ترميم كنيسة القيامة يوحّد ما فرّقته الطوائف

ترسم عملية ترميم كنيسة القيامة تقاربا بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة الروم الأرثوذكس والكنيسة الرسولية الأرمنية بعد قرون من الاختلاف.
القدس - تشرع الطوائف المسيحية الثلاث، التي تتشارك في أقدس مواقعها الدينية منذ قرون، في إنجاز مشروع واسع النطاق لترميم الأرضية الحجرية القديمة لكنيسة القيامة. ويتضمن المشروع تنقيبا يمكن أن يسلّط الضوء على تاريخ الكنيسة الغني، حيث بنيت في موقع يؤمن المسيحيون بأن المسيح قد صلب فيه ومات وقام مرة أخرى، وهو الحدث الرئيسي الذي يتم الاحتفال به كل ربيع في عيد الفصح.
ويشير الترميم إلى مزيد من التحسن في العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة الروم الأرثوذكس والكنيسة الرسولية الأرمنية التي كانت لها في الماضي خلافات بشأن الموقع الذي تتشارك فيه في إطار ترتيب دقيق يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر. كما أن لثلاث طوائف أخرى وصولا إلى الكنيسة محدد بتوقيتات وشعائر.
وقال القس فرانشيسكو باتون، رئيس الرهبانية الكاثوليكية الفرنسيسكانية المكرسة للحفاظ على المواقع المسيحية في الأراضي المقدسة، إن التعاون بين الطوائف الثلاث هو الأهم؛ فهو يظهر للعالم أجمع أن من الممكن أن تقوم علاقة أخوية بين المسيحيين من الكنائس والجماعات المختلفة.
واتفقت الطوائف الثلاث في 2016 على ترميم الكنيسة المقدسة في الموقع الذي يُعتقد أن المسيح دُفن فيه، وهو أول تجديد على نطاق واسع منذ التنظيف الذي أعقب حريق 1808.
مهندس مسلم يشرف على عملية ترميم واحد من أكثر المواقع قدسية لدى المسيحيين
وأشار تجديد مبنى الضريح إلى الحاجة إلى المزيد من الإصلاحات للأرضية التي تضم أحجارا من الفترة الصليبية في القرن الثاني عشر، وإضافات حديثة من القرن التاسع عشر وبقع من الخرسانة والملاط، وهي جزء من التجديدات السابقة والأكثر. وسيكون إصلاح الأرضية التي تبلغ مساحتها 1200 متر مربع على مراحل للسماح باستمرار الخدمات والزيارات. كما سيشمل الإصلاح خطوط الصرف الصحي والكهرباء الممتدة أسفل الكنيسة، والتي تقع في قلب البلدة القديمة المكتظة بالسكان في القدس.
ويترأس المشروع أسامة حمدان، وهو مهندس معماري فلسطيني مسلم من القدس عمل على الحفاظ على المواقع اليهودية والمسيحية والإسلامية في جميع أنحاء الأرض المقدسة. وقال إنه لشرف كبير أن يعمل في الكنيسة التي يراها جزءا من تراثه الثقافي. وتابع “إنه جزء كبير من تاريخ هذه المنطقة، ونحن نتاج تراكم الثقافات”.
وفي احتفال بمناسبة بدء المشروع أقر بطريرك القدس للروم الأرثوذكس في القدس، ثيوفيلوس الثالث، بأنه كان “وقتا عصيبا للإنسانية”، مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وعدم الاستقرار في أماكن أخرى. وأضاف “بينما نهتم بهذا المكان المقدس ونستعيده، نشارك في رسالة الأمل التي تنبع من القبر المقدس ليس فقط للمسيحيين، ولكن للأشخاص ذوي النوايا الحسنة في جميع أنحاء العالم أيضا”.
وبعد دراسة أولية أجريت على مدار العامين الماضيين، عندما كانت الكنيسة فارغة إلى حد كبير بسبب جائحة فايروس كورونا، بدأ العمل هذا الشهر.
ويتم تمويل مشروع التجديد، الذي تبلغ تكلفته 11 مليون دولار من التبرعات ومن المتوقع أن يكتمل في مايو 2024، اعتمادا على ما يجده علماء الآثار من جامعة سابينزا في روما بالتنسيق مع المعهد الفرنسيسكاني لعلوم الكتاب المقدس وعلم الآثار في القدس. وقال باتون “نتوقع دائما بعض المفاجآت عندما تكون الحفريات الأثرية في الإطار”.
وتقول التقاليد المسيحية إن يسوع قد صلب على يد الرومان خارج أسوار المدينة تماما كما كانت موجودة قبل 2000 سنة، ودُفن في مقبرة كهفية قريبة.
واضطهد الرومان المجتمع المسيحي المبكر، وقام الإمبراطور هادريان ببناء معابد وثنية في الموقع.
وبعد أن اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية في القرن الرابع سافرت والدته هيلانة إلى الأراضي المقدسة لتحديد المواقع المرتبطة بالمسيح والكنائس الضخمة، بما في ذلك الكنيسة المترامية الأطراف في الموقع التقليدي للصلب والدفن. وأحرق الغزاة الفرس هذا الهيكل في عام 614 ودمره الحاكم بأمر الله مرة أخرى في 1009، حيث اضطهد اليهود والمسيحيين وحتى إخوانه المسلمين.
ومنحت عملية الترميم التي أنجزها الصليبيون في القرن الثاني عشر كنيسة القيامة مظهرها الحالي. ومنذ 1852 كان الموقع محكوما بترتيب صارم لتقاسم السلطة بين مختلف الطوائف المسيحية المعروفة مع تسليم عائلة مسلمة مفاتيح الكنيسة لتضحى بحوزتها مدة 800 سنة على الأقل.
وبموجب هذا الترتيب أجرت مختلف الطوائف ترميمات أصغر للكنائس الخاضعة لسيطرتها، لكن العمل الجماعي للحفاظ على المناطق المشتركة غالبا ما كان بعيد المنال.
وجاءت دعوة للتنبه إلى مصير الكنيسة في 2015، عندما أغلقت السلطات الإسرائيلية المكان لفترة وجيزة، معتبرة أنه غير آمن.
وتحسنت العلاقات بين الطوائف بشكل مطرد منذ ذلك الحين، حتى مع استمرار الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والنزاعات الإقليمية الأخرى. ويبدو أن أعمال الترميم نفسها قد ساعدت الكنائس المختلفة على تصحيح اختلافاتها. وقال باتون “يسهل الحوار حقا عندما تفعل شيئا ما مع الآخرين. ويساعد العمل معا الناس على معرفة بعضهم البعض ووضع أسس الثقة”.