ترفاس الجنوب التونسي يسافر إلى الخليج وأوروبا

الأمطار الغزيرة تنعم على أهالي الصحراء بموسم وفير من الكمأة.
الخميس 2025/02/20
وجبة الفقراء على مائدة الأغنياء

عادت ثمرة "الكمأة" أو "الترفاس" للظهور بكثرة في مناطق الجنوب التونسي بعد تحسن الأحوال المناخية نتيجة للأمطار الغزيرة التي هطلت خلال فترات الخريف، مما جلب رزقًا وفيرًا لأهالي المنطقة الذين يبحثون عنه بحرص ومهارة في الصحراء لبيعه في الأسواق المحلية أو تصديره.

تونس - بعد سنوات من الجفاف، عادت ثمرة “الكمأة” أو "الترفاس" لتظهر بكثرة في مناطق الجنوب التونسي، وذلك بعد تحسن الأوضاع المناخية إثر الأمطار الغزيرة التي هطلت في فترات الخريف.

وشهدت مناطق تطاوين ومدنين وبنقردان عودة وفيرة للترفاس، وهو ما جعل الباحثين والمهتمين بهذه الثمرة الطبيعية يتجهون مجددًا للبحث عنها وجمعها، حيث أصبح ذلك يشكل مصدر رزق للعديد من العائلات التونسية، لاسيما مع ارتفاع أسعارها.

وشهدت أسواق جنوب تونس، خلال الأيام الأخيرة، توفر كميات معتبرة من الترفاس بأسعار مرتفعة تتجاوز 150 دينارًا تونسيًّا للكيلوغرام الواحد، أي نحو 50 دولارًا أميركيًّا، لتشكل مصدر رزق للمئات من الأسر التونسية.

ويُعد الترفاس من الثمار البرية التي تنمو تحت الأرض، وتحتاج إلى الكثير من الخبرة لتحديد أماكن نموها. وعادة ما يتواجد بالقرب من نبتة معينة تُسمى “النبتة المضيفة”، التي تشير إلى مكان وجود الترفاس تحت الأرض من خلال تشققات صغيرة في التربة.

ويعتمد جامعو الترفاس على هذه العلامات الطبيعية للبحث عن الثمرة، وتتم عملية الحفر بدقة كبيرة باستخدام عصا خشبية أو الأصابع لتجنب الإضرار بالترفاس، حيث إن خدشه قد يفقده قيمته الغذائية والتجارية.

◙ الصحراء كريمة
◙ صحراء الجنوب التونسي كريمة 

ومن المعروف أنه يحتوي على قيمة غذائية عالية، وقد أطلق عليه البعض لقب “زبدة الأرض” لما يحتويه من فوائد صحية متعددة. وهناك نوعان رئيسيان في تونس، الترفاس الأحمر والترفاس الأبيض، وكل منهما يتمتع بمذاق خاص.

وأكد علاء العرضاوي، أحد الشباب المهتمين بجمع الترفاس، لإذاعة “موزاييك” الخاصة، تَوَفُّرَه بكثرة خلال فصل الربيع بمناطق الجنوب إثر نزول كميات هامة من الأمطار.

وأضاف العرضاوي أن أهالي تطاوين يخرجون لجمعه لأغراض مختلفة، فالبعض يستعمله للأكل بطبخه في الماء والملح بعد تنظيفه، أو طبخه مع الأكلات العادية على غرار الكسكسي، الحساء، الجلبانة، أو شوائه على النار، والبعض الآخر يستغله لكسب الرزق، حيث يحصد مبالغ مالية هامة نظرًا لكثرة الطلب وغلاء سعره، خاصة عندما يُرسل إلى خارج البلاد.

وقد شهدت الأسواق في المناطق الجنوبية تزايدًا ملحوظًا في الطلب على الترفاس، سواء من داخل تونس أو من الخارج، خاصة في أوروبا والخليج، حيث يتم تصديره بكميات كبيرة إلى هذه الأسواق.

