى تأثير حصتها في مزيج الطاقة العالمي باستخدام التقنيات المتوفرة اليوم خاصة وأن تسارع نمو استثمارات هذا المجال الواعد من شأنه تغيير جغرافية الطاقة العالمية.
أبوظبي - أكدت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) من خلال تقرير كشفت عن تفاصيله عشية القمة العالمية لطاقة المستقبل 2022 التي تستضيفها أبوظبي بداية من الاثنين أن هذا القطاع سيحدد موازين جديدة لتجارة الطاقة عالميا خلال السنوات المقبلة.
وأوضح خبراء الوكالة في تقرير “جيوسياسية تحول الطاقة: عامل الهيدروجين” أن الهيدروجين سيعيد ترتيب علاقات الطاقة إقليميا، ما يمهّد لظهور مراكز نفوذ جديدة في هذا المضمار بالتوازي مع تراجع تجارة النفط والغاز.
ويفضي تشكيل قواعد ومعايير وحوكمة الهيدروجين إلى فتح حقبة أفضل من التعاون الدولي دون إغفال أن مساعدة البلدان النامية تحديدا على نشر تقنيات الهيدروجين الخضراء وتطوير صناعات الهيدروجين يساهم في منع اتساع الفجوة العالمية في عزل الكربون.
ويتمثل تشكيل بيئة مثالية لهذه الصناعة في تعزيز المساواة والشمولية وخلق سلاسل قيمة محلية وحفز الصناعات الخضراء والوظائف في البلدان الغنية بمصادر الطاقة المتجددة.
وتشير التقديرات إلى أن إنتاج الهيدروجين سيغطي نحو 12 في المئة من استخدامات الطاقة العالمية بحلول 2050، مدفوعا بالحاجة الملحة لمكافحة التغير المناخي والتزامات البلدان بتبني طاقة صفرية الانبعاثات.
ويُرجح أن تؤدي التجارة المتنامية والاستثمارات المستهدفة في سوق يهيمن عليها الوقود الأحفوري البالغ قيمتها 174 مليار دولار إلى تعزيز التنافسية وتغيير مشهد الشراكات مع اختلاف الصفقات بشكل كبير عن العلاقات الهيدروكربونية التي سادت القرن العشرين.

فرانشيسكو لا كاميرا: الهيدروجين يثبت نفسه كحلقة مفقودة في بناء طاقة المستقبل
ونسبت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إلى فرانشيسكو لا كاميرا مدير عام الوكالة قوله “يمكن للهيدروجين أن يثبت نفسه كحلقة مفقودة في بناء مستقبل الطاقة الصديقة للبيئة”.
وأضاف “يبدو واضحا أن الهيدروجين يقود ثورة الطاقة المتجددة في ضوء الدور المحوري الذي يلعبه الهيدروجين الأخضر لتحقيق الحياد المناخي دون المساس بمستويات النمو الصناعي والتنمية الاجتماعية”.
لكن المؤكد أن الهيدروجين ليس نفطا جديدا والانتقال إليه لا يلغي الحاجة إلى الوقود، وإنما هو تحول إلى نظام جديد قد ترافقه العديد من الاضطرابات السياسية والتقنية والبيئية والاقتصادية.
ويعتقد لا كاميرا أن الهيدروجين الأخضر سيؤدي إلى مشاركة المزيد من اللاعبين في السوق وتنويع الطرق والإمدادات وتعدد مراكز القوى.
وقال إنه “مع التعاون الدولي، ستغدو سوق الهيدروجين أكثر ديمقراطية وشمولية وعدالة في الفرصة المتاحة للبلدان المتقدمة والنامية على حدّ سواء”.
وتتوقع الوكالة أن أكثر من 30 في المئة من الهيدروجين ستكون قابلة للاتجار عبر الحدود في السنوات الثلاثين المقبلة، متفوقا بذلك على حصة الغاز الطبيعي اليوم.
وباتت العديد من البلدان التي لم يكن لها سابقا دور مؤثر في تجارة الطاقة باتت تسعى حاليا إلى إقامة علاقات ثنائية في مجال طاقة الهيدروجين.
ورغم ظهور المزيد من اللاعبين وفئات جديدة من المستوردين والمصدرين على المسرح العالمي، يرى لا كاميرا أنه من غير المحتمل أن تصبح تجارة الهيدروجين قوة احتكارية أو يتم استخدامها كسلاح على عكس التأثير الجيوسياسي للنفط والغاز.
