تركيا حليف غير مضمون لدى الناتو

الحفاظ على العلاقات مع روسيا على حساب الأطلسي قرار محفوف بالمخاطر بالنسبة إلى تركيا.
الثلاثاء 2022/05/24
واشنطن تدرك جيدا أهداف أنقرة الخفية

تبتعد تركيا بقرارات الرئيس رجب طيب أردوغان وتقاربه المستمر من روسيا، عن حلف شمال الأطلسي، مرجحة الكفة لصالح أهدافها التجارية والاقتصادية والعسكرية، حتى صارت بمثابة عضو غريب وغير مضمون ولا يأبه بالأمن القومي للحلف.

واشنطن - تلتزم تركيا بتقاربها مع روسيا على حساب التحالفات الدولية، ومن بينها حلف شمال الأطلسي الذي باتت أنقرة حجر عثرة داخله، وصارت قراراتها تصب في مصلحة حليفتها موسكو وتهدد حتى بتوسيع الحلف.

وانضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” منذ العام 1952، لكنها بعد عقود لم تعد منضبطة للاستراتيجيات الدفاعية المشتركة للحلف، حيث تسبب شراؤها لمنظومة الدفاع الجوي أس - 400 من روسيا في انزعاج غربي واضح كانت له تبعات في علاقاتها، لاسيما مع الولايات المتحدة.

ومؤخرا، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمنع توسيع الحلف، عبر ضم فنلندا والسويد، وهو ما يرى فيه بقية الأعضاء تقويضا للأمن الجماعي لحلف الأطلسي.

ديفيد فيليبس: تركيا أصبحت عضوا غريبا في المجتمع الأوروآسيوي

ومنذ الرابع والعشرين من فبراير الماضي، تشن روسيا هجوما عسكريا على جارتها أوكرانيا، ما خلف أزمة إنسانية ودفع عواصم عديدة إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية على موسكو.

ويرى السياسي الأميركي ديفيد إل. فيليبس، مدير برنامج بناء السلام وحقوق الإنسان في جامعة كولومبيا، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بذلت جهدا كبيرا من أجل تعزيز الوحدة عبر الأطلسي، لمعاقبة روسيا على مهاجمتها لأوكرانيا والحد من قدرتها على التعدي على دول أخرى في المستقبل. ومع ذلك، تعتبر تركيا، العضو في “الناتو”، حليفا غريبا وغير مضمون.

ويقول فيليبس، في تقرير نشرته مجلة ناشونال أنتريست الأميركية، إن تركيا انتقدت روسيا لمهاجمتها أوكرانيا، ولكنها رفضت الانضمام إلى العقوبات الدولية التي تم فرضها عليها، والتي تهدف إلى الحد من قدرة الكرملين على تمويل الحرب وخوضها. ومن جانبه، يعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على كسب ود طرفي الصراع من أجل تعزيز قوته الإقليمية ومكاسبه الاقتصادية.

ويرى فيليبس أن القيام بأعمال تجارية مع روسيا قرار محفوف بالمخاطر بالنسبة لتركيا. كما أنه من الممكن أن تواجه البنوك التركية الخاصة والحكومية، التعرض لتدقيق دولي، بالإضافة إلى احتمالية فرض عقوبات صارمة عليها نتيجة خرق العقوبات المفروضة على روسيا. ويمكن أن تؤثر العقوبات على قدرة تركيا على الاقتراض من الأسواق الدولية.

ويركز أردوغان على الحفاظ على علاقات بلاده الاقتصادية مع روسيا، حيث إن تركيا هي خامس أكبر سوق للصادرات الروسية، كما أن روسيا هي عاشر أكبر سوق للصادرات التركية.

وكانت موسكو قد قامت في العام الماضي بتزويد أنقرة بحوالي 50 في المئة من غازها المستورد، وبـ17 في المئة من النفط، وحوالي 40 في المئة من البنزين.

وتعد روسيا أيضا سوق صادرات رئيسيا للفاكهة والخضراوات القادمة من تركيا. وكانت تركيا قد قامت في عام 2021 بتصدير كمية كبيرة للغاية تقدر بحوالي 1.5 مليون طن متري من الفاكهة والخضراوات الطازجة إلى روسيا. كما كانت روسيا مصدرا لـ56 في المئة من واردات تركيا من الحبوب، وذلك بقيمة 2.24 مليار دولار.

