تزييف التاريخ للتحكم في المستقبل

أمثلة كثيرة لمغالطات الزعماء والقادة حول العالم، والسيطرة على الذاكرة أمر صعب في عصر الإنترنت.
الأربعاء 2018/12/05
تزييف الحقائق والتاريخ

لندن - عادة ما يحب الزعماء الدكتاتوريون الجنوح إلى قاعدة سهلة لكنها شعبوية ولا تخرج مقاصدها عن نشر المغالطات وخاصة عبر تزييف التاريخ خدمة لأهوائهم وأغراضهم أو لنشر شعبويتهم بالنهل مما يحفظه التاريخ ما يناسبهم وترك أو طمس ما يخدم من سبقهم في بناء أو تحرير أو حتى تخريب أوطان.

ويعد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أحد أبرز مزوري التاريخ، حيث تطرق في خطاب أمام طلاب الجامعة في 22 يوليو الماضي بعنوان “هل ستنتمي أوروبا إلى الأوروبيين؟” إلى كيفية تطبيق خطة سوروس لجلب “مئات الآلاف من المهاجرين” كل عام من العالم الإسلامي إلى الاتحاد الأوروبي.

وأضاف “كان الهدف هو تحويل القارة الأوروبية إلى قارة إسلامية جديدة”. كان هذا، كما قال أوربان، هو السبب وراء “سحب بروكسل المستمر للقوى من الدول الأوروبية”.

ويتميز أوربان، وفق ما كتبت ناتالي نوغاريد في صحيفة الغارديان البريطانية، بأنه شخصية شعبوية، اعتاد على إذكاء مشاعر كره الأجانب والمشاعر المعادية للمسلمين، فهو يتبنى نظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة، ورسالته ليست مجرد أخبار مزيفة عن الحاضر، لأن الأمر يتعلق إلى حد كبير بتحريف التاريخ.

ويقول أوربان “لم تكن أمتنا قريبة كما هي اليوم لاستعادة ثقتها وحيويتها منذ معاهدة تريانون”، في إشارة إلى معاهدة ما بعد الحرب العالمية التي حرمت هنغاريا من ثلثي مساحتها الكلية. وكانت الفكرة الموجهة من أوربان هي أن المجر يجب أن تسعى إلى تعويض هذا الإذلال التاريخي.

أوربان أحد أبرز مزوري التاريخ
أوربان أحد أبرز مزوري التاريخ

وتؤكد نتالي أن أوربان ليس الوحيد في العالم العاشق لمهمة التلاعب بالتاريخ لتعزيز أهدافه السياسية. ففي تركيا، يسعى الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تمجيد الماضي العثماني في ظل توسيع لصلاحياته.

وتعتبر السيطرة على الذاكرة جزءا متأًصلا أيضا في قلب نظام بوتين في روسيا، حيث لم تتم إعادة إحياء ذكرى ستالين فقط، من خلال تشييد معالم جديدة لتكريمه في جميع أنحاء البلاد، لكن المؤرخين ونشطاء حقوق الإنسان الذين يعملون على توثيق جريمة ستالين تعرضوا لضغوط سياسية.

وفي الصين، تعتبر حكومة شي جين بينغ، أي ذكر لأهوال الثورة الثقافية أو مذبحة ساحة تيانانمن تحديا لحكم الحزب الشيوعي. ويتضح أن فقدان الذاكرة الجماعية هو ما يسعى إليه النظام في القضايا التي  تخاطر بتقويض شرعيته. لا يكفي إلقاء المعارضين في السجون أو فرض الرقابة على المعلومات، لكن القضاء على التاريخ وتطهيره هما على ما يبدو الهدفان الأهم.

وفي حين أنه من المغري الاعتقاد بأن إعادة كتابة التاريخ هي شيء موجود حصريا في الأنظمة غير الليبرالية أو الدكتاتورية، إلا أن الأمر أصبح الآن سمة مميزة للحكومات الديمقراطية، حيث سعى خطاب دونالد ترامب في وارسو إلى وصف كفاح بولندا التاريخي من أجل الحرية والاستقلال بمعركة “حضارية” من أجل ترسيخ القيم العائلية، والتقاليد بدلا من التطلع إلى الديمقراطية.

وفي بريطانيا، يقدم مؤيدو بريكست نسختهم الخاصة من التاريخ عبر الحنين إلى أيام الإمبراطورية الذي يأتي مصحوبا بالمبدأ القائل إن المشروع الأوروبي ما هو إلا عبودية استبدادية طوال الوقت. ولم يكن لبريطانيا أبدا رأي في أي شيء قرره الاتحاد الأوروبي، والآن لديها فرصة “لتحرير” نفسها.

يحتوي كتاب جورج أورويل “ناينتين إيتي فور” على عبارة مشهورة عن التاريخ وأهميته “من يتحكم في الماضي يتحكم في المستقبل. ومن يتحكم في الحاضر يتحكم بالماضي”. وقد كان الماضي دائما ساحة معركة. لكن، اليوم وفي ظل تدفق المعلومات في عصر الإنترنت، يمكن للباحثين والطلاب والصحافيين والمواطنين بشكل عام الوصول إلى الماضي دون الحاجة إلى تعرضهم لشكل من أشكال السيطرة المركزية أو التأثير.

7