ومن المتوقع أن تنمو تجارة الهيدروجين عالميا بشكل كبير مع شروع أكثر من 30 دولة ومنطقة بالفعل في التخطيط لبناء علاقات تجارية نشطة.
ويضاف إلى ذلك أن بعض الدول التي يُتوقع أن تكون مستوردة لهذه الطاقة تعمل اليوم على إرساء سياسات دبلوماسية للهيدروجين مثل اليابان وألمانيا.
وينظر مصدّرو الوقود الأحفوري بشكل متزايد إلى الهيدروجين النظيف باعتباره وسيلة جذابة لتنويع اقتصاداتهم ويتجلى ذلك في سياسات بعض دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات وسلطنة عمان، إلى جانب أستراليا.
ولبلوغ الهدف تؤكد الوكالة على ضرورة تبني استراتيجيات أوسع نطاقا للتحول الاقتصادي لأن الهيدروجين لن يعوض الخسائر في عائدات النفط والغاز.
وتتجاوز الإمكانات التقنية لإنتاج الهيدروجين بشكل كبير الطلب العالمي المتوقع، فالبلدان الأكثر قدرة على توليد كهرباء متجددة رخيصة ستكون أكثر قدرة كذلك على إنتاج هيدروجين أخضر قادر على المنافسة.
ويقول لا كاميرا إن ثمة العديد من الدول التي تستورد كامل احتياجاتها من الطاقة، مثل المغرب وناميبيا وتشيلي، يمكنها أن تصبح مصدّرة للهيدروجين الأخضر.
ومن شأن تحقيق إمكانات مناطق مثل والشرق الأوسط وأفريقيا والأميركتين وأوقيانوسيا أن يحد من مخاطر تركيز الصادرات، لكن العديد من البلدان ستحتاج إلى نقل التكنولوجيا وتطوير البنية التحتية والاستثمار على نطاق واسع.
ومن المرجح أن يتحدد الدور الاقتصادي للهيدروجين النظيف على مراحل مختلفة. ويشير التقرير إلى أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين شهد سباقا محموما على الريادة التكنولوجية، ولكن من المتوقع زيادة الطلب فقط في منتصف العقد الثالث من القرن الحالي.
وحتى ذلك الوقت، سيصبح الهيدروجين الأخضر منافسا لهيدروجين الوقود الأحفوري من حيث التكلفة على مستوى العالم، ومن المتوقع حدوث ذلك خلال وقت مبكر في بلدان مثل الصين والبرازيل والهند.
وكان الهيدروجين الأخضر خيارا معقول التكلفة بالفعل في أوروبا إبان ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي خلال العام الماضي. ومن المرجح أن يؤدي تجديد خطوط أنابيب الغاز الطبيعي إلى زيادة الطلب وتسهيل تجارة الهيدروجين.
ويمكن للدول الغنية بمصادر الطاقة البديلة أن تصبح مراكز متقدمة للتصنيع الأخضر، إذ تستطيع استخدام إمكاناتها لجذب الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
وعلاوة على ذلك، فإن امتلاك حصة من سلسلة القيمة لسوق الهيدروجين يعزز القدرة التنافسية الاقتصادية لهذه الدول، حيث سيعتمد نمو الأعمال على تصنيع معدات مثل أجهزة التحليل الكهربائي وخلايا الوقود على وجه الخصوص.
وشرعت كل من الصين واليابان وأوروبا بالفعل في تطوير هذه المعدات، إلا أن الابتكار سيكون العامل الأهم في بلورة مشهد التصنيع الحالي.
ويسهم الهيدروجين الأخضر بتعزيز مستويات استقلال الطاقة والاستقرار والمرونة من خلال تقليل الاعتماد على استيراد الطاقة، وتفادي تبعات تقلب الأسعار، وتعزيز مرونة نظام الطاقة.
ومع ذلك، فإن المواد الخام اللازمة لتقنيات الهيدروجين والطاقات المتجددة الأخرى قد تلفت الانتباه إلى الأمن المادي فقد ينعكس نقص الإمدادات وتقلبات الأسعار على سلاسل توريد الهيدروجين بما يؤثر سلبا على التكلفة والإيرادات.
