تركيا تجبر القطاع المصرفي على الالتزام بالادخار لإنقاذ الليرة

خفض الفائدة وثبات سعر الصرف واستمرار التضخم أدت إلى هروب المودعين.
السبت 2023/01/07
ما مقدار عمولات السحب من الصراف في بلدانكم؟

تخوض السلطات النقدية التركية جولة جديدة من محاولاتها المستمرة منذ أشهر لدعم الليرة المترنحة، وحماية المودعين من خلال دفع القطاع المصرفي إلى الالتزام بالادخار بالعملة المحلية، الذي تعول عليه أنقرة كأحد الخيارات لدعم الاقتصاد.

أنقرة - كشفت مصادر مطلعة لوكالة بلومبرغ أن البنك المركزي التركي حث البنوك المحلية هذا الأسبوع على تحسين شروط برنامج طارئ للادخار وُضِع ليحمي الليرة، مبديا تذمره من سحب المودعين الأموال منه بحثا عن عوائد أعلى في أوعية أخرى.

وتأتي الخطوة بعدما أجبر المركزي قبل أسابيع القطاع المصرفي على حيازة المزيد من السندات المقومة بالعملات الأجنبية مع مضاعفة الحيازات المقومة بالليرة لحماية الاقتصاد الذي يعاني رغم الأرقام الوردية التي تعلن عنها الحكومة بين الفينة والأخرى.

وبدأ تطبيق برنامج الادخار الذي تقول الحكومة إنه يَعِد بتوفير عائد مضمون من جانب الدولة على الودائع بالليرة الذي يتناسب أو يتفوق على أي انخفاض لها أمام الدولار في خِضَم أزمة العملة التي شهدتها تركيا في أواخر عام 2021.

ومنذ ذلك الحين أصبح أداة رئيسية بيد الحكومة للعمل على استقرار العملة التركية بعدما فقدت نحو 30 في المئة من قيمتها في غضون شهر.

 جلدم أتاباي شانلي: الليرة ستظل تحت الضغط حتى انتهاء الانتخابات القادمة
جلدم أتاباي شانلي: الليرة ستظل تحت الضغط حتى انتهاء الانتخابات القادمة

لكن سلسلة من تخفيض أسعار الفائدة نزولا عند رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان، وثبات سعر الصرف نسبيا، وبلوغ معدل التضخم نحو 65 في المئة أدت إلى نتائج عكسية.

ويقول الخبراء إن تلك العوامل مجتمعة تسببت في تآكل العائد من هذا البرنامج، ما دفع أصحاب الودائع إلى البحث عن أرباح أعلى في الأسهم، أو في العملة الصعبة، أو الذهب والاستثمارات الأخرى.

وعانى برنامج الادخار من أعلى مستوى لصافي التدفقات الخارجة أسبوعيا في تاريخه خلال آخر أسبوع من ديسمبر الماضي، متراجعا إلى أدنى مستوى منذ سبتمبر مع سحب ما يقرب من 3 مليارات دولار.

ويتمثل مصدر قلق الحكومة الآن في أن الليرة التي يجري تداولها فعلا قرب مستويات قياسية متدنية قد تتعرض لفترات جديدة من التقلب مع تلاشي الدعم الذي كانت توفره تلك الودائع المحمية.

وأكدت المصادر، لم تكشف بلومبرغ هويتها، أن مسؤولين من البنك المركزي التقوا مع ممثلي البنوك الأسبوع الجاري للتعبير عن استيائهم إزاء التخارج من برنامج الادخار.

وطلب المركزي خلال الاجتماع أيضا من البنوك تقديم عوائد أفضل للمودعين الذين يحولون ما بحوزتهم من العملات الأجنبية إلى الليرة من أجل المشاركة في برنامج الادخار.

وقالت جلدم أتاباي شانلي المحللة لدى مؤسسة إسطنبول أناليتيكس إن الليرة “ستظل تحت ضغط حتى انتهاء الانتخابات” الرئاسية المقررة في الصيف القادم.

سيلفا بحر بازيكي: الادخار سيتقلص مع سعي المودعين لنيل عوائد أعلى
سيلفا بحر بازيكي: الادخار سيتقلص مع سعي المودعين لنيل عوائد أعلى

وأضافت “لم تعد الودائع المحمية من تقلبات النقد الأجنبي جاذبة للمستثمرين وسط انخفاض أسعار الفائدة على الليرة”.

وأشارت إلى أن المتعاملين “يفضلون، في إطار سعيهم للقيمة وسط ارتفاع معدلات التضخم، أن يستثمروا في بورصة الأوراق المالية أو في بدائل أخرى مثل العودة إلى النقد الأجنبي أو حتى زيادة الاستهلاك”.

ويقضي نظام الإيداع المحمي بالعملات الأجنبية بإمكانية فتح المدخرين حسابات بالليرة التي يمتلكونها بالفعل أو بعملة أجنبية يمكنهم تحويلها أو الذهب.

