ترامب يحد من حماس الإسرائيليين لتنفيذ ضربات ضد إيران

الرئيس الأميركي يراهن على المفاوضات لتحقيق اختراق في الملف النووي.
الأحد 2025/04/20
خلاف حول الأسلوب وليس الهدف

الحديث عن الخلاف الأميركي – الإسرائيلي بشأن ضرب إيران ليس خلافا حول المبدأ، هو خلاف حول التوقيت بين من يريد مرونة في التعامل مع إيران ومن يعتقد أن لا خيار سوى المواجهة. ويمكن أن يكون تبادلا للأدوار يدفع إيران لاستشعار الخطر.

القاهرة- مع استئناف المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، تواجه إسرائيل تحديات جديدة؛ فمع تهميش الخيار العسكري، يجب على تل أبيب التفاوض مباشرة مع واشنطن، وتأمين ضمانات دفاعية والاستعداد لمخاطر اتفاق محتمل قد يقوّي إيران ووكلاءها في المنطقة.

وربما أربك التغير الذي طرأ على موقف الولايات المتحدة من رغبة إسرائيل في التحرك العسكري ضد إيران حسابات حكومة بنيامين نتنياهو التي وجدت نفسها أمام تساؤلات عدة.

ويتساءل المؤرخ والسفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين، ككثيرين غيره، عمّن يقف وراء تسريب الخبر الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” بشأن معارضة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خططا إسرائيلية لتنفيذ عملية عسكرية بهدف تدمير المنشآت النووية الإيرانية.

ويقول أورين هل كان المصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه، الذي كان يأمل أن يثبت مرة أخرى أنه كان يريد التحرك لكن الأميركيين منعوه؟ أم كان المعسكر الانعزالي في الإدارة الأميركية الذي يعارض أيّ تدخل عسكري أميركي آخر في الشرق الأوسط؟ أم ربما كان ترامب نفسه، الحريص على إثبات أنه الرئيس الذي ينهي الحروب ولا يبدأها؟

إلا أن أورين، وبحسب مقال رأي نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يرى أنه بغض النظر عن ذلك، فإن “من سرّب؟” هو السؤال الخاطئ، وأن السؤال الحقيقي يجب أن يكون: ما الذي يمكن لإسرائيل أن تفعله الآن بعد أن بدا أن الخيار العسكري الإسرائيلي قد خرج نهائيا من الحسابات، بينما يتفاوض المبعوثون الأميركيون والإيرانيون على اتفاق نووي جديد.

◄ عراقجي.. كيف ستواجه إيران هذا الغموض
عراقجي.. كيف ستواجه إيران هذا الغموض

واستطرد قائلا إنه ربما تكون المحادثات طريقة ترامب لإظهار أنه سلك مسار الدبلوماسية وجعله خياره الأول قبل اللجوء إلى الحل العسكري. ولم يستبعد الكاتب والدبلوماسي الإسرائيلي السابق أن تسفر تلك المحادثات عن اتفاق لا يختلف كثيرا عن الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مع إيران في عام 2015، معتبرا أنه في كلتا الحالتين “يجب على إسرائيل أن تستعد للأسوأ“.

وحدد الأسوأ بأنه التوصل إلى اتفاق تتحصل بموجبه إيران على حوافز مالية تنعش خزائنها مجددا ويمكنها من إعادة بناء قدرات حركة حماس وحزب الله اللبناني واستعادة نظام موال لطهران في دمشق، كل ذلك دون تفكيك جهاز طرد مركزي واحد.

وربما عبر أورين عمّا يدور في ذهن صناع القرار في إسرائيل، حينما شدد على ضرورة تسليط الضوء على أن مثل هذا الاتفاق يمثل دليلا على ضعف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ويقوي نفوذ روسيا والصين، “يجب على إسرائيل أن توضح أن مثل هذا الاتفاق سيضمن لإيران إنتاج أسلحة نووية بمجرد انتهائه“.

ورأى أنه إذا تم إبرام اتفاق نووي جديد، على الرغم من تحذيرات إسرائيل، فيجب على تل أبيب أن تنخرط في حوار حميم مع البيت الأبيض حول السبل التي يمكن لإسرائيل مع ذلك أن تدافع بها عن نفسها.

واعتبر أنه يجب أن تشمل هذه السبل ضمانات أمنية أميركية صارمة وتأكيدات بأن إسرائيل ستمتلك دائما الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها ضد أي “عدوان إيراني” محتمل.

وتطرق إلى السبل الكفيلة بتحقيق ذلك، فدعا إلى ضرورة “السماح لنا، للمرة الأولى، بشراء قاذفات قنابل إستراتيجية وتدريب طواقمنا على قيادتها. يجب أن نتوصل إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة بشأن إخلاء غزة وجنوب لبنان من السلاح بشكل دائم“.

