ترامب يريد للولايات المتحدة أن تصبح "جنرال الإنترنت" في العالم

أمهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حتى منتصف سبتمبر، تطبيق “تيك توك” لمقاطع الفيديو القصيرة الذي يتمتع بشعبية كبيرة بين المراهقين، للعثور على مشتر مثل مايكروسوفت تحت طائلة إغلاقه في الولايات المتحدة. وتكشف هذه الخطوة عن مساعي ترامب لاستحواذ مايكروسوفت على التطبيق الشهير وهدفها تعزيز القبضة الأميركية على الفضاء الإلكتروني، وردا على القيود الصينية التي تفرضها بكين على الشركات الأميركية العاملة على أراضيها.
واشنطن – قد يؤدي استحواذ مايكروسوفت على “تيك توك” إلى توسيع الهيمنة الأميركية على عالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن قد تكون لهذه الخطوة بعض النتائج السلبية غير المقصودة أيضا على الشركات الأميركية والإنترنت المفتوحة.
وهذه الصفقة التي يتم التفاوض عليها مع إدارة الرئيس دونالد ترامب ستمكّن مايكروسوفت من الحصول على موطئ قدم في عالم وسائل التواصل الاجتماعي سريعة النمو التي تركز على الشباب والانضمام إلى صفوف منافسين مثل فيسبوك.
وقال داريل ويست مدير مركز الابتكار التكنولوجي في معهد “بروكينغز إنسيتيوشن” إنه من شأن هذه الصفقة “تعزيز الهيمنة الأميركية في عالم التكنولوجيا من خلال نقل منتج استهلاكي رئيسي من الملكية الصينية”. وأضاف “لكنها قد تشجع أيضا هيمنة نزعة قومية على البيانات من خلال تأجيج المطالبات في العديد من الدول بالسيطرة المحلية على منصات الإنترنت وتخزين البيانات داخل حدودها الوطنية”.
وأشار محللون آخرون إلى أن الصفقة يمكن أن تكون لها آثار بعيدة المدى على مسألة الإنترنت المفتوحة، وهو موقف تدعمه واشنطن منذ فترة طويلة على عكس الصين والأنظمة الاستبدادية الأخرى التي تقيد المحتوى عبر الإنترنت.
وأوضح غراهام ويبستر المحرر في “ديجي تشاينا بروجكت” في مركز السياسة الإلكترونية في جامعة ستانفورد أن “ذلك سيكون قرارا لا رجعة فيه في ما يتعلق بإدارة الإنترنت”.
وأضاف “ستؤدي هذه الخطوة إلى ظهور الولايات المتحدة بمظهر الداعمة للموقف الصيني، وهو أنه إذا لم تعجبها الطريقة التي تعمل بها شركات بلد آخر، يمكنها حظرها أو الاستيلاء عليها. ستكون هذه خطوة ضخمة”.
دخول شركة مايكروسوفت
أعلنت مايكروسوفت أنها تجري محادثات مع “بايتدانس” الشركة الأم لـ”تيك توك” للاستحواذ على عمليات التطبيق في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا ومعالجة مخاوف واشنطن بشأن أمن البيانات في ضوء الادعاءات بأن المنصة الاجتماعية يمكن أن تصبح أداة تجسس.
وقال ترامب إنه من المرجح أن يوافق على مثل هذه الصفقة، وحدد موعدا نهائيا في منتصف سبتمبر لعقدها قبل أن يحظر “تيك توك” في الولايات المتحدة. من جهتها أبدت الصين معارضتها الخطوة التي اتخذتها الحكومة الأميركية لحجب التطبيقات الصينية، مضيفة أن ذلك يتعارض مع مبادئ السوق ولا يستند إلى أساس واقعي.
وستمنح أي صفقة لشركة مايكروسوفت جزءا كبيرا من قاعدة مستخدمي “تيك توك” الذين يقدر عددهم بمليار شخص غالبيتهم من الشباب.وتأتي المحادثات على خلفية الهيمنة المتزايدة في الكثير من أنحاء العالم لشركات التكنولوجيا الكبرى التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها والمتخصصة في وسائل التواصل الاجتماعي والبحث والإعلان عبر الإنترنت والحوسبة السحابية وغيرها من القطاعات التي أصبحت أكثر أهمية خلال أزمة فايروس كورونا المستجد.
بيع "تيك توك" قسريا لشركة مايكروسوفت سيمثل خطوة بعيدة عن العولمة التي أفادت عمالقة سيليكون فالي
وقال باتريك مورهيد المحلل في “مور إنسايتس أند ستراتيجي” إن تحركات الولايات المتحدة قد تكون مبررة بسبب القيود التي تفرضها الصين على الشركات الأميركية العاملة على أراضيها.
وتابع أن “الصين تفرض علينا هذه القواعد منذ 25 عاما. إذا كنت تريد تأسيس شركة أميركية في الصين، فأنت تحتاج إلى شخص محلي يملك نسبة 49 في المئة منها وتحتاج إلى التخلي عن الملكية الفكرية. أما الشركات الصينية في الولايات المتحدة فلا تحتاج إلى مالك أميركي”.