وحال انخفاض قيمة الليرة بأكثر من سعر الفائدة على الحساب، فإن الخزانة التركية مسؤولة عن دفع الفرق للمجموعة الأولى أي الحسابات بالليرة، والبنك المركزي للمجموعة الثانية أي الحسابات بالعملات الأجنبية أو الذهب.

وبحسب وزير المالية التركي نورالدين نبطي فقد كلف هذا البرنامج الخزانة التركية نحو 5 مليارات دولار.

وتعتقد المحللة في بلومبرغ سيلفا بحر بازيكي أن الاستقرار النسبي لليرة يؤدي إلى تحديد العائد على الودائع المحمية بالنقد الأجنبي تأثرا بسعر الفائدة الأساسي لدى البنك المركزي، الذي يشهد انخفاضا حاليا.

ورجحت أن يستمر الخروج الكبير من برنامج الادخار مع سعي المودعين للحصول على عوائد أعلى في استثمارات بديلة، بما في ذلك بورصة الأوراق المالية والذهب وحتى الودائع العادية بالليرة.

مصدر قلق الحكومة الآن يتمثل في أن الليرة التي يجري تداولها فعلا قرب مستويات قياسية متدنية قد تتعرض لفترات جديدة من التقلب

ورغم وجود 1.46 تريليون ليرة (77.7 مليار دولار) في برنامج الادخار حتى الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي، إلا أن العملة التركية كانت من بين الأسوأ من حيث الأداء في الأسواق الناشئة خلال 2022.

وواصلت العملة التركية هبوطها إلى أدنى مستوى قياسي الخميس الماضي، إذ انخفضت بنسبة 0.2 في المئة إلى 18.7868 ليرة مقابل الدولار.

ويأتي ذلك بينما تباطأ التضخم التركي بأشد وتيرة له منذ أكثر من ربع قرن في ديسمبر الماضي، وهو تباطؤ قد يكون معرضا لخطر الإنفاق العام المخطط له قبل الانتخابات.

وارتفعت أسعار الاستهلاك بنسبة 64.3 في المئة في ديسمبر من المستويات التي كانت عندها قبل عام، وفق وكالة الإحصاء الحكومية، مقارنة بزيادة 84.4 في المئة في الشهر السابق.

ويعزو المحللون التراجع الحاد إلى ما يسمى بالتأثير الأساسي والذي يجعل الزيادات في الأسعار على أساس سنوي تبدو أصغر مقارنة بالمعدلات المرتفعة جدا والمسجلة قبل 12 شهرا.

وتفي هذه النسبة بوعد حملة أردوغان بأن التضخم سيبدأ في التراجع في بداية العام بعد وصوله إلى أعلى مستوياته العام الماضي منذ العام 1998.

وعزا نبطي تسجيل معدلات تضخم قياسية العام الماضي إلى “الظروف الصعبة في جميع أنحاء العالم”، واعدا بمستقبل أكثر إشراقا.

واندلعت الأزمة الاقتصادية الأخيرة في تركيا عندما قام أردوغان الذي لطالما كان يعارض أسعار الفائدة المرتفعة بالضغط على البنك المركزي بغية خفض الارتفاع الشديد في أسعار الاستهلاك من خلال خفض تكاليف الاقتراض.

Thumbnail

وتقوم التوصيات الاقتصادية التقليدية على دفع صناع السياسات إلى لجم التضخّم من خلال احتواء الطلب ورفع تكلفة الأعمال من خلال رفع أسعار الفائدة.

وخفض المركزي سعر الفائدة بمقدار خمسة في المئة العام الماضي، ليصل إلى 9 في المئة بعد أن دعا أردوغان إلى سعر فائدة من رقم واحد بحلول نهاية العام. وبرر البنك التخفيضات بالقول إن الظروف المالية يجب أن تظل داعمة للحفاظ على نمو الإنتاج الصناعي.

وأظهر استطلاع أجرته رويترز الجمعة أنه من المتوقع أن يتقلص مؤشر الإنتاج الصناعي التركي على أساس سنوي للمرة الأولى منذ 2020 في نوفمبر، مع تضرر المصنع من تباطؤ في بعض الشركاء التجاريين الرئيسيين لتركيا.

وانتعش النشاط الصناعي بقوة بعد الموجة الأولى لفايروس كورونا في أبريل 2020 وتوسع لأكثر من عامين متتاليين منذ ذلك الحين. لكن النمو السنوي تباطأ بشكل كبير منذ الصيف، مع تراجع الطلب بسبب التباطؤ العالمي الأوسع.

وأظهر متوسط التقديرات لست مؤسسات انكماشا سنويا بنسبة 0.95 في المئة على مؤشر الإنتاج الصناعي المعدل في نوفمبر.

وتوقع ثلاثة اقتصاديين أن يتوسع المؤشر، الذي يُنظر إليه على أنه مؤشر أولي للنمو، بنسبة تصل إلى واحد في المئة، بينما توقع الثلاثة الآخرون انكماشا يصل إلى 2.8 في المئة.

10