تركي ثلاثيني يعيد الحياة لآلة الإسطرلاب القديمة

بورصة (تركيا) - يعمل الحرفي التركي جبرائيل جقرقايا، من ولاية بورصة التركية (غرب)، من خلال النظر إلى الصور وتتبع المعلومات الواردة في المصادر القديمة، على صنع نسخ طبق الأصل من آلة الإسطرلاب التي استخدمها علماء الفلك المسلمون في العصور القديمة، وخاصة في العصور الوسطى، لقياس ارتفاع الأجرام السماوية وحساب التوقيت المحلي وأوقات الصلاة.
ويقضي جقرقايا، وهو موظف حكومي (37 عامًا)، معظم أوقات فراغه في إعادة صناعة آلة الإسطرلاب في ورشته التي تبلغ مساحتها 10 أمتار مربعة والموجودة في إحدى الخانات التاريخية.
ويعمل الشاب الثلاثيني في ورشته على إنتاج نسخ طبق الأصل من آلة الإسطرلاب الدائري المستخدم في القياسات الفلكية في العصور القديمة، مع حرصه على الالتزام بأدق التفاصيل ليكون المنتج نسخة طبق الأصل من آلة الإسطرلاب.
ومنذ نحو عشر سنوات، يعمل جقرقايا على إنتاج مجموعة من الأعمال الفنية التي تتطلب صناعتها مهارات يدوية عالية، بناءً على طلبات خاصة من المتاحف وجامعي الأعمال الفنية.
وأجرى جقرقايا قبل البدء بإنتاج الإسطرلاب، مجموعة من الأبحاث في الصور والمعلومات الواردة بالمصادر القديمة، ليقضي بعدها أشهرًا في العمل لإنتاج أول نسخة طبق الأصل من آلة الإسطرلاب.
وقال الحرفي التركي إن اهتمامه بالصناعات اليدوية بدأ منذ نعومة أظفاره، كما عمل لسنوات في نحت الخشب وصناعة مجموعة من المنحوتات الخشبية. وأضاف أنه تعلم العديد من مهارات فن النحت ومعالجة النحاس على يد أحد الحرفيين المشهورين في مدينة شانلي أورفة التركية (جنوب)، حيث عمل قبل انتقاله إلى بورصة.
وتابع "أثناء بحثي في تاريخ العلوم، تعرفت على الإسطرلاب، وكيفية عمله، والغرض من استخدامه. يمكنني استخدام منشار الرقصة بشكل جيد جدا، وكذلك العمل في مجال النحت، واعتقدت أنني أستطيع نحت الخطوط على النحاس، وهو ما يلزم من أجل إنتاج الإسطرلاب".
ولفت إلى أن "الإسطرلاب عادة ما يكون مصنوعًا من مادة النحاس، نظرًا لمتانة هذا النوع من المعادن وسهولة استخدامه، فضلًا عن سهولة قراءة الخطوط والكتابات الموجودة على هذا المعدن".
ويتم نقش ونحت الخطوط والكتابات على آلة الإسطرلاب، وفق جقرقايا، مضيفا “بعد ذلك نقوم بالعمل على الأجزاء التي نسميها العنكبوت، كما يتم أيضًا إفراغ بعض الأجزاء بمنشار قص. أفعل كل ذلك في هذه الورشة، بتقنيات قديمة.. أقوم بإعادة بناء الآلة بنفس التقنيات القديمة التي تم استخدامها قبل 1000 عام”.
وأشار إلى أن “عدد الأشخاص الذين يقومون بهذا العمل وباستخدام وسائل تقليدية منخفض جدا"، كاشفا أنه يدرس في هذه الأثناء 8 أنواع مختلفة من الإسطرلابات. وأوضح "قمت بدراسة ثمانية أنواع مختلفة من الإسطرلابات، ترجع لفترة السلطان بايزيد الثاني ما بين 1505-1506، والدولة الرسولية في اليمن (1229-1454)، والمزولة الشمسية المحمولة لنورالدين زنكي".
◙ جبرائيل جقرقايا يعمل على تسليط الضوء مجددا على هذه الآلة القديمة (الإسطرلاب) وإظهار أهميتها في تطوير العلوم وخاصة الفلك
والمزولة الشمسية هي أول ساعة اخترعها الإنسان، وكان العرب المسلمون يستخدمونها لتحديد أوقات الصلاة، فهي تعتمد على الشمس وزاوية انحرافها عن الأفق، أي أن مبدئها يعتمد على الزوايا عوضاً عن الساعة والدقائق والثواني.
وصنع "أول إسطرلاب فني في التاريخ عام 975 ميلادي، من قبل عالم الرياضيات والفلكي أبومحمود حميد بن الخضر الخجندي، الذي عاش في أواخر القرن العاشر للميلاد”، بحسب جقرقايا.
وقال إنه "يعمل منذ عام على صناعة إسطرلاب فضي"، مشيرًا إلى أنه لم يجد في المصادر التاريخية إسطرلابًا مصنوعًا من الفضة لذلك قرر أن يقوم بصناعة أول إسطرلاب فضي.
ولفت إلى أن إنتاج الإسطرلاب ليس عملاً تجارياً له سوق، بل يقوم بإنتاج أعداد من هذه الآلة القديمة والتقليدية، بناءً على طلبات يتلقاها من أشخاص ومؤسسات، وخاصة المتاحف وجامعي الأعمال الفنية.
وذكر أنه يعمل أيضا من خلال عمله على "تسليط الضوء مجددًا على هذه الآلة القديمة (الإسطرلاب)، وإظهار أهميتها في تطوير العلوم، وخاصة الفلك، وأهمية المساهمة التي قدمها العلماء المسلمون في الحضارة الإنسانية".