ويجمع خالد الجزائري، الذي أتى من الجزائر رفقة شريك له، الترفاس من الأسواق يوميًا ليقوما بتصديره نحو دول الخليج بكميات تصل إلى الأطنان وبأسعار لا تُقارن البتة بسعر الشراء، حسب قولهما.

وينشط خالد ورفيقه في مجال جمع وتصدير الترفاس منذ سنوات، إلا أنهما عززا حضورهما في تونس، وفي جنوب البلاد تحديدًا، لكثرة انتشار فطر الترفاس بالجهة بعد نزول كميات هامة من أمطار الخريف.

◙ سوق نشطة
◙ سوق نشطة

وأقبل زبائن كثر غير خالد ورفيقه على باعة الترفاس المنتصبين أمام أسواق في مناطق الجنوب التونسي، فمحمد، شاب من أبناء الجنوب المقيمين بألمانيا، اعتاد أن يصطحب معه عند رجوعه إلى بلد الإقامة كمية من الترفاس.

وطفق يسأل البائع عن كيفية حفظ الثمرة حتى لا تتلف وتبقى مدة أطول، خاصة وأنه يعشق طعم هذا الترفاس، وذكر محمد أن سعر الترفاس في ألمانيا، على غرار بقية البلدان الأوروبية، باهظ ويتعدى سعر الكيلوغرام الواحد في تونس، إذ قد يصل سعر الكيلوغرام إلى 350 يورو.

وبالرغم من التحسن الملحوظ في كمية الترفاس التي ظهرت هذا العام، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه استدامة هذا المورد الطبيعي.

◙ "الترفاس" يباع في الأسواق المحلية بأسعار مرتفعة تتجاوز 150 دينارًا تونسيا للكيلوغرام الواحد، أي نحو 50 دولارًا أميركيا

من أبرز هذه التحديات التغيرات المناخية، التي تؤثر على توقيت ظهور الترفاس وتوافره بشكل منتظم، فضلاً عن ضرورة ضمان الحفاظ على البيئة وجودة الفطر في المناطق التي ينمو فيها. لذلك، يشدد الخبراء على أهمية وجود آليات تنظيمية تحمي البيئة وتحافظ على التوازن البيئي، بما في ذلك تجنب الأنشطة الزراعية غير المستدامة مثل الحراثة والرعي الجائر.

وقد أشار محمد النفاتي، رئيس مخبر البيئة والمراعي في معهد المناطق القاحلة بمدنين، إلى أهمية الترفاس في الاقتصاد المحلي والعالمي، حيث تزايدت أعداد المهتمين بتصديره إلى الدول الأجنبية.

وأوضح النفاتي في بحثه العميق حول فطر الترفاس أن هناك حاجة إلى دراسة البيئة والظروف الطبيعية التي يحتاجها هذا الفطر لينمو. وقد تمكن معهد المناطق القاحلة من اكتشاف العديد من الأنواع المختلفة من الترفاس وتحديد الظروف التي يرتبط وجودها ارتباطًا مباشرًا بنموه في الجنوب التونسي.

ووفقًا للنفاتي، تتمثل التحديات الكبرى في ضرورة توفير بيئة مناسبة لنمو الترفاس، خاصة وأنه يحتاج إلى تربة خالية من الفسفور وذات ملوحة ضعيفة، كما أن الأنشطة البشرية التي تؤثر على التوازن البيئي، مثل الحراثة والأنشطة الزراعية المكثفة، قد تهدد وجود الترفاس بشكل كبير، لذلك، يسعى الخبراء حاليًا لتحديد العوامل التي تؤثر على الإنتاج الطبيعي، بهدف ضمان استدامة هذا المورد المهم في المستقبل.

في هذا السياق، تعمل العديد من الجمعيات والمبادرات المحلية على تعزيز سلاسل القِيمة للترفاس وتحسين قدرات التسويق له، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. في خضم هذه الأوضاع، يبقى الترفاس رمزًا للتراث الطبيعي في الجنوب التونسي، ويعكس بوضوح أهمية الحفاظ على هذا المورد الطبيعي الفريد لضمان استدامته للأجيال القادمة.

◙ الترفاس نوعان أحمر وأبيض
◙ الترفاس نوعان أحمر وأبيض

16