تزايد مخاطر المواجهة العسكرية بين الغرب وإيران في الخليج

تزايد القلق من نشوب حرب في الشرق الأوسط تأتي بتداعيات عالمية منذ أن انسحبت الولايات المتحدة العام الماضي من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، وأعادت فرض العقوبات عليها وقفزت قضية أمن الملاحة في الخليج، الذي يمر عبر نحو خمس إمدادات النفط العالمية، إلى صدارة الأجندة العالمية منذ مايو عندما اتهمت واشنطن طهران بالوقوف وراء تفجيرات ألحقت أضرارا بست ناقلات على مدى عدة أسابيع.
واشنطن- نقلت وكالة الإعلام الروسية الخميس عن وزارة الشؤون الخارجية قولها إن لديها انطباعا بأن الولايات المتحدة تبحث عن ذريعة لصراع في الخليج، فيما لم تستبعد دول أوروبية مواجهة عسكرية بين واشنطن وإيران، لكنها تبذل مساعي حثيثة للحيلولة دون ذلك.
ونقلت الوكالة عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا قولها “الأحداث هناك تتحرك حقا نحو منعطف خطير، وهناك مخاطر من اندلاع اشتباك عسكري واسع النطاق”.
وأضافت زاخاروفا “مبدئيا لدينا شعور بأن واشنطن تبحث وحسب عن ذريعة لإثارة الموقف ومواصلة التصريحات العدائية تجاه إيران والانتقال إلى مرحلة من الصراع أنشط وأكثر سخونة”، مشيرة إلى أنّ تحرك واشنطن لتشكيل مهمة بحرية في مضيق هرمز يبدو محاولة فجّة للضغط على إيران. ومن المتوقع أن تردّ إيران بطريقة سيئة على إعلان أوروبا تشكيل تحالف بحري دولي لحماية حرية الملاحة في مياه الخليج ومضيق هرمز، ففي وقت سابق من الأسبوع الحالي قال مسؤول في الحكومة الإيرانية “سمعنا أنهم يعتزمون إرسال أسطول أوروبي إلى الخليج، وهو يحمل بشكل طبيعي رسالة عدائية” إلى إيران.
ويقول الأدميرال الأميركي السابق والمحلل الاستراتيجي جيمس ستافريديس إن القرار الأوروبي الجيد بزيادة عدد السفن الحربية المنتشرة في الخليج، والرد الإيراني، الذي مازال لحسن الحظ في مجرد كلام، يمكن أن يزيد احتمالات حدوث خطأ في الحسابات العسكرية، وبالتالي نشوب مواجهة مسلّحة في المنطقة.
وبالطبع فإنه في خلفية المشهد يأتي الصراع الأميركي الإيراني الذي تصاعد في أعقاب قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الموقّع عام 2015، والذي كان يستهدف وضع حدّ للبرنامج النووي الإيراني، فإدارة الرئيس ترامب قرّرت الانسحاب من الاتفاق احتجاجا على محدودية نطاقه وعدم جدواه في الحد من الأنشطة الإيرانية الخطيرة من وجهة نظر الإدارة، على خلاف موقف حلفاء أميركا الأوروبيين.
وفيما قررت الإدارة الأميركية تشديد العقوبات على إيران، ردت طهران على التحركات الأميركية بمحاولة إظهار سيطرتها على مضيق هرمز، وقدرتها على إغلاقه في أي وقت تختاره، بما يؤدي إلى اضطراب شديد في الاقتصاد العالمي. وهذه الاستراتيجية الإيرانية، ستصطدم بالموقف الغربي الذي يرى أنه يمتلك وجودا عسكريا قويا في هذا المضيق البحري المهم، ومن العار السماح بحدوث شيء فيه.
