تركيا تنسج سيناريوهات تهديد وهمي لقطر لتبرير تدخلها في الخليج

أنقرة - تعمل تركيا عبر آلتها الإعلامية والدعائية على ترسيخ فكرة دخول قطر تحت حمايتها، وذلك من خلال نسج سيناريوهات وهمية بشأن تعرّض هذا البلد الخليجي الصغير لتهديدات من قبل جيرانه.
ونشرت مجلة “يارتسيك حياة” (الحياة الحقيقية) التركية المحلّية، الثلاثاء، مقالا ادّعى كاتبه محمد أجيت أن القوات التركية أحبطت انقلابا في شهر يونيو الماضي على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
واتّهم الكاتب كلاّ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بتحريك قوات للإطاحة بالأمير، مسندا “دورا بطوليا” للقوات التركية التي أجبرت تلك القوات على التراجع.
ويصف خبراء الشؤون الأمنية والعسكرية هذا السيناريو بـ”الغرائبي والموغل في الخيال”. وأكّد مسؤول أمني قطري متقاعد، طلب عدم الكشف عن اسمه لتجنّب الملاحقة من السلطات القطرية، عدم تسجيل أي تحرّك عسكري غير طبيعي في ليلة الخامس من يونيو الماضي التي ادّعى صاحب المقال أنّها شهدت محاولة الانقلاب المزعومة.
وقال إنّ تحرّكا من هذا القبيل في تلك المنطقة شديدة الحساسية حيث تحتفظ الولايات المتحدة بإحدى أكبر قواعدها العسكرية الخارجية، كان سيكشف على الفور.
وقال أجيت في مقاله إنّ القوات التركية عملت على حماية مكان إقامة الشيخ تميم بالدوحة في الليلة الأولى للأزمة التي نشبت بين قطر والدول الأربع التي أعلنت مقاطعتها بسبب دعمها للإرهاب، وهي السعودية والإمارات ومصر والبحرين.
وأورد في مقاله “أنّ القوات السعودية والإماراتية عجزت عن الإطاحة بالأمير القطري واضطرت لأن تعود أدراجها في منتصف الطريق”، مدّعيا “أن عضوا في الحكومة التركية، طلب عدم الكشف عن اسمه، أكّد أنّ نحو 200 جندي تركي تلقوا أمرا في 5 يونيو الماضي، بحماية مقرّ إقامة الأمير تميم خلال الليل تحسبا لمحاولة الإطاحة به”.
ويبدو سرد الأحداث بهذه الطريقة، مع القفز على تفاصيل مهمّة من قبيل الجهة التي كشفت المخطّط المزعوم، وموقف القوات الأميركية المتواجدة على الأراضي القطرية، والطريق التي سلكتها “القوات المهاجمة”، ونقطة انطلاقها، والجهة التي تولّت قيادتها، وهل كانت قوات جوية أم بحرية، أقرب إلى أسلوب القصص الخيالية.
سيناريو مهين للقوات القطرية التي لم يرد ذكرها في قصة إحباط الانقلاب المزعوم رغم إنفاق المليارات على تسليحها
وأضاف أجيت أنّ طائرات سلاح الجو التركي كانت مستعدة للتحرّك خلال الليل أيضا، موضّحا أنّ قرار تركيا هذا جاء بعد اتصال أجراه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأمير قطر الذي طلب -حسب المقال- من أنقرة التحرّك وحماية الدوحة قبل محاولة القوات السعودية والإماراتية القيام بانقلاب.
وممّا تجدر ملاحظته في المقال هو الإغفال التامّ لأي دور للقوات المسلّحة القطرية في عملية إفشال “الانقلاب”، وكأنّ تلك القوات رغم إنفاق المليارات على تسليحها غير موجودة على الأرض.
والقفز على ذكر القوات القطرية ملائم تماما لمقال صحافي تبدو الغاية الواضحة من ورائه تكريس صورة قطر كمحمية تركية، وترسيخ فكرة أنّ التواجد العسكري التركي على الأراضي القطرية بمثابة مسألة وجودية لهذه الدولة الصغيرة التي دخلت في خصومة مع محيطها ما كرّس عزلتها عنه.
ومن هذا المنظور فإن مقال المجلّة التركية يأتي في صميم العمل الدعائي التركي الموازي للجهود السياسية والدبلوماسية لأنقرة، لتعميق الشرخ بين قطر وحاضنتها الطبيعية الخليجية، للاستفراد بها. ومن المفارقات أنّ المقال ذاته يلائم مسعى القيادة القطرية للترويج لمظلوميتها، ولتصوير قطر مهدّدة من قبل جيرانها الأقربين، وذلك في إطار تبرير الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها تلك القيادة سواء في عهد الأمير الحالي الشيخ تميم أو في عهد والده الشيخ حمد، والتي أقامت علاقات وثيقة مع منظمات متشدّدة مثل جماعة الإخوان المسلمين وبدّدت جزءا من ثروة البلاد في دعمها ورعايتها وضحّت لأجلها بالعلاقة الحيوية مع المحيط الخليجي والعربي.
وتجد تركيا التي تورّطت تحت حكم رجب طيّب أردوغان، في صراعات دامية وملفّات شائكة أثرت سلبا على علاقاتها الإقليمية والدولية، وانعكست بشكل واضح على وضعها الاقتصادي وحتى الأمني، في الأزمة القطرية، فرصة ثمينة لاحتواء الدوحة والاستفادة من ثروتها الهائلة المتأتية من عائدات الغاز الطبيعي.
وباتت قطر بفعل عزلتها عن محيطها الخليجي والعربي مدار صراع شرس بين تركيا وإيران الساعية بدورها للفوز بحصّة من الكعكة القطرية.
ووفّرت قطر لتركيا موطئ قدم في منطقة الخليج، ملّبية بذلك طموحات رجب طيّب أردوغان لتزعّم العالم الإسلامي وإحياء “أمجاد” من يسمّيهم “أجداده” العثمانيين.
وكانت لتركيا قوات محدودة العدد على الأراضي القطرية، وبمجرّد اندلاع أزمة الدوحة مع البلدان الخليجية الثلاث ومصر في يونيو الماضي سارع البرلمان التركي لسنّ قانون يسمح بنشر قوات إضافية في قطر.
واتّضحت في السنوات الأخيرة ملامح “تحالف” بين قطر وتركيا، أساسه دعم الحركات الإسلامية المتشددة التي يكاد يحصل إجماع دولي على تجريمها وتصنيفها في خانة الإرهاب، لكن المراقبين يقولون إنّه تحالف مصلحي، لجهة قيامه على “نزوات سياسية”، مرتبطة بوجود إسلاميين على رأس الدولة التركية.
ويصف محلّلو الشؤون الخليجية ذلك التحالف بـ”الأعرج” نظرا لعدم تكافؤ طرفيه، ما يجعل قطر المعزولة في محيطها القريب عرضة للاستغلال والابتزاز من قبل تركيا التي تفوقها قدرات في كل المجالات.