أردوغان يسعى إلى توسيع نفوذ تر كيا الإقليمي من خلال العمل كوسيط بين روسيا وأوكرانيا
أردوغان يسعى إلى توسيع نفوذ تر كيا الإقليمي من خلال العمل كوسيط بين روسيا وأوكرانيا

وتعد السياحة الروسية مساهما رئيسيا آخر في الاقتصاد التركي، حيث قام سبعة ملايين مواطن روسي بزيارتها في عام 2019.

وبينما رفضت الكثير من الدول منح حق الهبوط والتحليق لخطوط “إيروفلوت” الجوية الروسية، فإن تركيا لا تزال باقية على مجالها الجوي مفتوحا أمام شركة الطيران الروسية الحكومية. ويمنع الاتحاد الأوروبي السفن الروسية من الوصول إلى موانئ الدول التابعة له، إلا أن تركيا تقوم باستقبالها.

وبالإضافة إلى ذلك، ترفض تركيا الانضمام إلى أعضاء الناتو الذين يقومون بإرسال معدات عسكرية إلى أوكرانيا. وعندما تم قصف المدن الأوكرانية بالصواريخ ومن خلال القوات الجوية، رفضت تركيا مقترح واشنطن بنقل صواريخ الدفاع الجوي الخاصة بها من طراز “أس – 400″، والتي كانت روسيا قد زودتها بها، إلى أوكرانيا. كما رفضت أنقرة إرسال أسلحة أخرى تعود إلى الحقبة السوفيتية، وكان يمكن أن تساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها.

وتساعد روسيا في بناء محطة “أكويو” التركية للطاقة النووية في محافظة مرسين. ويصل حجم الاستثمار الروسي إلى 20 مليار دولار، ويلتزم أردوغان ببناء محطتين جديدتين من شأنهما الربط بين طموحات تركيا النووية وروسيا في المستقبل القريب.

بينما رفضت الكثير من الدول منح حق الهبوط والتحليق لخطوط "إيروفلوت" الجوية الروسية، فإن تركيا لا تزال باقية على مجالها الجوي مفتوحا أمام شركة الطيران الروسية

وفي تجاهل لتكلفة التعامل التجاري مع الدائرة المقربة لبوتين، يسعى أردوغان إلى توسيع نفوذ تركيا الإقليمي من خلال العمل كوسيط بين روسيا وأوكرانيا. وكانت تركيا قامت في مارس الماضي بجمع مسؤولين روس وأوكرانيين في أنطاليا وإسطنبول، وفشلت المناقشات في إحراز أي تقدم ملموس.

ويقول فيليبس، الذي شغل من قبل منصب كبير المستشارين وخبير الشؤون الخارجية في وزارة الخارجية الأميركية، إنه نظرا لأنهما دولتان أوروآسيويتان يحكمهما “مستبدون”، من المنطقي أن تشترك روسيا وتركيا في تحالف استراتيجي معين.

وتتسم “البوتينية”، وهي نظام الحكم في روسيا، بتركيز السلطات السياسية والمالية في أيدي مسؤولي الاستخبارات السابقين. أما “الأردوغانية” فهي شكل من أشكال الاستبداد الشعبوي. وفي كلا البلدين تتمثل مهمة الحكومة في تعزيز مصالح القيادة أكثر من خدمة الناخبين.

ويقول فيليبس إن روسيا في ظل حكم بوتين تعتبر قضية خاسرة، يديرها رجال عصابات وقادة فاسدون. أما تركيا في ظل دكتاتورية أردوغان، فهي على شفا الوصول إلى وضع منبوذ. ويأمل أردوغان في أن تؤدي الحرب وفرض العقوبات إلى تشتيت انتباه الناخبين الأتراك عند ذهابهم إلى صناديق الاقتراع في عام 2023.

ويشدد السياسي الأميركي على أن تركيا في مفترق طرق الآن. ففي طريق يكمن الإصلاح مع تسامح مع من يريدون تركيا ديمقراطية حقيقية، تحترم الأقليات وحقوق الإنسان. ويكمن في الطريق الآخر حكم فاسد بدرجة كبيرة وانتهاكات لحقوق الإنسان، في الوقت الذي تصبح فيه تركيا عضوا غريبا في المجتمع الأوروآسيوي.

7