وهاجمت إيران منشآت بحرية سعودية وأسقطت طائرات أميركية مسيّرة دون طيار فوق مضيق هرمز، ولغّمت سفنا في الخليج ثم صادرت ناقلة نفط بريطانية. وحتى الآن فإنّ الرد الغربي على الممارسات الإيرانية يبدو قويا، حيث شددت واشنطن عقوباتها على طهران، كما قررت الدول الأوروبية باستثناء ألمانيا إرسال المزيد من السفن الحربية إلى الخليج لحماية الملاحة فيه. ولذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وما هي خيارات الحلفاء الغربيين لتهدئة الأزمة، مع مواصلة الضغط على إيران لتعديل سلوكها السيء؟
ويرى ستافريديس أن إيران ليس لديها ميل ولا دافع للتراجع عن مواقفها، وربما يزيد الإيرانيون تحرّكاتهم العدائية ضد الملاحة التجارية في الخليج، سواء بوضع ألغام بحرية في مضيق هرمز كما فعلت أثناء الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن العشرين في ما عرف باسم “حرب الناقلات” أو حتى بإغراق إحدى السفن فعليا، وربما باستخدام غوّاصة تعمل بمحرك ديزل.
ويمكن للإيرانيين كذلك توسيع نطاق المواجهة من خلال استخدام القوى التابعة لها في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان لضرب إسرائيل، أو لواء الفاطميين الشيعي الأفغاني لمهاجمة القوات الأميركية في أفغانستان. وإذا قامت إيران بمثل هذه الخطوات المتهورة، فمن المحتمل أن يرد الغرب عليها عسكريا وسيتم توسيع نطاق وحجم التحرك الدولي لحماية الملاحة في الخليج.
وبحسب الجنرال جو دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية فإن الولايات المتحدة ستشارك في حماية الملاحة في الخليج من خلال عملية عسكرية تحمل اسم “الحارس”، حيث ستشارك في هذه العملية من خلال أعمال الاستخبارات والأعمال اللوجستية والدعم والقيادة والسيطرة.
ويقول الأدميرال ستافريديس إنه من واقع خبرته العسكرية للعشرات من السنين في الخليج، بما في ذلك قيادته لمجموعة قتال حاملة الطائرات الأميركية إنتربرايز أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فإنه متأكد من أن القيادة المركزية الأميركية ستوفّر الكثير من الخيارات العسكرية أمام الرئيس ترامب.
وتضمّ قائمة الخيارات الأميركية، إرسال كاسحة ألغام في الخليج، حيث توجد بالفعل كاسحة من هذا النوع في البحرين، أو إغراق السفن الحربية الإيرانية وهو ما فعلته الولايات المتحدة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، في إطار عملية عسكرية باسم “فرس النبي”.
وتضمّ قائمة الخيارات المتاحة لدى العسكرية الأميركية، ضرب قواعد الدفاع الجوي الإيرانية والتي كانت ضمن قائمة الأهداف التي كانت ستستهدفها عملية عسكرية أميركية قبل أن يتراجع عنها ترامب في اللحظة الأخيرة في يونيو الماضي، كما يمكن للولايات المتحدة شنّ هجمات إلكترونية ضد المنشآت العسكرية الإيرانية، وربما ضد شبكات كهرباء المدينة عندما تكون هذه الشبكات تدعم البنية التحتية العسكرية.
ولكن هل يمكن للولايات المتحدة تجنّب الحرب مع إيران؟ كل الأطراف لديها الدوافع للوصول إلى مائدة التفاوض. الولايات المتحدة ستطالب بتعديلات حقيقية لسلوك إيران ووقف حروبها بالوكالة في اليمن وسوريا، وإنهاء دعمها لأنشطة حزب الله اللبناني المعادية لإسرائيل، والحدّ من برامجها لتطوير الصواريخ الباليستية، وفوق كل ذلك التوصل إلى اتفاق نووي أطول مدى مع إيران. في المقابل يريد الإيرانيون رفع العقوبات عنهم والسماح بدخول الاستثمارات الأجنبية إلى بلادهم، والحصول على ضمانات بعدم سعي واشنطن إلى تغيير نظام الحكم في إيران.
ومن الناحية التكتيكية يمكن القول إن الأمور تتدهور في الخليج قبل أن تبدأ في التحسّن، لكن بمرور الوقت، فإنه لن يكون من مصلحة أي طرف الانزلاق إلى الحرب، فاشتعال حرب خلال الفترة المقبلة ليست في صالح ترامب مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020.وتبقى هناك فرصة للوصول إلى اتفاق، لكن مخاطر الحسابات الخطأ مازالت تتزايد.