تركيا تعود إلى البلقان على حساب الاتحاد الأوروبي

توسع أنقرة في منطقة البلقان لن يكون مرحبا به في العديد من عواصم الاتحاد الأوروبي.
الثلاثاء 2022/07/05
توسع صارخ يزعج الدول الأوروبية

أنقرة - منح الاتحاد الأوروبي أوكرانيا ومولدوفا صفة مرشح لعضوية التكتل بشكل رسمي أواخر الشهر الماضي.

ووصف القادة الأوروبيون قرارهم بأنه “لحظة تاريخية” بالنسبة إلى أوروبا، ولم تتم الإشارة إلى متى سيتم الوصول إلى تلك اللحظة التاريخية.

وقد جاهدت الدول الأخرى المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي لسنوات، بل لعقود، وهي في “غرفة الانتظار الأبدية” في انتظار الانضمام إلى الاتحاد، ولم يؤدّ هذا إلى إثارة الشكوك حول فائدة الاتحاد لدول أوروبا الشرقية فقط، بل فتح المجال لظهور وسطاء إقليميين آخرين.

لنأخذ دور تركيا في غرب البلقان على سبيل المثال، فعلى الرغم من أن غرب البلقان لا يزال يدور في المدار الجيوسياسي لبروكسل وواشنطن، فإن أنقرة تتحرك بسرعة لتعزيز وجودها الاقتصادي والسياسي في دول مثل صربيا ومقدونيا الشمالية وألبانيا والبوسنة والهرسك.

نيكولا ميلكوفيتش: القوى الأوروبية لن تسمح لتركيا بتعريض مصالحها للخطر

ويجمع تركيا ودول البلقان تاريخ مشترك هو الإمبراطورية العثمانية، لكنها أيضًا دول أعضاء في نادٍ “مثير للخزي”، وهو ناد لدول منحها الاتحاد الأوروبي وضع المرشح لكنها انتظرت بصبر، حيث انتظرت تركيا منذ عام 1999 بلا جدوى.

ويقول المحلل السياسي نيكولا ميلكوفيتش في مقال بموقع "سنديكيشن بيورو" المختص في شؤون الشرق الأوسط، إن عضوية أنقرة وحلفائها في البلقان تبدو اليوم وكأنها طموح ضائع، فقد بدأت ثلاث من دول البلقان، هي صربيا ومقدونيا الشمالية وألبانيا، عملية الاندماج الخاصة بها في مبادرة البلقان المفتوحة، والتي يعتبرها العديد من قادة المنطقة بديلاً عن عضوية الاتحاد الأوروبي.

وتنتهج تركيا سياسة خارجية متعددة الأبعاد، وتلعب دول البلقان دورًا مهمًا في تلك الاستراتيجية، كما وقعت أنقرة اتفاقيات تجارة حرة مع كل دولة من دول غرب البلقان، وبفضل تلك الاتفاقيات، فإنها تعضد بثبات من ثقلها الاقتصادي.

على سبيل المثال، بلغت التجارة الثنائية بين تركيا وصربيا، وهي أكبر اقتصاد في غرب البلقان، حوالي 2 مليار دولار في عام 2021، ومن المتوقع أن تتضاعف لتصل إلى 5 مليارات دولار بنهاية العام الجاري، وعلى مدى العقد الماضي زادت الاستثمارات التركية في صربيا أيضًا بصورة كبيرة من مليون إلى 300 مليون دولار.

ومن المتوقع نمو ذلك التعاون، حيث يخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لزيارة صربيا قريبًا، بينما كان وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو قد زار المنطقة مؤخرًا لعقد اجتماعات مع قادة في صربيا، والبوسنة والهرسك، ومقدونيا الشمالية، وكرواتيا وهي أحدث دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، والتي انضمت إلى الاتحاد في عام 2013 بعد مضي تسع سنوات وهي في خانة الترشيح.

وزار جاويش أوغلو أيضًا كوسوفو، وهو الإقليم الصربي الانفصالي الذي أعلن الاستقلال في عام 2008، واعترفت به تركيا ومعظم أعضاء الاتحاد الأوروبي ومعظم دول البلقان كدولة مستقلة، وإن لم تعترف به البوسنة والهرسك.

قد تكون العلاقات الوثيقة مع تركيا بالنسبة لدول البلقان الصغيرة ذات الطموحات الكبيرة أكثر جاذبية من البقاء إلى الأبد ما بين الجنة والنار

وعلى الرغم من وجود خلافات في ما يتعلق بوضع كوسوفو، إلا أن الشراكة الثلاثية مازالت قائمة، وتنوي أنقرة عقد قمة تجمعها مع البوسنة والهرسك وصربيا قريبًا، بينما أشاد القادة المحليون بالدبلوماسية التركية، حيث وصف ميلوراد دوديك وهو العضو الصربي في رئاسة البوسنة والهرسك، أردوغان مؤخرًا بـ”رجل الدولة العظيم” الذي يتفهم الوضع في دول البلقان.

