تركيا تتراجع عن وعدها بتعليم الكردية في المدارس

أعربت عدة عائلات كردية في تركيا عن قلقها إزاء ما وصفته بحرمان أطفالها من تعلم اللغة الكردية في المدارس، حيث لا تتوفر لهم برامج أو مناهج خاصة باللغة الكردية في مناطقهم، وهو ما يجعلهم في حالة انفصال عن لغتهم الأم ما يساهم في تهميش ثقافتهم وتقليص فرصهم في التعرف على إرثهم.
إسطنبول - أعاد اقتراح الحكومة التركية لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود مع الأكراد تسليط الضوء على حقوقهم في وقت يقول فيه زعماؤهم إن القمع منتشر والحريات التي فازوا بها قبل أكثر من عقد من الزمان آخذة في التراجع.
ومن بين تلك الإجراءات الحق في تلقي ساعتين من التعليم باللغة الكردية في المدارس، وهو تحرك قدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2012 باعتباره “خطوة تاريخية” في بلد كان يحظر اللغة الكردية بشكل صريح.
وقال أكثر من عشرة من الآباء والسياسيين الأكراد وخبراء التعليم إن الأطفال اليوم لا يستطيعون تلقي دروس اللغة حتى في أكبر المدن التركية، ولا تعرف كل الأسر الكردية أن من حقها طلب ذلك.
ويشكل الأكراد في تركيا نحو خُمس سكان البلاد، إذ تشير التقديرات إلى أن عددهم نحو 17 مليون نسمة. واللغة الكردية هي اللغة الأم لمعظم الأكراد، ويمثل الحق في التعليم بها أحد مطالبهم الرئيسية.
ومع ذلك ينص الدستور على أنه “لا يجوز تدريس أي لغة أخرى غير اللغة التركية كلغة أم للمواطنين الأتراك.”
وقالت جولستان كيليتش كوجيجيت رئيسة المجموعة البرلمانية لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في البرلمان “حق الشعب الكردي في التعليم بلغته الأم أمر ضروري للتعبير عن هويته الثقافية والمساواة الاجتماعية.” وأضافت “التعليم باللغة الأم ضروري لتحقيق السلام والمواطنة المتساوية وحماية الحقوق الثقافية.”
وكانت عملية السلام مع المسلحين قد بدأت في 2012، لكنها انهارت في 2015، وتبعتها أعمال عنف جديدة وحملة قمع على الحركة السياسية المؤيدة للأكراد.
وقال رمضان علان، المحاضر في قسم اللغة والثقافة الكردية بجامعة أرتوكلو في محافظة ماردين بجنوب شرق تركيا الذي تأسس في 2009 “أصبحت الفصول الدراسية الكردية الاختيارية غير مرئية في المدارس منذ نهاية عملية السلام.”
ولم يتمكن اثنان من أطفال علان من الالتحاق بفصول اللغة الكردية في ديار بكر، وهي مدينة يقطنها 1.8 مليون نسمة في جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية. وقال “كانت هناك طلبات كافية، لكن لم يكن هناك مدرس متاح.”
الدستور التركي ينص على أنه لا يجوز تدريس أي لغة أخرى غير اللغة التركية كلغة أم للمواطنين الأتراك
وعند سؤالها عن الفصول الدراسية، قالت وزارة التعليم التركية التي تتحدث باسم المدارس “من الممكن تدريس دورة إذا كان هناك 10 طلاب على الأقل مسجلين.” ولم تعلق الوزارة على الوضع في المدارس بشكل فردي.
وفي الشهر الماضي نفى يوسف تكين، وزير التربية التعليم أن تكون الدولة تتجاهل طلبات الآباء بشأن الدروس أو تثنيهم عنها. وقال إن عدم وجود عدد كاف من الطلاب يرجع إلى مقاطعة الدروس في 2012 من قبل الحزب الديمقراطي الذي قال إن ساعتين لا تكفيان.
ويقول الآباء والأمهات إنهم يريدون أن يتعلم أطفالهم اللغة الكردية في المدارس حتى يتمكنوا من القراءة والكتابة بها.
ويقول هوداي مورارسلان، عضو نقابة المعلمين إيجيتيم بير سين المعنية بحقوق المعلمين وحقوق التعليم، إن التلاميذ يستطيعون الحصول على دروس كردية اختيارية في 13 مدينة فقط بأنحاء تركيا. وهو يخوض حملة من أجل إتاحة هذه الدروس في بينجول، وهي بلدة تقع في المنطقة ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق البلاد.
وقال “الجميع يخافون من الطلب،” مضيفا أن هناك خوفا دائما من وصمهم من قبل الدولة وربطهم بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية.
وفي وقت سابق، اعتقلت السلطات عشرات الأشخاص الذين كانوا يغنون ويرقصون على أغان كردية في حفلات الزفاف، بتهمة “نشر دعاية إرهابية” وهو ما قال حزب الشعوب الديمقراطي إنه يظهر “عدم تسامح تجاه الهوية والثقافة الكردية.” وقال مسؤولون حكوميون إن الأغاني كانت تعبيرا عن التضامن مع حزب العمال الكردستاني وتهديدا للوحدة الوطنية.
وتم رفع الحظر الذي فرضته تركيا على اللغة الكردية في 1991. وبعد 17 عاما، بدأت هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية بث قناة تلفزيونية كردية قاطعها بعض الأكراد وانتقدوها باعتبارها دعاية حكومية.
ويعيش نفزات يسيلباجدان (43 عاما) في منطقة باجيلار بإسطنبول مع عائلته. ويقول إن المدرسة رفضت طلبات ثلاثة من أبنائه لتعلم اللغة الكردية بسبب نقص المعلمين أو عدم كفاية عدد الطلاب.
وأضاف “مطلبنا الرئيسي هو أن نتلقى تعليمنا باللغة الأم، لكن الدورة الاختيارية هي خطوة مهمة نحو هذا الهدف.”
وأظهرت دراسة نشرتها مؤسسة راويست للأبحاث، وهي مؤسسة بحثية تركز على القضايا الكردية، في 2020 أن 30 في المئة فقط من نحو 1500 من الآباء والأمهات كانوا على علم بالدورات الكردية الاختيارية.
وقال إحسان يلديز (42 عاما) الذي يعمل في قطاع البناء في إسطنبول إن ابنته مريم (15 عاما) لم تتلق أي رد على طلبها لتلقي دروس اللغة الكردية في مدرسة الإمام الخطيب الإسلامية التي التحقت بها. ثم توقفت عن السؤال.
ويفهم أطفاله بعض اللغة الكردية لكن لا يستطيعون قراءتها. وأضاف “والدتي التي تعيش معنا لا تتحدث اللغة التركية. أقوم بالترجمة عندما يتحدث أطفالي مع جدتهم. هذا أمر محزن للغاية.”