ترحيل ليليان داوود من مصر.. تهشيم للصورة الكاملة

فوجئ الوسط الإعلامي بقرار السلطات المصرية ترحيل الإعلامية اللبنانية ليليان داوود بعد عدة ساعات على إنهاء تعاقدها مع قناة “أون تي في”، وهو ما فسره المتابعون بأنه بادرة نتائج صفقات استحواذ رجال الأعمال على الإعلام.
الأربعاء 2016/06/29
السباحة عكس التيار لا تمر دون عواقب

القاهرة – بدأت صفقات الإعلام المصري التي حدثت قبل شهر تؤتي نتائجها، بعدما جرى تغيير بعض الوجوه الإعلامية ووقف برامج، سببت إزعاجا لعدد من مؤسسات الدولة.

كان لافتا إنهاء تعاقد قناة “أون تي في” مع الإعلامية اللبنانية ليليان داوود، ثم إلقاء القبض عليها بعد فسخ تعاقدها بنصف ساعة فقط واقتيادها إلى مطار القاهرة وترحيلها ليل الاثنين خارج البلاد بدعوى “عدم وجود مبرر لوجودها في مصر بعد انتهاء عملها”.

وأخذ البعض على ليليان انتقادها الحاد في مناقشة بعض القضايا الداخلية وهجومها على الحكومة المصرية من خلال برنامجها “الصورة الكاملة”، ما أثار مشكلات عديدة ودفع مالك القناة الجديد، رجل الأعمال المصري أحمد أبوهشيمة، إلى أن يستخدم سلطاته لوقف البرنامج.

وروت الإعلامية ليليان داوود بعد وصولها إلى العاصمة اللبنانية بيروت ما حدث معها في القاهرة، حيث أكدت أنها فوجئت بقوة من الشرطة تطرق باب منزلها وطالبها الضابط بالحصول على إقامتها في مصر وجواز سفرها وعندما أخبرته أنه بحاجة إلى إذن من النيابة لكي يقبض عليها أخبرها بأنه متواجد لترحيلها وليس للقبض عليها وهو ما لا يحتاج إلى إذن من النيابة.

وأكدت أنها لم ترتكب أثناء الفترة الماضية أي مخالفة للقانون تستوجب محاسبتها، كما أن ابنتها مصرية وبالتالي ستقوم بمراجعة المحامين في الخطوات التي يجب أن تقوم بها وفق ما ينص عليه القانون المصري.

وتحدث عدد من الإعلاميين عن ضغوط كبيرة تعرضت لها داوود بشأن حدة اللهجة المنتقدة للحكومة في برنامجها، وأوضح أحمد مصطفى، معد البرنامج أنه كانت هناك “ضغوط كبيرة من عدة جهات على البرنامج للتخلي عن الطريقة التي يناقش بها بعض القضايا، ولم تكن ليليان تقبل بذلك، ومنذ إتمام صفقة بيع المحطة كان الجميع على علم بأن نهاية البرنامج اقتربت”.

وأضاف لـ”العرب” أن الطريقة التي جرى بها ترحيل ليليان داوود من مصر “مهينة جدا”، حيث تم اقتيادها من منزلها بحي الزمالك، وسط القاهرة، دون أغراض شخصية، ومنحوها 5 دقائق فقط لارتداء ملابسها، ورفضوا أن تصطحب ابنتها معها وتركوها مع زوجها السابق الصحافي المصري خالد البري.

ويعتقد بعض المراقبين أن هذا التصرف يكشف عن مستقبل مظلم لكل من يحاول الخروج على النص أو تجاوز الخطوط الحمراء في الإعلام المصري.

وقال محمد شومان، عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة، إن ما حدث مع الإعلامية ليليان داوود “خروج عن التراث المصري المتسامح لاحتواء المواهب الإعلامية، واعتداء صارخ على حرية الإعلام في البلاد، وترحيلها بهذه الطريقة يمهد الطريق للمزيد من تكميم الأفواه بحيث تسيطر على المشهد الإعلامي المصري سياسة الصوت الواحد”.