وعلى الرغم من أن أنقرة تهدف إلى تصوير نفسها لمسلمي البلقان على أنها زاهدة في متاع الدنيا، وخاصة في البوسنة، إلا أنها تولي اهتمامًا أكبر بالتعاون الاقتصادي، ففي صربيا افتتحت أنقرة مصانع واستثمرت في الأعمال التجارية، بينما في البوسنة تركز على ترميم المساجد وتعميق العلاقات الثقافية مع البوشناق، وهي واحدة من ثلاث مجموعات عرقية أصلية.

وتتبادل الدولتان تلك المبادرات، ففي صربيا يمكن للمواطنين الأتراك استخدام بطاقة الهوية القائمة على السمات البيولوجية الخاصة بهم للسفر بدلاً من جواز السفر، وفي عام 2019 منحت صربيا للشرطة التركية الحق في العمل على أراضيها، في حين أن ضباط الشرطة الأتراك في صربيا ليسوا مسلحين ولا يتمتعون بنفس الصلاحيات التي يتمتعون بها في بلدهم، وتخشى بعض منظمات حقوق الإنسان من أن يتم الضغط على صربيا لتسليم منتقدي أردوغان لتركيا، بمن فيهم النشطاء الأكراد.

وتلك المخاوف لها مبرراتها، ففي ديسمبر 2017، أي قبل عامين من توقيع صربيا وتركيا على مذكرة تفاهم بشأن الدوريات الشرطية المشتركة، سلمت بلغراد السياسي الكردي التركي جودت أياز، وطلب من السلطات الصربية تسليم أجاويد بيروغلو إلى تركيا، وهو ناشط كردي آخر، كونه مطلوبا لصلته المزعومة بالإرهاب.

على الرغم من أن أنقرة تهدف إلى تصوير نفسها لمسلمي البلقان على أنها زاهدة في متاع الدنيا، وخاصة في البوسنة، إلا أنها تولي اهتمامًا أكبر بالتعاون الاقتصادي

ويشير ميلكوفيتش إلى أن صربيا ليست الدولة البلقانية الوحيدة التي تتودد إليها تركيا، حيث أن هناك دولا أخرى في المنطقة تحظى أيضًا باهتمام أنقرة، والاستثمارات الإعلامية الأخيرة هي خير مثال على ذلك، فقد أطلقت هيئة الإذاعة التركية العامة “تي.آر.تي” في هذا الشهر خدمة البلقان المصممة لإيصال “صوت تركيا” إلى المنطقة، بالإضافة إلى صربيا والبوسنة، وستقدم المنصة الإخبارية محتوى سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا إلى كرواتيا ومقدونيا الشمالية وألبانيا وكوسوفو والجبل الأسود.

وقد ينزعج أعضاء الاتحاد الأوروبي من مثل هذا التوسع الصارخ في النفوذ، ففي عام 2018 قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه يعارض “البلقان الذي يميل نحو تركيا أو روسيا” في حين أن تعليقاته لم تكن تستهدف قدرات البلقان بقدر ما كانت تستهدف التحديات الداخلية التي كانت تعصف بالاتحاد الأوروبي.

لكن المحلل السياسي يؤكد أن الحقيقة تظل أن توسع تركيا لن يكون مرحبا به في العديد من عواصم الاتحاد الأوروبي، ومن غير المرجح أن تسمح القوى الأوروبية لتركيا بتعريض مصالحها في المنطقة للخطر، وبالتالي ستظل منطقة البلقان بوابة تركيا إلى أوروبا، لكن أنقرة لن تصبح أكبر قوة اقتصادية في المنطقة في أي وقت قريب.

وفتحت وتيرة توسع الاتحاد الأوروبي البطيئة الباب أمام تركيا، والتي تزايد ضجرها من السير في طريق لا نهاية له صوب الانضمام إلى الاتحاد، وتبحث البلدان الإقليمية عن بدائل وخيارات بجوار الانتظار اللانهائي لموافقة الاتحاد الأوروبي على الانضمام غليه، وبالنسبة إلى دول البلقان الصغيرة ذات الطموحات الكبيرة، فقد تكون العلاقات الوثيقة مع تركيا أكثر جاذبية من البقاء إلى الأبد ما بين الجنة والنار.

7