تركيا تستثمر تدهور الوضع الأمني الأوروبي لتحقيق مكاسب

تستغل تركيا التداعيات الأمنية للحرب الروسية – الأوكرانية للضغط على حلف الناتو وأعضائه من أجل تقديم المزيد من الدعم في معركتها ضد حزب العمال الكردستاني والجماعات التي تعتبرها إرهابية.
أنقرة - رغم أن تركيا استفادت كثيرا من عضويتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ربما قد تضع التطورات الجارية على الساحة العالمية بعض الصعوبات أمام أنقرة.
ويقول الباحث التركي جاليب دالاي مدير البحوث في منتدى الشرق بإسطنبول، في تقرير نشره المعهد الدولي للشؤون الملكية (تشاتام هاوس)، “مع تصميم المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف شمال الأطلسي للتعامل مع بيئة أمنية عالمية تحددها منافسة القوى العظمى، كان من المهم بالنسبة إلى أنقرة ضمان عدم التقليل من أهمية قضية الإرهاب”.
ويضيف دالاي “إذا وضعنا جانبا الموضوعات العالمية الرئيسية مثل المناخ أو أمن الإنترنت أو المنافسة على الفضاء، فإن التهديدات الأمنية التقليدية التي تتمحور حول الدولة هي التي تحدد في نهاية المطاف روح هذه الوثيقة (المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف شمال الأطلسي)“.
وللمضي قدما من المرجح أن تستخدم أنقرة هذه الوثيقة ومذكرتها الثلاثية الجديدة مع السويد وفنلندا، للضغط على حلف الناتو وأعضائه من أجل تقديم المزيد من الدعم في معركتها ضد حزب العمال الكردستاني والامتناع عن دعم وحدات حماية الشعب الكردية – السورية وحزب الاتحاد الديمقراطي المرتبط بها.
◙ إثر غزو روسيا لأوكرانيا من الواضح أن الجناح الشرقي أصبح محورا أساسيا لعمل الناتو
ومع ذلك، وبما أن “حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب” محظور فقط كمنظمة إرهابية من قبل تركيا وليس من أي دولة أخرى في حلف شمال الأطلسي، من المرجح أن تستمر هذه القضية في إرباك العلاقات، خاصة مع الولايات المتحدة باعتبارها الشريك الرئيسي للجماعة الكردية في سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، وبعد غزو روسيا لأوكرانيا، من الواضح أن الجناح الشرقي أصبح محورا أساسيا لعمل الناتو. ولكن من وجهة نظر روسية لا ينظر إلى الشرق والجنوب على أنهما فضاءان منفصلان بل كمساحة واحدة، وتركيا لاعب رئيسي في كلا الفضاءين.
وتعد أنقرة قوة رئيسية في منطقة البحر الأسود، لكن تركيا وروسيا تواجه كل منهما الأخرى بالفعل في العديد من النزاعات بمنطقة البحر المتوسط، ولاسيما في سوريا وليبيا.
ويقول دالاي إنه في مواجهة استمرار عدم الاستقرار والفوضى الإقليميين، وانهيار الدولة، وتزايد آثار الأقدام الروسية والصينية، تريد تركيا أن يظل حلف شمال الأطلسي ملتزما بالجناح الجنوبي. وفي المذكرة المفاهيمية كان التركيز القوي على الجوار الجنوبي في الشرق الأوسط وأفريقيا متسقا مع هذا التفضيل.
وبصفتها عضوا في حلف شمال الأطلسي ترحب تركيا بالمناقشات الدائرة حول الأمن الأوروبي، والتي تجري على مستوى الناتو بدلا من الاتحاد الأوروبي، وهي تعتقد أن غزو روسيا لأوكرانيا أظهر أن فكرة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي خالية من المحتوى والقوة، على الأقل في الوقت الحالي.
ويبدو أن الغزو قد كتم هذه المناقشات، حتى أن فرنسا البطل الرئيسي للفكرة صارت نادرا ما تتحدث عن هذه المفاهيم. وباستثناء بولندا كانت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتحديدا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا، أكثر استعدادا في وقت مبكر لتزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية، وخاصة الصواريخ والطائرات المسيرة.
وللمضي قدما من المرجح أن يبرز اختلاف في وجهات النظر والسياسات بين دول حلف الناتو الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول الحلف غير الأعضاء في التكتل، خلال معالجة ملف الأمن الأوروبي.
بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون النقاش داخل الاتحاد الأوروبي أكثر وضوحا من حيث دور ومكانة الجهات الفاعلة الأوروبية الأربع من خارج الاتحاد الأوروبي، وهي المملكة المتحدة وتركيا والنرويج وأوكرانيا. لكن دور تركيا في الأمن الأوروبي ضمن المناقشات على مستوى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك دورها المحتمل في السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، لا يزال غير محدد.
ومع ذلك، فإن تجربة سنوات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإمكانية وجود رئيس آخر ذي عقلية شبيهة بعقلية ترامب في الولايات المتحدة تعنيان أن التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي والأمن الأوروبي لم يعد من الممكن اعتباره أمرا مفروغا منه.
دول الاتحاد الأوروبي ستضطر إلى لعب دور أكبر في الأمن الأوروبي والسيناريو نفسه يؤكد أهمية الحوار المنظم بين تركيا والاتحاد الأوروبي حول البنية الأمنية الأوروبية
وفي مثل هذا السيناريو ستضطر دول الاتحاد الأوروبي إلى لعب دور أكبر في الأمن الأوروبي. ويؤكد السيناريو نفسه بشكل أكبر على أهمية الحوار المنظم بين تركيا والاتحاد الأوروبي حول البنية الأمنية الأوروبية.
ومع العضوية المرتقبة للسويد وفنلندا، ووجود قادة أستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية في مدريد، والتركيز على المنافسة المنهجية مع الصين في المفهوم الاستراتيجي، أصبح حلف شمال الأطلسي أوروبيًّا أكثر في تكوين عضويته ولكنه عالميًّا أكثر في طموحه من خلال إقامة المزيد من الروابط بين أمن المنطقة الأوروبية الأطلسية وآسيا والمحيط الهادئ.
ومن المرجح أن تؤدي عولمة حلف الناتو هذه إلى خلق المزيد من الحاجة إلى ركيزة أوروبية أقوى داخل الحلف، وبالتالي زيادة الحاجة إلى إجراء حوار أمني على مستوى أوروبا بين الاتحاد الأوروبي والقوى الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وأخيرا، وكما هو متوقع، تقع روسيا بشكل لا لبس فيه في فئة العدو بالمفهوم الاستراتيجي، الأمر الذي قد يضع ضغطا على علاقة تركيا المعقدة مع روسيا، حيث طور كلا البلدين تعاونا تنافسيا من خلال مناطق صراع مختلفة (سوريا وليبيا وناغورني قرة باغ) في السنوات الأخيرة. ومن شأن تفكك هذه العلاقات أن يكلف أنقرة ثمنا باهظا، ولكن من غير المرجح أيضا أن يظل نوع العلاقة بين أنقرة وموسكو الذي طورته قبل غزو أوكرانيا مقبولا.