محمد شومان: ترحيل ليليان داوود بهذه الطريقة يمهد الطريق للمزيد من تكميم الأفواه

وأضاف لـ”العرب” أن ما يحدث حاليا مع بعض الإعلاميين نتاج طبيعي لصفقات الدمج والاستحواذ التي قام بها رجال أعمال على صلة بالحكومة، ويبدو أن أصحاب الصفقات يقومون حاليا بقمع وحصار الإعلام وتعزيز التوجه العام للإعلام كي يكون مواليا للنظام.

واعتادت مؤسسات الدولة أن تتخلص من بعض الوجوه الإعلامية بشكل قانوني أو بطرق غير مباشرة، وتستند إلى بعض الحيل القانونية، حيث جرى اعتقال ليليان داوود بتهمة عدم وجود إقامة لها داخل مصر.

وانتشرت منذ بيع قناة “أون تي في” معلومات أفادت بالاستغناء عن أكثر من إعلامي بارز داخل المحطة، منهم الإعلامي جابر القرموطي مقدم برنامج “مانشيت”، ويوسف الحسيني مقدم برنامج “السادة المحترمون”، وأخيرا ليليان داوود، التي يتردد بقوة داخل الوسط الإعلامي أن مالك القناة السابق، الملياردير المصري نجيب ساويرس أجبر على بيع القناة بسبب ما تقدمه من قضايا مثيرة في برنامجها.

ويفسر بعض المتابعين للمشهد الإعلامي الموقف الحالي بأن هناك محاولات من ملاك القنوات الفضائية والصحف الخاصة، لإقصاء بعض الأصوات من الساحة الإعلامية، لكسب المزيد من التقارب مع النظام وتحقيق مصالح شخصية.

وقالوا لـ “العرب” إن تغيير الخارطة الإعلامية يتم بالتنسيق مع جهات رسمية للسيطرة على ما يوصف بـ”فوضى بعض الإعلاميين”، الذين أثاروا مشكلات وتعرضت بسببهم محطات فضائية لأزمات متكررة. يبدو أن التحرك نحو تأميم الإعلام المصري سيكون من خلال استئثار عدد محدود من رجال الأعمال أصحاب الاستثمارات الضخمة في مجالات أخرى، فالمشهد العام يوحي بالمزيد من الإقصاء لأصوات معارضة، وهو ما دفع بعض الإعلاميين إلى تغيير توجهاتهم.

وقالت ليلي عبدالمجيد، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة، إن ما يحدث على الساحة يشير بقوة إلى أن المشهد الإعلامي يشهد تغييرات غير مسبوقة.

وأضافت لـ”العرب” أن الحديث عن تأميم غير مباشر من الدولة للإعلام من خلال بعض رجال الأعمال مجرد تكهنات، لأنه من الطبيعي أن يقوم مالك القناة بتطويرها وإنشاء برامج جديدة. وأكدت أن البعض من ملاك القنوات بدأوا يستخدمون سلاح المقابل المادي لتغيير الوجوه التي لم تعد هناك رغبة فيها، بمعنى أنهم يطالبون الإعلاميين بخفض أجورهم بنسب كبيرة، وفي حال الرفض يتم فسخ التعاقد وكلها أمور مشروعة لا يمكن التأكيد على أنها “متعمدة أم لا”.

ويفاوض بعض أصحاب الفضائيات الخاصة إعلاميين تجاوزوا الخطوط الحمراء على خفض رواتبهم إلى النصف بدعوى وجود أزمة مالية في المحطة، كما حدث مع يوسف الحسيني وجابر القرموطي.

ووصف متابعون ما يحدث بأنه تأميم إعلامي لخدمة مؤسسات الدولة، لكن بطريقة إخراجية “حسنة المظهر”، بمعنى أنه لا أحد يلوم القناة على رحيل إعلامي لأنه هو من اختار الرحيل.

18