تركيا تدخل على خط تزويد العراق بالكهرباء

تقليص صادرات الغاز الإيراني فرصة أنقرة للتوسع الاقتصادي.
الاثنين 2020/12/28
حاجة العراقيين رهينة وفي تبعية

تستعد تركيا للدخول على خط تزويد العراق بالكهرباء لتعويض تقليص صادرات الغاز الإيراني في ظل عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على معالجة معضلة الانقطاع المزمن للكهرباء وفك الارتهان بطهران، حيث تعتزم أنقرة الاستثمار في حاجة العراقيين بالتوسع اقتصاديا وتوليد الكهرباء من السدود التي أقامتها على نهري دجلة والفرات ما أدى إلى تراجع مستوياتهما.

بغداد - دفعت أزمة الكهرباء العراق إلى التوجه نحو تركيا بعد تلويح إيران بتقليص إمداده بالغاز، ما يعكس فشل خطط الحكومات لإصلاح القطاع الذي يتسم بالفساد وانعدام الحوكمة نظرا لهدر كميّات ضخمة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط عبر حرقها بدل معالجتها واستخدامها.

وقالت وزارة الكهرباء العراقية، الأحد، إن العاصمة بغداد ومدنا أخرى تواجه خطر انقطاعات كبيرة في الكهرباء بعد أن قلصت إيران صادرات الغاز، مما قد يفرض ضغوطا جديدة على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

وقال متحدث باسم الوزارة إن إيران قلصت صادرات الغاز إلى العراق لتصبح خمسة ملايين متر مكعب من 50 مليون متر مكعب قبل أسبوعين بسبب ما تقول إنها مستحقات متأخرة.

وأضاف أنها أبلغت وزارة الكهرباء العراقية رسميا الأحد، بعزمها تقليص الشحنات مجددا إلى ثلاثة ملايين متر مكعب.

مصطفى يلماز: تركيا لها قدرة تمكنها من تلبية احتياجات جيرانها من الكهرباء

وقال المتحدث أحمد موسى إن العراق فقد حوالي 6550 ميغاوات من الكهرباء.

وتابع أن استهلاك العراق اليومي في ساعات الذروة الشتوية يبلغ حوالي 19 ألف ميغاوات بينما لا يولد البلد إلا حوالي 11 ألف ميغاوات، ليعتمد على الواردات في سد الفجوة.

ومن المقرر أن يزور وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان بغداد، الثلاثاء، لبحث المتأخرات مع نظيره العراقي، حسبما ذكر موسى.

ويتم توليد الكهرباء الإيراني إما بصفة مباشرة أو عبر الغاز للمحطات الحرارية العراقية، وفي كثير من الأحيان من واردات عراقية يتم تكريرها أو معالجتها في إيران لتعود إلى بغداد، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول عدم قدرة العراق على تحقيق اكتفائه رغم استخدامه للغاز لاستخراج النفط وحرقه بدل معالجته واستخدامه.

وحثّ المتحدث وزارة المالية العراقية على تسوية الأمر مع إيران لتفادي انقطاع التيار الكهربائي في بغداد ومدن أخرى.

ومددت واشنطن مرارا استثناء العراق من العقوبات المفروضة على إيران لتسعين أو 120 يوما بما يسمح لبغداد باستيراد الطاقة من إيران، لكنها اكتفت في نوفمبر بتمديد لا يزيد على 45 يوما.

ويعاني العراق كثيرا من مشكلة تدني إنتاج الطاقة الكهربائية، ويعمل وفق نظام القطع المبرمج لإمداد الأهالي بالطاقة الكهربائية لعدة ساعات يوميا، فيما يلجأ هؤلاء إلى شراء الطاقة الكهربائية من محطات أهلية لسد النقص في التجهيز وخاصة في فصل الصيف حيث ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات عالية.

وتصر الولايات المتحدة على أن يعمل العراق الغني بالنفط، وثاني أكبر منتج في أوبك، على تحقيق الاكتفاء الذاتي كشرط لإعفائه من العقوبات رغم مشترياته من الطاقة الإيرانية، لكن بغداد تجد صعوبة في تحقيق ذلك، لأسباب منها أسعار النفط المتدنية.

الاستثمار في حاجة العراقيين من الكهرباء
الاستثمار في حاجة العراقيين من الكهرباء

وتبعا لهذه المستجدات، توجهت بغداد نحو أنقرة ومن المنتظر أن تبدأ تركيا الإثنين، تصدير الكهرباء إلى العراق، عبر خط سيلوبي – زاخو لمدة 11 شهرا.

ويأتي ذلك بعد منح هيئة تنظيم سوق الطاقة في تركيا، ترخيصا لشركة “أكسا أكسن” لتجارة الطاقة، بتصدير 150 ميغاوات من الكهرباء للعراق.

وبموجب العقد المبرم مع الجانب العراقي، سيبدأ تزويد العراق بالكهرباء اعتبارا من 28 ديسمبر الحالي وحتى 1 نوفمبر 2021.

ويشار إلى أن تركيا تصدر الكهرباء في الوقت الراهن إلى 3 دول هي جورجيا واليونان وبلغاريا.