وأمام القيود الصينية تريد الولايات المتحدة فرض قواعد تجارية متماثلة وإحكام قبضتها على عالم الإنترنت.
وتتجسد القبضة الأميركية على الإنترنت أولا باستحواذها على “إيكان” المؤسسة المتخصصة بالأسماء والأرقام المشرفة على توزيع أسماء النطاق على الإنترنت التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقرا لها منذ العام 1998، وتتبع لوزارة التجارة الأميركية.
وسبق وأن أطلق الكاتبان جاك غولدسميث أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة هارفارد وتيم وو أستاذ القانون في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا في كتاب أثار ردود فعل باهرة تحت عنوان “من يحكم الإنترنت”، أسئلة تجيب على ما يدور اليوم بشأن الاستحواذ على شركة “تيك توك”.
ووفقا لهذا الكتاب، فإن القوانين الوطنية والتقاليد والجمارك لا تقل أهمية عن السيطرة على الفضاء الإلكتروني كما هي الحال في الفضاء الحقيقي. ويرى الكاتبان أن التحكم بمركزية الإنترنت يشجع على الحرية والتنوع وتقرير المصير عندما يتم الجمع بين الواقعية والمثالية في التقاليد السائدة بحكم الإنترنت. فالكثير من المجددين وأصحاب الرؤى بشأن الإنترنت ممن قابلهم المؤلفان، يعتقدون أن المجتمعات على الإنترنت مثل “إيباي” يمكنها أن تحكم نفسها من غير تدخل من السلطات التقليدية، لكنهما تغاضيـا عن أهمية دور الحكومة في تقديم السلع العامة للإفراد والأعمال الخاصة.
ولا يكتفيان بعرض الجانب اللطيف للحكومة، عندما يقولان إن الحكومة ليست ضامنا محبا وعطوفا كبيرا يعمل للصالح العام، وتقوم بالأمر الصحيح دائما، فمقابل الفوضى التي واجهت بعض المواقع التجارية نجد سوء استغلال من قوى الحكومة. يرينا الكاتبان غولدسميث وتيم وو كيف يمكن للحكومة فرض سيطرتها على الإنترنت، وإن أي حكومة تمارس القمع يمكنها السيطرة على الإنترنت، بالطبع الأمور تكون أفضل في ظل نظام ديمقراطي يتمتع بحرية الصحافة والتعبير وقضاء مستقل وانتخابات نزيهة.
لكن حتى الحكومات الديمقراطية تعاني من مشكلات خطيرة في ما يتعلق بالإنترنت، فهناك خطر أن تتمادى الحكومة في السيطرة على الإنترنت والحريات الشخصية، فيمكنها تغليف العقوبات على بعض السلوكيات مثلما يعتقد الكثيرون أنها فعلت ذلك في التعامل مع تعاطي المخدرات، وربما تقوم بالإفراط في حماية حقوق الملكية الفكرية، مما يؤثر سلبا في الإبداع.
الابتعاد عن العولمة
تشير سوزان أرونسون الأستاذة ورئيسة مركز التجارة الرقمية وإدارة البيانات في جامعة جورج واشنطن، إلى أن أي جهد للاستحواذ على جزء من “تيك توك” يمكن أن يواجه عقبات كبيرة ويؤدي إلى عواقب سلبية قائلة “لا يمكنهم تقسيم التطبيق، ولم يتم فعل أي شيء من هذا القبيل مطلقا”.
وتابعت أن “تنمر” ترامب على “تيك توك” و”بايتدانس” يمكن أن يشجع الدول الأخرى على اتخاذ إجراءات مماثلة وقد تكون ضد شركات أميركية تهيمن على النظام الحيوي للإنترنت غير الصيني.
وتبين أن “فكرة الإنترنت بأكملها هي أن البيانات يجب أن تتدفق بحرية عبر الحدود. إذا كنت تتنمر وتتصرف كوطني، فإن الإنترنت تصبح أكثر انقساما”.
ولفت غراهام ويبستر إلى أن شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى قد تواجه عواقب ما يمكن اعتباره “مصادرة” لتطبيق “تيك توك”، و”قد تكون مكلفة جدا إذا أجبرت إحدى هذه الشركات (الأميركية) على فصل جزء من عملياتها”.
والأهم من ذلك، إن بيع “تيك توك” قسريا سيمثل خطوة بعيدة عن العولمة التي أفادت عمالقة سيليكون فالي. وحسب غراهام ويبستر يتمثل موقف الولايات المتحدة في أن الشركات يجب أن تكون قادرة على القيام بأعمال تجارية عبر الحدود وأن الانفتاح مفيد للشركات الأميركية، غير أن هذه الصفقة قد تؤدي إلى شكل من أشكال توطين الخدمات عبر الإنترنت وهو الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة وشركاتها.