وتزداد أهمية هذا الحوار الحميم في ضوء حقيقة أن إسرائيل، على عكس الماضي، لا تستطيع الاعتماد على الكونجرس لمعارضة اتفاق نووي جديد، “فالديمقراطيون سيدعمون أيّ اتفاق يشبه إلى حد كبير اتفاق أوباما بينما سيمتنع الجمهوريون عن معارضة ترامب. ولا خيار أمام إسرائيل سوى طرح قضيتنا مباشرة على المكتب البيضاوي. يجب أن نبدأ مفاوضاتنا مع الإدارة الأميركية الآن“.

ومنذ محادثات الأسبوع الماضي بين الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عمان، التي وصفها الطرفان بأنها “بناءة”، تباينت المواقف داخل إدارة ترامب ما بين مطالب متشددة، تعتبرها إيران بمثابة “خطوط حمراء”، وبين نهج أكثر تصالحية قد تجنح إليه طهران، حسبما ذكرت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأميركية.

ويرى مراقبون أن ما أثير عن تباين وجهات النظر الأميركية والإسرائيلية حيال تبني نهج متشدد يفضل توجيه ضربة عسكرية لإيران، ربما يمثل ورقة ضغط على إيران قبيل جولة المفاوضات الثالثة في مسقط، لاسيما وسط تهديدات الرئيس الأميركي بأن الولايات المتحدة ستلجأ إلى توجيه ضربات عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية، بمساعدة إسرائيل، ما لم يفض طريق الحوار مع طهران إلى اتفاق.

◄ ما أثير عن تباين وجهات النظر الأميركية والإسرائيلية حيال تبني نهج متشدد تجاه إيران، ربما يمثل ورقة ضغط عليها
ما أثير عن تباين وجهات النظر الأميركية والإسرائيلية حيال تبني نهج متشدد تجاه إيران، ربما يمثل ورقة ضغط عليها

وقال مسؤول إسرائيلي ومصدران مطلعان إن إسرائيل لا تستبعد شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية خلال الأشهر المقبلة، على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الولايات المتحدة غير مستعدة حاليا لدعم مثل هذه الخطوة.

وتعهد المسؤولون الإسرائيليون بمنع طهران من امتلاك سلاح نووي، ويصر نتنياهو على أن أيّ مفاوضات مع إيران يجب أن تؤدي إلى التفكيك الكامل لبرنامجها النووي.

ومن المقرر عقد جولة ثانية من المحادثات النووية التمهيدية بين الولايات المتحدة وإيران في روما اليوم السبت.

وعلى مدار الأشهر الماضية، اقترحت إسرائيل على إدارة ترامب سلسلة من الخيارات لمهاجمة منشآت إيران، بعضها مُخطط له في أواخر الربيع والصيف، وفقا للمصادر.

وتقول المصادر إن الخطط تشمل مزيجا من الغارات الجوية وعمليات للقوات الخاصة تتفاوت في شدتها ومن المرجح أن تعيق قدرة طهران على استخدام برنامجها النووي لأغراض عسكرية لأشهر أو عام أو أكثر.

وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” يوم الأربعاء أن ترامب أبلغ نتنياهو في اجتماع بالبيت الأبيض في وقت سابق من هذا الشهر بأن واشنطن تريد إعطاء الأولوية للمحادثات الدبلوماسية مع طهران، وأنه غير مستعد لدعم توجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية على المدى القصير.

لكنّ المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون الآن أن الجيش قد ينفذ ضربة محدودة على إيران تتطلب دعما أميركيا أقل. وسيكون هذا الهجوم أصغر بكثير مما اقترحته إسرائيل في البداية.

وليس واضحا ما إذا كانت إسرائيل ستُقدم على مثل هذه الضربة، أو متى ستُنفذها، خاصة مع بدء المحادثات بشأن الاتفاق النووي. ومن المُرجح أن تغضب هذه الخطوة ترامب وقد تؤثر على الدعم الأميركي الأوسع لإسرائيل.

وقال اثنان من كبار المسؤولين السابقين في إدارة جو بايدن لرويترز إن أجزاء من الخطط عُرضت سابقا على إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن العام الماضي. وتطلبت جميعها تقريبا دعما أميركيا كبيرا من خلال التدخل العسكري المباشر أو تبادل المعلومات الاستخباراتية.

كما طلبت إسرائيل من واشنطن مساعدتها في الدفاع عن نفسها في حال ردت إيران.

◄ مايكل أورين يرى أنه إذا تم إبرام اتفاق نووي جديد.. فيجب على تل أبيب أن تنخرط في حوار حميم مع البيت الأبيض
مايكل أورين يرى أنه إذا تم إبرام اتفاق نووي جديد.. فيجب على تل أبيب أن تنخرط في حوار حميم مع البيت الأبيض

وردا على طلب للتعليق، أحال مجلس الأمن القومي الأميركي رويترز إلى تعليقات ترامب يوم الخميس عندما قال للصحافيين إنه لم يُثن إسرائيل عن شن هجوم لكنه ليس “متعجلا” لدعم عمل عسكري ضد طهران.