ونسبت الأناضول لرئيس هيئة تنظيم سوق الطاقة مصطفى يلماز، قوله إن “القفزات التي حققتها تركيا في قطاع الطاقة في السنوات الأخيرة تبعث على الفخر”.

وأوضح أن تركيا باتت بمستوى يمكنها من تلبية احتياجات جيرانها من الكهرباء، فضلا عن تلبية حاجة السوق الداخلية.

وأعرب عن ثقته بأن تركيا ستزيد من حجم صادراتها من الكهرباء في 2021.

ويشار إلى أن تركيا تولد الكهرباء من السدود التي أقامتها على نهري دجلة والفرات مما أدى إلى تراجع مستويات النهرين.

وتواجه الحكومات العراقية انتقادات بسبب عدم قدرتها على معالجة إشكالية انقطاع الكهرباء المزمنة، حيث يمثل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء مطلبا شعبيا ودوليا لتحقيق الرفاه للمواطنين وفك الارتهان بطهران وضمان فاعلية العقوبات الأميركية ضدها.

العراقي في حاجة للكهرباء
العراقي في حاجة للكهرباء

ومن الحلول المطروحة بجدية ربط الشبكة المحلية بالشبكة الخليجية. وجدّد العراق والولايات المتحدة، ومجلس التعاون الخليجي الدعم الكامل لمشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج.

وترفع حكومة الكاظمي لواء الإصلاح ومحاربة الفساد ووقف هدر مقدّرات الدولة، غير أن هامش تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يبدو شديد الضيق أمامها، فقد جاءت في فترة أزمة شديدة تتميّز بانتشار وباء كورونا وانهيار أسعار النفط الذي يمثل تقريبا المورد الوحيد لميزانية الدولة.

ولا يستثني عراقيون ربط أزمة الكهرباء المستفحلة بأسباب سياسية تتمثّل في حرص الأحزاب الشيعية الحاكمة والشخصيات النافذة المرتبطة بإيران على إبقاء العراق في حالة تبعية لطهران في هذا المجال الحيوي والحسّاس، وهو الوضع الذي لم تجرؤ الحكومات المتعاقبة على تغييره.

5

ملايين متر مكعب قيمة تقليص إيران لصادرات الغاز إلى العراق بسبب مستحقات متأخرة

وفي وقت سابق، كشف تحقيق برلماني في العراق عن حقائق صادمة بشأن حجم الأموال التي صُرفت على قطاع الكهرباء الحكومي، من دون تحقيق أي تقدم على مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين، ما يسلط الأضواء على الأثر الرهيب لفساد أحزاب الإسلام السياسي وسعيها المستمر نحو ابتلاع الدولة وجميع ثرواتها.

وكشف التحقيق الذي أعدته لجنة برئاسة نائب رئيس البرلمان العراقي حسن الكعبي، أن الحكومات المتعاقبة بين 2005 و2019 صرفت على قطاع الكهرباء 80 مليار دولار، من دون أن تلامس ولو من بعيد الحاجة الاستهلاكية للبلاد.

وتعرض قطاع الكهرباء الحكومي إلى أضرار بالغة خلال حرب إخراج العراق من الكويت العام 1991، حيث دمر طيران الولايات المتحدة وحلفاؤها محطات التوليد الكبرى وشبكات النقل الرئيسية ومراكز التوزيع الفرعية، مغرقا البلاد في ظلام تام دام لشهور.

وكان نظام الرئيس الراحل صدام حسين قد تمكن من إعادة التيار الكهربائي إلى أجزاء واسعة من البلاد في وقت قياسي، باستخدام معدات مستعملة، أو أخرى جديدة جرى تعديلها لتناسب الحاجة الملحة.

وبالرغم من أن حصة المحافظات كانت أقل من حصة بغداد خلال الأعوام الأخيرة من عمر النظام، إلا أن الكهرباء كانت موجودة في كل مكان، ولو بشكل متقطع. وحدث الانهيار الأكبر في هذا القطاع بعد العام 2003، إذ جرت سرقة معظم الأموال المخصصة له.

وبينما ازداد عدد السكان وارتفع الطلب على الطاقة، سجلت محطات التوليد وشبكات النقل تراجعا في قدراتها بشكل رهيب، أولا بسبب حاجتها إلى صيانة مستمرة لم تكن متوفرة، وثانيا بسبب الحاجة إلى تخفيف العبء عن الشبكة الوطنية من خلال تعزيزها بمحطات جديدة.

ومن أبرز المفارقات، إقدام العراق في عهد نوري المالكي بين 2006 و2014، على بناء محطات لتوليد الطاقة تعمل بالغاز، الذي تفتقر إليه البلاد أساسا، لمجرد أن الشركات المنفذة قدمت عمولات كبيرة. وشكلت سلسلة المحطات الغازية التي أُنشئت في عهد المالكي صداعا ما يزال مستمرا، بسبب الحاجة إلى استيراد الغاز لها.

لكن تحديد المستفيد من هذه المفارقة سيكشف أسرارها، إذ يدفع العراق الملايين من الدولارات سنويا، منذ أعوام، لإيران كي تزوده بالغاز الذي تحتاجه هذه المحطات. وعلى غرار ذلك جرى التعامل مع قطاع الكهرباء، الذي وجدت فيه الأحزاب بقرة حلوبا قادرة على ملء خزائنها بالملايين.

11