تركيا تتودد إلى الجمهوريات السوفييتية السابقة للوقوف أمام روسيا

الفصل الأخير مع موسكو لم يكتب بعد لدى "إخوة تركيا".
الثلاثاء 2023/11/14
المنظمة أكثر من مجرد تكتل لدول ناطقة بالتركية

تتحرك تركيا مستغلة الأوضاع الجيوسياسية والاضطرابات الإقليمية لتعزيز الترابط بين دول منظمة مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية، وعينها على إخراج روسيا تدريجيا من جنوب القوقاز وآسيا الوسطى واكتساب القوة اللازمة التي تجعلها قادرة على الوقوف أمام موسكو.

واشنطن - بينما يركز العالم على تخفيف حدة الحرب بين إسرائيل وحماس والصراع المستمر في أوكرانيا، تركز تركيا على الظفر بموطئ قدم في الجمهوريات السوفييتية السابقة في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى. وتوفر الثقافة المشتركة الأساس المنطقي لتوثيق وشائج العلاقات، والواقع أن الصفقات التجارية والأمنية التي تم التفاوض عليها مع منظمة مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية “أو.تي.أس” تمثل الدافع الفعلي.

وتأسست منظمة الدول الناطقة بالتركية (المجلس التركي سابقا) في 2009، وتضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان، فيما تحمل كل من المجر وتركمانستان وشمال قبرص التركية (التي لا تعترف بها إلا أنقرة) صفة عضو مراقب فيها.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة المنظمة الأسبوع الماضي في العاصمة الكازاخستانية أستانا، إن اللغة التركية هي التي تربط تركيا بأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان، وردد الزعيم التركي الدعوات إلى أبجدية تركية مشتركة، وقال إن عنصر اللغة مهد الطريق لوحدة تلك الدول.

وعلى الرغم من أن النداء رمزي إلى حد كبير، إلا أنه كان رسالة إلى كازاخستان وأوزبكستان للتخلي عن الحروف السيريلية، التي تشكل أساس النص الروسي لصالح الأبجدية اللاتينية، التي اعتمدتها تركيا في عام 1928. وقامت أذربيجان حليفة أنقرة بتلك الخطوة في عام 2001 في خطوة ينظر إليها بوضوح على أنها تنصل من الحكم السوفييتي السابق، بينما تحولت تركمانستان إلى النص اللاتيني حتى قبل ذلك في تسعينات القرن العشرين وهي دولة في منصب مراقب في المنظمة.

نيكولا ميكوفيتش: رؤية تركيا لنظام عالمي بقيادتها نظرة من جانب واحد
نيكولا ميكوفيتش: رؤية تركيا لنظام عالمي بقيادتها نظرة من جانب واحد

ويقول المحلل السياسي نيكولا ميكوفيتش إنه بالنسبة إلى تركيا، فإن المنظمة هي أكثر من مجرد كتلة لإنشاء سيناريو مشترك، بل إنها أداة ناشئة يمكن أن تساعد تركيا على إخراج روسيا من جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، وهي مناطق مهمة إستراتيجيا حيث يشكل الناطقون بالتركية معظم السكان.

والسؤال الكبير هو ما إذا كان الأعضاء الآخرون في منظمة مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية يشاركون تركيا ذلك الطموح؟

ويرى المحلل السياسي ميكوفيتش في مقال له بموقع “سنديكيشن بيورو” المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والأدنى، أن الأدلة تشير حتى الآن إلى أن تلك الدول لا تملك ذلك الحماس. فعلى سبيل المثال، يتمثل أحد أهداف تركيا في إقناع دول “أو.تي.أس” بدعم الجمهورية التركية لشمال قبرص، حيث تعتبر الجمهورية المعترف بها من قبل تركيا فقط، جزءا من جمهورية قبرص، ومثل تركمانستان، تعد جمهورية شمال قبرص التركية دولة في منصب مراقب في منظمة مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن أعضاء منظمة الدول الناطقة بالتركية منقسمون بشأن موقفهم تجاه جمهورية شمال قبرص التركية، وخلافا لما حدث في قمة “أو.تي.أس” السابقة في أنقرة في شهر مارس الماضي، حيث عومل الزعيم القبرصي التركي إرسين تتار كرئيس دولة، لكن في أستانا في الأسبوع الماضي، لم يكن هناك وجود رسمي لجمهورية شمال قبرص التركية.

