ترسم لتجد نفسك

اكتشف مونيه أن في إمكاننا أن نتسلّل إلى العدم من خلال النظر إلى زهرة مائية، جذورها لا تبحث عن أرض لكي تنبت فيها.
الاثنين 2020/05/11
عينا مودلياني تطلان من وجوه نسائه

ترسم شجرة فتشبهك. كانت شجرة موندريان تشبهه وهي لا تشبه شجرة بوسان التي تتشبّه برسامها. لا أقصد هنا الروح. ذلك ما لا يمكن التنبؤ به.

الرسام يُقيم داخل الأشياء التي يرسمها. إنه يبحث عن صورته في ما يراه. من غير ذلك فإن ما يُرسم لن يكون له معنى خارج محاولة وصف فائضة. الرسام الحقيقي يجد في الوجوه التي يرسمها ما يعيده إلى وجهه.

عينا مودلياني تطلان من وجوه نسائه. ذلك سحره الذي لا يُفارق خيال يديه. كل الجمل التي نقولها إنما هي محفورة على شفاهنا قبل أن نقولها. تلك أحجية لا يمكن أن نفك ألغازها. نحن نرى وجوهنا في مرايا خيالية. مشكلة الرسام الحقيقية تكمن في الوصول إلى الدرجة التي يشعر من خلالها أنه وصل إلى نفسه. نرسم الخارج من أجل أن نرتد إلى الداخل. ما هذه المعادلة المعقدة؟

ببساطة نحن نبحث عن أنفسنا. قوتنا الأرضي جاهز في الطبيعة من حولنا وأصوات الملائكة تطرق أسماعنا وهي تتّقي طريقتنا في الإنصات إلى موسيقى الكائنات، كما أن العشب من تحت أقدامنا تنبعث رائحته لتُحيطنا بنضارته. غير أن حواسنا وهي مجسات اتصالنا بالعالم تظل سائبة ما لم تجد ضالتها في ما يقودها بدعة إلى أعماقنا.

سيكون علينا أن نتعرّف على أنفسنا من جديد. لسنا أقل خُضرة من الحقول كما أن شموسنا الداخلية ليست أقل نصاعة من شمس نهارنا. نحن في الحقيقة لا نعرّف بأنفسنا من خلال الرسم بقدر ما نتعرّف عليها. لقد انتهى وصف العالم مع الانطباعية فكان كلود مونيه رائدا في النظر إلى الطبيعة باعتبارها صورة عن النفس البشرية.

اكتشف مونيه أن في إمكاننا أن نتسلّل إلى العدم من خلال النظر إلى زهرة مائية، جذورها لا تبحث عن أرض لكي تنبت فيها. نقيم في تلك الزهرة المُسافرة، في خيال عطرها لنُعيد تأثيث أرواحنا بلذائذ سيُتيح الرسم لنا التعرّف عليها.

16