وقال ترامب “أعتقد أن لدى إيران فرصة لأن تكون دولة عظيمة وأن تعيش بسعادة دون موت.. هذا خياري الأول. إذا كان هناك خيار ثان، فأعتقد أنه سيكون سيئا للغاية بالنسبة إلى إيران، وأعتقد أن إيران ترغب في الحوار”.

ولم يرد مكتب نتنياهو بعد على طلب للتعليق. وقال مسؤول إسرائيلي كبير لرويترز إنه لم يتم بعد اتخاذ قرار بشأن توجيه ضربة لإيران.

وقال مسؤول أمني إيراني رفيع المستوى إن طهران على علم بالمخططات الإسرائيلية وإنها “سترد بقوة وحزم” على أيّ هجوم.

وأضاف المسؤول لرويترز “لدينا معلومات استخباراتية من مصادر موثوقة تفيد بأن إسرائيل تخطط لهجوم كبير على المواقع النووية الإيرانية. وينبثق هذا من عدم الرضا إزاء الجهود الدبلوماسية الجارية بشأن البرنامج النووي الإيراني، وأيضا من منطلق حاجة نتنياهو إلى مثل هذه الخطوة كوسيلة للحفاظ على مستقبله السياسي”.

وواجه نتنياهو معارضة من إدارة بايدن عندما طرح نسخة سابقة من الخطة. وقال المسؤولان الكبيران السابقان في إدارة بايدن إن نتنياهو أراد من الولايات المتحدة أن تتولى زمام المبادرة في شن الغارات الجوية، لكن البيت الأبيض في عهد بايدن أبلغ إسرائيل بأنه يعتقد أنه ليس من الحكمة توجيه ضربة ما لم تتحرك طهران لتسريع تخصيب المواد النووية أو طرد المفتشين من البلاد.

كما شكك المسؤولان السابقان في مدى قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ مثل هذا الهجوم بنجاح.

ويؤكد الخبراء والمسؤولان السابقان أن إسرائيل في حاجة إلى دعم عسكري أميركي كبير – وأسلحة – لتدمير المنشآت والمخزونات النووية الإيرانية، التي يوجد بعضها في مواقع تحت الأرض.

وفي حين أن الضربة العسكرية المحدودة التي تفكر فيها إسرائيل ستتطلب مساعدة مباشرة أقل، لاسيما في شكل قاذفات أميركية تُسقط ذخائر خارقة للتحصينات يمكنها الوصول إلى منشآت تحت الأرض على عمق كبير، إلا أن إسرائيل ستظل في حاجة إلى تعهد من واشنطن بمساعدتها في الدفاع عن نفسها إذا تعرضت لهجوم من طهران في أعقاب ذلك، وفقا للمصادر.

وأيّ هجوم يحمل مخاطر. ويقول خبراء عسكريون وآخرون في المجال النووي إنه حتى مع استخدام أسلحة ذات قدرة هائلة، فإن الضربة على الأرجح ستعرقل مؤقتا برنامجا يقول الغرب إنه يهدف في نهاية المطاف إلى إنتاج قنبلة نووية، رغم أن إيران تنفي ذلك.

وأخبر مسؤولون إسرائيليون واشنطن في الأسابيع القليلة الماضية أنهم يعتقدون أن المحادثات الأميركية مع إيران يجب ألا تتقدم إلى مرحلة إبرام اتفاق دون ضمانات بأن طهران لن تمتلك القدرة على صنع سلاح نووي.

على مدار الأشهر الماضية، اقترحت إسرائيل على إدارة ترامب سلسلة من الخيارات لمهاجمة منشآت إيران

وقال نتنياهو عقب محادثاته مع ترامب “يمكن القيام بذلك باتفاق، لكن فقط إذا كان هذا الاتفاق على غرار الاتفاق الليبي: أن يدخلوا ويفجروا المنشآت ويفككوا جميع المعدات تحت إشراف أميركي”.

وأضاف “الاحتمال الثاني هو.. أن تُماطل (إيران) في المحادثات، ثم يأتي الخيار العسكري”.

ومن وجهة نظر إسرائيل، قد تكون هذه لحظة مناسبة لتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية.

ويتعرض حلفاء إيران، حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة وجماعة حزب الله في لبنان، لضربات إسرائيلية منذ بدء حرب غزة، بينما تستهدف ضربات أميركية الحوثيين في اليمن. كما ألحقت إسرائيل أضرارا بالغة بأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية في تبادل للهجمات في أكتوبر 2024.

وأقر مسؤول إسرائيلي كبير، في حديثه مع الصحافيين في وقت سابق من هذا الشهر، بوجود حاجة ملحة إلى شن ضربة قبل أن تعيد إيران بناء دفاعاتها الجوية. إلا أن المسؤول الكبير أحجم عن تحديد توقيت زمني للتحرك الإسرائيلي المحتمل، وقال إن مناقشة هذا الأمر “لا جدوى منها”.

6