أما المسائل الجيوسياسية الأخرى فهي أكثر إثارة للانقسام، فعلى الرغم من كونهما حليفتين، إلا أن تركيا وأذربيجان لديهما مواقف متعارضة تماما بشأن الصراع بين إسرائيل وغزة، حيث يدعم شعب أذربيجان إسرائيل علانية، وتزود باكو إسرائيل بـ60 في المئة من احتياجاتها النفطية في حين ينشر أردوغان خطابا معاديا لإسرائيل.

وتعد الممرات التجارية نقطة خلاف أخرى، حيث تشترك أذربيجان وكازاخستان وتركيا في الاهتمام بالإنجاز السريع لمشروع الممر الأوسط، وهو طريق نقل يبدأ من جنوب شرق آسيا والصين، ويمر عبر كازاخستان وبحر قزوين وأذربيجان وجورجيا وتركيا وإلى أوروبا.

وفي الوقت نفسه، دعمت قيرغيزستان وأوزبكستان خطط روسيا لبناء ممر النقل الجنوبي، والذي من شأنه أن يتجاوز كازاخستان. وإن القاسم المشترك بين معظم الدول الناطقة بالتركية السوفييتية السابقة، إن لم يكن كلها، هو الرغبة في مغادرة منطقة النفوذ الروسية.

بالنسبة إلى تركيا، المنظمة أداة ناشئة يمكن أن تساعدها على إخراج روسيا من جنوب القوقاز وآسيا الوسطى

وتتطلع كازاخستان إلى تطوير علاقات أوثق مع الدول التركية المجاورة والغرب، مما يمنح تركيا فرصة للمشاركة، ولدى قيرغيزستان دور في المعترك، وعلى الرغم من كونها حليفة روسيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، إلا أنها اشترت مؤخرا طائرات بدون طيار تركية الصنع من طراز أقنجي وأقسنغور، والتي تستخدم لأمن الحدود.

وتمتلك قيرغيزستان بالفعل طائرات بدون طيار تركية الصنع من طراز بيرقدار، ويقال إنها استخدمتها ضد طاجيكستان خلال اشتباك حدودي عام 2022.

وبعيدا عن المعدات العسكرية، تستخدم تركيا أيضا التعاون الاقتصادي لإغراء التعامل مع جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية السابقة. على سبيل المثال، تهدف أنقرة إلى الوصول إلى هدف تجاري ثنائي بقيمة 10 مليارات دولار مع كازاخستان، في حين وصلت استثمارات الشركات التركية في أوزبكستان بالفعل إلى 1.5 مليار دولار.

لكن المشكلة بالنسبة إلى أنقرة هي أن أعضاء “أو.تي.أس” هم دول غير ساحلية تعتمد بشكل كبير على الجغرافيا الروسية، فعلى سبيل المثال، تعتمد تركمانستان وكازاخستان، باعتبارهما مصدرين رئيسيين للطاقة، على خطوط أنابيب النفط والغاز التي تعبر الأراضي الروسية للوصول إلى عملائهما في أوروبا، وما دامت روسيا دولة عبور مهمة لموارد الطاقة في العالم التركي، فإن محاولة تركيا لتحل محلها في المنطقة ستكون مهمة صعبة.

والحقيقة هي أن أعضاء منظمة مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية من مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي يحتاجون إلى روسيا بقدر ما يطمحون إلى زيادة العلاقات مع تركيا، ولا يزال كل منهم منخرطا في رابطة الدول المستقلة التي تهيمن عليها روسيا، وتظل كازاخستان وقيرغيزستان جزءا من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده موسكو، فضلا عن منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

لكن المحلل ميكوفيتش يشير إلى أن تلك التحالفات توضح أنه بالنسبة إلى معظم دول “أو.تي.أس” التركية، فإن رؤية تركيا لنظام عالمي تركي بقيادة أنقرة هي نظرة من جانب واحد فقط، وقد يرى أردوغان الأمر بعبارات بسيطة على قطعة من الورق، ولكن بالنسبة إلى إخوة تركيا في الجمهوريات السوفييتية السابقة، فإن الفصل الأخير مع موسكو لم يكتب بعد.

6