تزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية يحوّل الأزمة من عسكرية إلى أزمة قيم

استخدام هذه الأسلحة ينتهك القانون الإنساني الدولي، أي مبدأ التمييز، كما أن المخاوف تتعلق بانتهاك مبدأ التناسب والقاعدة المضادة للهجمات العشوائية.
الجمعة 2023/07/14
قنابل ممنوعة قانونيا

لندن - في السابع من الشهر الحالي وقبل أيام من انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في فيلنيوس، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستزود أوكرانيا بقنابل عنقودية إلى أن تتمكن من إنتاج أنواع أخرى من الذخائر. وهو قرار مثير للجدل يتعارض مع وجهة نظر حلفاء الناتو الذين حظروا امتلاك واستخدام هذه الأسلحة وفق اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008.

ورغم الحظر تقول تقارير إن روسيا استخدمت هذه القنابل بينما تحتاجها أوكرانيا لتدمير المزيد من الأهداف الروسية بعدد أقل من الذخائر، إذ يمكن إطلاق هذا النوع من القنابل من مدافع هاوتزر عيار 155 ملم، مع كل عبوة تحمل 88 قنبلة صغيرة.

ويبلغ مدى كل قنبلة صغيرة قاتلة حوالي 10 أمتار مربعة، لذلك يمكن أن تغطي العبوة الواحدة مساحة تصل إلى 30 ألف متر مربع، اعتمادا على الارتفاع الذي تنطلق منه القنابل الصغيرة.

ويمكن للقنابل الصغيرة اختراق الدروع المعدنية، ويؤكد خبراء أن 10 قنابل صغيرة قادرة على تدمير مركبة مدرعة، فيما يمكن إعطاب أسلحة المركبات المدرعة بقنبلة صغيرة واحدة.

باتريشيا لويس: هناك مخاوف إنسانية كبيرة من استخدام القنابل العنقودية
باتريشيا لويس: هناك مخاوف إنسانية كبيرة من استخدام القنابل العنقودية

وتقول الدكتورة باتريشيا لويس مديرة برنامج الأمن الدولي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني “تشاتام هاوس”، وراشمسين ساجو مديرة برنامج القانون الدولي بالمعهد إنه رغم إعلان إدارة بايدن أنها تلقت تأكيدات من أوكرانيا بأنه لن يتم استخدام هذه القنابل في المناطق المأهولة بالمدنيين، وأن أوكرانيا ستحتفظ بتسجيلات وخرائط تتعلق بأماكن استخدامها وأنها ستقوم بعملية تطهير بعد الحرب، تظل هناك مخاوف إنسانية كبيرة من استخدام القنابل العنقودية، وإن القرار الأميركي – الأوكراني يبعث إلى العالم رسالة خاطئة تماما، لاسيما الدول التي لم تنضم بعد إلى اتفاقية عام 2008.

وتضيف الباحثتان لويس وساجو في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس إن كل قنبلة عنقودية يمكن أن تنشر عشرات أو مئات الذخائر الصغيرة على مساحة واسعة النطاق. وأحيانا لا تنفجر هذه الذخائر الصغيرة على الفور-وهو ما يطلق عليه معدل الفشل- وتترك في البيئة، وغالبا ما تغوص في الأرض أو المياه. وفي الحروب الأخيرة ظلت معدلات الفشل مرتفعة وتراوحت بين 10 و40 في المئة رغم أنها كانت أقل كثيرا في مرحلة الاختبار.

وكانت تداعيات هذه الذخائر الصغيرة التي لم تنفجر مماثلة للاستخدام طويل المدى للألغام المضادة للأفراد، وأسوأ منه في بعض الحالات.

وتبقى هذه الذخائر سنوات وحتى عقودا بعد الاستخدام، وغالبا ما يلتقطها الأطفال الذين يعتقدون أنها لُعب وعند انفجارها يُشوهون أو يُقتلون. والنتيجة واحدة سواء كان من أطلق هذه الذخائر عدوا أو من جانبهم.

وينتهك استخدام هذه الأسلحة القانون الإنساني الدولي، أي مبدأ التمييز (الحاجة في أي صراع مسلح إلى التمييز بين المقاتلين والمدنيين، وبين الأغراض العسكرية والمدنية). كما أن المخاوف تتعلق بانتهاك مبدأ التناسب والقاعدة المضادة للهجمات العشوائية.

وتعتبر اتفاقية الذخائر العنقودية جزءا مهما من القانون الدولي لحظر استخدام الذخائر العنقودية تمشيا مع مبادئ القانون الدولي الإنساني الذي يركز على احتياجات المدنيين.

وحتى الآن يبلغ عدد الدول الأطراف في الاتفاقية 111، وهناك 12 دولة موقعة عليها. وهي تحظر استخدام ونقل وتخزين الذخائر العنقودية. وتطلب من الدول التي انضمت إليها تدمير مخزوناتها من هذه الأسلحة، وتطهير المناطق الملوثة بذخائر صغيرة لم تنفجر وتقديم المساعدات للضحايا.

وتقول لويس وساجو إن الولايات المتحدة وأوكرانيا لم توقعا على الاتفاقية حتى الآن، وكذلك الصين والهند. ولكن بعض الدول الأوروبية انضمت إلى الاتفاقية، بما في ذلك أعضاء في الناتو مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا.

لل

وفي حقيقة الأمر أدى إبرام اتفاقية الذخائر العنقودية ودعمها من جانب الكثير من الدول حتى الآن إلى توقف مهم في استخدام القنابل العنقودية من جانب بعض الدول غير الأطراف في الاتفاقية، بما في ذلك الولايات المتحدة، مما يوضح أهمية الإدانة الدولية لهذه الأسلحة.

وأشارت لويس وساجو إلى أن روسيا تستخدم القنابل العنقودية طوال حربها ضد أوكرانيا، إلى جانب الألغام الأرضية والأسلحة الحرارية الفراغية، وهددت باستخدام الأسلحة النووية. كما استخدمت أوكرانيا مخزون القنابل العنقودية الذي يعود إلى عهد الاتحاد السوفييتي. ولكن حتى الآن لم تقم أي دولة من دول الناتو بتزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية، وقد نفت تركيا وأوكرانيا تقارير تفيد بأن تركيا فعلت ذلك.

ويرى مؤيدو قرار الولايات المتحدة أن عدد الذخائر العنقودية الأميركية التي لن تنفجر أقل كثيرا من عدد الذخائر والألغام الأرضية التي لم تنفجر بالفعل في أوكرانيا.

كما يقولون إن عدد المدنيين الأوكرانيين الذين سيقتلون سيكون أكثر كثيرا إذا لم تواصل أوكرانيا هجومها المضاد، وإن أوكرانيا سوف تخسر الحرب إذا لم يتم تزويدها بالذخائر الملائمة.

واختتمت لويس وساجو تقريرهما بالقول إن غزو روسيا لأوكرانيا عامي 2014 و2022 غير قانوني. كما أن التهديدات باستخدام الأسلحة النووية والوضع المستمر في محطة زابوريجيا للطاقة النووية متهورة إلى أقصى حد. وتعكس تصرفات روسيا حقيقة أن الحرب لا تتعلق فقط بوحدة أراضي وسيادة أوكرانيا، رغم أن هذا أمر أساسي، وإنما تتعلق أيضا بالقيم والالتزام بحكم القانون.

7